طريقة جديدة نحو “القفص الذهبي”

"فيسبوك"، "تويتر"… وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، يعود لها الفضل الأول في ارتباط عدد من الشبان والشابات. هذا الواقع يدفع بعضهم إلى السؤال عما إذا تحولت الإنترنت إلى قفص ذهبي، تشهد صفحاتها يوميا نشوء مئات العلاقات العاطفية. قد لا يستغرب بعضهم هذه الظاهرة نظرا إلى أن الانترنت لصيقة بالأنشطة الإنسانية، بينما في المقابل قد يحذّر المراقبون من انعكاساتها السلبية. لكن في الحالتين، للشباب رأي مغاير، إذ تروي رين شمعون (23 عاما) انها "تعرّفت إلى جان قرياقوس في دردشة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. لم أولِ المسألة أهمية، إلا ان التواصل بيننا استمر". واصلت رين التحدث مع صديقها جان طوال عام من دون أن يخرجا ويلتقيا وجها لوجه، وتقول: "لم أكن أبحث عن علاقة جدية، ولكن من البداية شعرت بأنه صادق معي، ولو أننا لم نلتقِ إلا بعد عام من التحدث والدردشة بوتيرة متواصلة". في هذا السياق، تؤكّد رين أنها لا تخجل من الطريقة التي تعرفت فيها إلى جان الذي سيصبح قريبا زوجها. "أين المشكلة في الأمر، إذا كانت صفحات الإنترنت تتيح المجال أمام أبناء هذا الجيل للتلاقي"؟ تضيف: "لا شك في أن التعارف عبر الانترنت غير كاف، ولا بد من اللقاءات المباشرة ولا سيما في ما لو أراد الطرفان تحويل صداقتهما إلى علاقة رسمية".

التعارف عبر الانترنت لا يعني التسرع. بدوره، يروي جان قرياقوس أنه تعرّف إلى رين بعدما أنهى تخصصه بالتمريض في الجامعة الأنطونية، "لم أفكر يوما أنني سألتقي شريكة حياتي من خلال الانترنت، ولكن بما أن هذه الوسيلة لم تعد تنفصل عن يومياتنا، فقد تسرّبت إلى أكثر الأمور حميمية في العلاقات الانسانية". وفي هذا السياق، "يلفت جان الانتباه إلى ان ضيق الوقت وانهماك الشباب بأكثر من وظيفة قد يدفعانهم أكثر نحو مواقع التواصل الاجتماعي. لكنّ هذا لا يعني التسرع في اتخاذ الخطوات وتطوير العلاقات".

رأي علم النفس

من جهته، يعتبر الأخصائي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري أنّ "تعامل الشباب مع مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّها مجرد عتبة أولى، لتأمين لقاءات مباشرة في مرحلة لاحقة، لا يسبب مشكلة". ويضيف: "في هذه الظاهرة أخطار كثيرة، لذا من الأفضل ان يتعرّف الانسان إلى الآخر بطريقة مباشرة، يتمكن من خلالها التمييز بين الكلام العفوي والمنمّق. ويُستدَلّ من الحركات الجسدية على مدى شفافية الكلام الذي يسمعه وجديته".

لا ينكر خوري الدور الإيجابي الذي يمكن أن تؤديه الانترنت من تثقيف للفرد وتوفير الوقت له، إلا انه يحذر من جوانبها السلبية، قائلا "تخفي الشبكة العنكبوتية في طياتها وجها مغايرا تكسوه الأكاذيب، الفخاخ، وغالبا ما تقتحم خصوصية الفرد". ويضيف: "ما يزيد الطين بِلَّة اتساع فضاء هذه المواقع التي تفتقر إلى المقوّمات الاخلاقية، وإلى أي رادع، فلا سقف لها يمكن الوقوف عنده. والمؤسف ان بعض الشباب غير مؤهلين على نحو كاف لدخول مواقع التواصل الاجتماعي، ما يحفزهم على الاتجاه نحو خيارات خطرة تؤثر في مستقبلهم".

أما عن الدوافع التي تدفع شابا إلى البحث عن شريكة حياته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيوضح خوري: "أسباب متنوعة تدفع أي شاب أو فتاة نحو هذا الاتجاه، منها: الفشل المتكرّر من العلاقات المباشرة، خوف من العنوسة والتقدم في السن، في حين أن نظرات المجتمع لا ترحم، كما أن ضيق الوقت وكثرة انهماك أبناء هذا الجيل قد يدفعانهم الى هذه الأساليب الحديثة". ويضيف: "لا شك في أن للضائقة الاقتصادية دورا أساسيا في تعزيز اللجوء نحو هذه المواقع، ولا سيما أن استخدامها غير مكلف". في السياق نفسه، يلفت خوري إلى بعض الأسباب المرتبطة بطباع الفرد، فيقول: "منهم من يستخدم هذه المواقع ليخفي خجله، أو بعض الأمور في شخصيته لا يعتزّ بها، وذلك من خلال صفحات الانترنت".

في ظل أجواء الغبطة والطمأنينة التي يتلمّسها الشباب في أثناء إقبالهم على هذه المواقع، يحذّر خوري: "منهم من يتسرّع في الاتجاه نحو الزواج، فهذه الفكرة وما يرافقها من تشويق وتحضيرات، تعزّز نرجسية الفرد، وحب الظهور، وجذب الأنظار، وفي الوقت عينه تبعده عن المنطق والصواب. لكن، بعدما تنتهي الاحتفالات، "بتروح السكرة وبتجي الفكرة". ويضيف: "يكتشف الشاب بعد فوات الأوان أن حاجته إلى الطرف الآخر لم تبلغ حد الارتباط والزواج به".

أما عن النتائج التي يمكن أن تعكسها هذه الظاهرة، فيجيب خوري: "غالبا ما تدور في فلك الخلافات، الإنفصال، وربما قد تؤدي إلى الطلاق". من هنا يؤكّد خوري أنه من أنصار التعارف وفق الطريقة الكلاسيكية، "لا أحبّذ أن تؤمّن مواقع التواصل الاجتماعي اللقاء بين الذكر والأنثى، فلا أعترف بجدواها ولا بنجاحاتها. الحل الأنسب أن يلتقي الثنائي وفق ظروف الحياة، بطريقة مباشرة، تسمح لهما بالتعرف إلى احتياجات أحدهما الآخر، وإلى طقوسهما".

من الواضح أن تقنيات التكنولوجيا الحديثة أتاحت مجالات متعددة لتلاقي الشباب، ولكن تبقى القاعدة الذهبية لضمان نجاح العلاقات العاطفية، على حد تعبير خوري، "التريث والتأنّي والابتعاد عن

القرارات الارتجالية".

السابق
ضوء أخضر سياسي من يُطفئه؟
التالي
فوز لائحة 8 آذار في الانتخابات التكميلية لنقابة مستخدمي “MEA”