أزمة التأليف “معلّقة بحبال” التفاهم السوري – السعودي

توقفت مصادر سياسية أمام ما أعلنه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في القصر الجمهوري في بعبدا قبل ظهر أمس، عندما قال: "في الحقيقة، إن الحكومة تتألف في لبنان، ونحن نؤلفها في لبنان، ونحن ننظر إلى المسألة من خلال المنظار اللبناني ووفق التركيبة اللبنانية…" فرأت فيه جانبا من الحقيقة التي لا يمكن الرئيس ميقاتي إلا الاعتراف بها وتغليبها على حقائق الأمور التي تعطي الخارج دورا اكبر في تشكيلها. والسبب عند الرئيس ميقاتي معروف، وهو منعا لأية تأويلات وتفسيرات ونظريات تلاحقه منذ أن كُلِّف تشكيل الحكومة الجديدة في 25 كانون الثاني الماضي، بالقول إنه قبل أن يرأس "حكومة حزب الله" في لبنان.

لكنّ هذا المنطق الدستوري الذي يتحكم في آلية تشكيل الحكومة، وفقا للمادة 54 من الدستور، والذي يتمسك به كل من رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي، يفتقد الكثير من بريقه عندما يرصد العاملون على خط التشكيلة الحكومية حركة الموفدين بين بيروت ودمشق سعيا وراء إنهاء هذه العقدة أو تلك، كما بالنسبة إلى "الحركة الليلية" التي تشهدها الضاحية الجنوبية من بيروت، والرهان الكبير المعقود على دور الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في تدوير الزوايا وإرضاء هذا "المستوزر" أو ذاك، كما من اجل تخفيض سقف المطالب لدى هذا التيار والحزب أو ذاك. تزامنا مع اعتراف الرئيس المكلف نفسه، ومن على باب قصر بعبدا بقوله عند حديثه عن العراقيل التي تحول دون ولادة الحكومة: "هناك بعض الكتل التي تطلب حجما معينا وحقائب محددة، ولها الحق أن تطلب، وأنا لا أنكر الحق لأحد، ولكن لنا الحق أيضا، فخامة الرئيس وأنا، بأن نكون المؤتمنين على هذا الموضوع…"

وبعيدا من العناصر الداخلية التي تتحكم في مصير مهمة ميقاتي والموعد الجديد لولادة الحكومة العتيدة، وهي باعتراف القريب والبعيد قليلة جدا، فإنّ الكواليس تعج بالروايات التي تعطي الأزمة ابعادها الخارجية، وتتحدث إحداها عن التأثيرات السلبية لما يجري في العالم العربي، بعدما وضعت مواقف بعضهم لبنان على خط الزلازل العربية وفي عمق المواجهة الحامية في أتون المحاور، ولا سيما ما يتصل منها بالخلاف الخليجي – الإيراني عموما والسعودي – البحريني – الإيراني تحديدا.

وعليه، فقد قالت مصادر مطلعة على المفاوضات والمشاورات الجارية على خط دمشق – الرياض، التي أفاقت من سباتها العميق بعد سقوط السين – سين اللبنانية، بعد دخول "قوات درع الجزيرة" البحرين في 17 آذار الماضي بناء على طلب ملكها، وهي مستمرة بزخم وبأشكال عدة، وأبرزها تلك الجارية، إضافة الى القنوات الديبلوماسية على مستوى شخصي بين الرئيس السوري والعاهل السعودي، الأول ممثلا باللواء علي مملوك والثاني بنجله مستشاره الأمير عبد العزيز بن عبد الله اللذين يتواصلان على نحو شبه دوري في الملفات كلها التي تتحكم في حجم العلاقات بين البلدين والمبنيّ على قواعد مشتركة، يذكر منها على سبيل المقارنة فحسب:

– الأول من خلال الموقف السوري الداعم للمهمة السعودية في البحرين، والذي اعلنه وزير الخارجية السورية وليد المعلم عبر صحيفة "الشرق الأوسط" عندما "أسبغ" الشرعية على مهمة قوات "درع الجزيرة" السعودية غداة دخولها البحرين، على رغم المواقف الرافضة التي صدرت على لسان الأمين العام لحزب الله والموقف الإيراني الرافض لهذه الخطوة، واعتبارهما ما حصل احتلالا لدولة البحرين.

– والثاني ظهر عندما كلف الملك السعودي نجله ومستشاره الأمير عبد العزيز نقل دعمه القوي للنظام السوري غداة الاتصال الهاتفي الذي اجراه الملك عبد الله بالرئيس الأسد عندما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في ضيافته في الرياض، ليؤكد له دعمه لنظامه وليطمئنه إلى خاصرته اللبنانية، تزامنا مع الأنباء الأولى لانتفاضة درعا، وتضامنه مع نظام الأسد في مواجهة ما سمّي بموجة الاضطرابات التي تعيشها سوريا.

وعلى هذه الخلفية المشتركة، يقول العارفون إن حركة الموفدين لم تعد معلