حكومة جديدة في سوريا: خلفـيات أكاديميـة لمرحلة انتقالية

شكل الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، الحكومة الثالثة في عهده منذ توليه السلطة في العام 2000، والتي سيقع على عاتقها تنفيذ سياسة إصلاحية، في واحدة من أكثر مراحل سوريا حرجا، لتقود «مرحلة انتقالية» وفق ما قالت مصادر رفيعة المستوى لـ«السفير» تكون قد توضحت فيها آفاق الحياة السياسية والاقتصادية المقبلة في البلاد.

وتزامن إعلان التشكيلة الحكومية برئاسة عادل سفر، التي ضمت 14 اسما جديدا، مع استمرار العنف في بانياس، التي قالت مصادر رسمية أن عنصرا من الجيش قتل فيها برصاص قناص وأصيب آخر، فيما استمع الأسد لوفد من وجهاء درعا، ضم 50 شخصا، لثلاث ساعات في إطار جهود إصلاح الأوضاع في تلك المحافظة. وعلم أن لقاء مشابها يحضر مع فعاليات من مدينة بانياس، لكن تحول دونه التطورات الميدانية في المدينة ومحيطها.

وكما كان متوقعا صدرت التشكيلة الحكومية، وتضم 30 وزيرا، من دون رئيسها عادل سفر، منهم 12 قدامى من حملة الحقائب، حافظ 8 منهم على مناصبهم في وزارات أساسية، ولاسيما الدفاع والخارجية وشؤون رئاسة الجمهورية والأوقاف كما النفط والاتصالات والثقافة والبيئة، واثنان استبدلا حقيبتيهما (دون ذكر سفر وزير الزراعة السابق الذي يترأس الحكومة الآن)، فكان أن انتقلت لمياء عاصي من الاقتصاد للسياحة، وعمر غلاونجي الذي انتقل للإدارة المحلية من الإسكان والتعمير، وحافظت الوزارة على ثلاث وجوه نسائية كما العادة.
وخسر جوزيف سويد (قومي سوري) حقيبة وزارة المغتربين التي باتت جزءا من اختصاصات وزارة الخارجية، وبقي من بقي من وزراء الدولة مكانه بما يمثلونه من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. وغاب عن التشكيلة منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الذي شغله عبد الله الدردري، وخطط عبره سياسة البلاد الاقتصادية.

أما في ما يتعلق بباقي التشكيلة، فاتفق على أن قسما كبيرا من الأسماء يأتي من خلفيات أكاديمية، وبينهم وزير المالية الحالي محمد الجليلاتي، وهو باحث اقتصادي ويرأس البورصة في سوريا. أما وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار فهو أيضا باحث اقتصادي متخصص في المصارف الإسلامية، وترأس أحد المصارف التي تعنى في هذا الشأن، كما سبق وشغل منصب حاكم مصرف سوريا المركزي في حلب.
أما وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم الشعار فسبق له أن شغل منصب قائد الشرطة العسكرية في سوريا، وترأس الأمن العسكري في لبنان في فترة الوجود السوري. وجاء النائب العام لرئاسة الجمهورية القاضي تيسير قلا عواد إلى وزارة العدل، وهو كما بات معروفا يرأس لجنة التحقيقات في أحداث درعا واللاذقية ودوما وفق ما أعلن رسميا.

أما وزير الإعلام عدنان محمود، وهو من مواليد طرطوس، فجاء من خلفية إعلامية، باعتباره مديرا لوكالة الأنباء السورية (سانا) وسبق له أن شغل مدير مكتب الوكالة في القاهرة. وهو يحمل دكتوراه في الاعلام من جامعة القاهرة، وعضو هيئة تدريسية في كلية الاعلام في جامعة دمشق. وشارك في العديد من المؤتمرات العربية والدولية والندوات الاعلامية المتخصصة، وقدم ابحاثا ودراسات تطبيقية حول النماذج الاعلامية المستخدمة للتأثير في اتجاهات الرأي العام ومواكبة بيئة الاعلام المعاصر.
كما أصدر الأسد مرسوما قضى بتعيين تيسير محمد الزعبي بوظيفة أمين عام رئاسة مجلس الوزراء.

وفي سياق آخر، التقى الأسد بوفد من وجهاء محافظة درعا وفق ما ذكرت مصادر مطلعة لـ«السفير» وذلك على خلفية الأحداث التي جرت في المحافظة على مدى أربعة أسابيع. وعلم أن الأسد اجتمع مع حوالى 50 شخصا من ممثلي المحافظة المختلفين، واستمع لمدة ثلاث ساعات لمطالبهم، التي شددوا فيها «على رفض الفتنة، واعتبار استقرار البلاد خطا أحمر»، مكررين ضرورة تنفيذ مطالبهم، وبينها التحقيق في الأسباب التي أدت لسقوط ضحايا في المواجهات ومحاسبة المسؤولين، ونقل المراكز الأمنية إلى خارج المدينة، بالاضافة الى الإفراج عن المعتقلين.

وهو اللقاء الثالث خلال ثلاثة أيام بين وجهاء من درعا ومسؤولين سوريين، حيث كان سبق لنائب الرئيس فاروق الشرع أن اجتمع مع أعضاء من الوفد الثلاثاء الماضي وعادل سفر الأربعاء. وعلمت «السفير» أن استعدادات تجري للقاء مشابه مع وفد من مدينة بانياس، وذلك على الرغم من عدم انتهاء العملية الأمنية فيها، والتي وفقا لمصادر رسمية كان من خسائرها أمس مجند من الجيش اسمه فادي عيسى الذي قتل برصاص قناصة، وأصيب آخر هو تيسير عمران. وذكرت «سانا» أن «المواجهة أسفرت عن مقتل ثلاثة من أفراد المجموعة المسلحة الإجرامية وإصابة ثمانية، وإلقاء القبض على عدد من المخربين والمشتبه بهم لإحالتهم إلى العدالة والاستيلاء على سيارة سياحية يستخدمها أربعة من المخربين».
وفي سياق مشابه، ذكر بيان نشر على «سانا» انه و«بناء على اجتماعات الأسد مع فعاليات دينية وشعبية في عدد من المحافظات، واستمع خلالها إلى آراء الأخوة المواطنين ومقترحاتهم لتطوير العمل الوطني، وحرصا منه على تدعيم التلاحم بين أبناء الشعب، وتقديراً منه لحرصهم على سلامة الوطن وأمنه واستقراره، قرر الأسد الإفراج عن جميع الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة ممن لم يرتكبوا أعمالا إجرامية بحق الوطن والمواطن». وتلقى الاسد اتصالا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تم خلاله بحث الاوضاع في المنطقة.

وكان رئيس «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن قال لوكالة «فرنس برس» إن أهالي مدينة بانياس ابرموا اتفاقا مع القيادة السورية، يقضي «بدخول الجيش إلى المدينة لحفظ النظام ومحاسبة المسؤولين عن الأحداث التي جرت خلال الأيام الماضية في المدينة». وأكد ناشطون في بانياس أن «السكان استقبلوا الجيش بحرارة وهتفوا الشعب والجيش يدا بيد وبالزغاريد».

وفي حين نقلت «فرانس برس» عن شهود عيان قولهم إن متظاهرين من قرى درعا قطعوا الطريق العام المؤدي إلى الحدود الأردنية، قالت مصادر لـ«السفير» إن الأمر يعود إلى أمور خدمية مرتبطة بقرارات صادرة عن الجمارك العامة.
وقال عضو «الأمانة العامة لإعلان دمشق» جبر الشوفي إن قوات الأمن السورية فرّقت تظاهرة احتجاجية شارك فيها حوالى 150 شخصاً في السويداء، للمطالبة بإطلاق الحريات العامة. وأضاف ان قوات الأمن «اعتقلت ثلاثة شبان لفترة قصيرة وأطلقت سراحهم لاحقاً»، مؤكداً أن المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين كانت محدودة.
وأكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية انه لا صحة إطلاقا لما جاء في التصريح الأميركي حول مساعدة طهران لدمشق في قمع التظاهرات، مضيفا انه «إذا كان لدى الخارجية الأميركية أدلة فلماذا لا تبرزها».

وكانت وزارة الخارجية الأميركية اتهمت طهران بمساعدة دمشق على قمع التظاهرات. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، ردا على سؤال عما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» حول هذا الموضوع، «نعتقد أن هناك معلومات ذات مصداقية حول تقديم إيران مساعدة لسوريا في قمع التظاهرات وهذا أمر مقلق فعلا». وأضاف «إذا كانت سوريا تطلب من إيران المساعدة فلا يمكنها الحديث جديا عن إصلاحات». وكانت الصحيفة نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن طهران بدأت بتسليم دمشق معدات لمكافحة الشغب، وان شحنات إيرانية أخرى مماثلة في طريقها إلى سوريا.

وفي برلين («السفير») قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، على هامش اجتماع لحلف شمال الأطلسي في برلين، «تحدثنا مع (وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري) كلينتون في الموضوع السوري، وأدنّا استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين والاهالي. كما وجدنا خطاب الرئيس بشار الأسد مخيبا للآمال، ولتطلعات الشعب السوري، وكنا نتمنى أن يمضي قدما في الإصلاحات لكننا لن نذهب إلى مجلس الامن كل أسبوع لنعرض عليه قرارا مثل القرار 1973» الخاص بليبيا.

من جهة أخرى، استبعدت المفوضية الأوروبية أن توقع حاليا على اتفاق شراكة مع سوريا. وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية المكلفة العلاقات مع دول الجوار الأوروبي ناتاشا باتلر «بالطبع في الظروف الحالية توقيع الاتفاق ليس مطروحا». وذكرت بان الاتفاق يرمي إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في سوريا، موضحة أن «الوضع في سوريا يثير القلق الكبير». وأضافت «حاليا الأولوية المطلقة هي أن تتوقف قوات الأمن السورية عن استخدام القوة ضد المتظاهرين المسالمين ولبدء سوريا جديا بإصلاحات».

السابق
أزمة التأليف “معلّقة بحبال” التفاهم السوري – السعودي
التالي
عون فاجأ الجميع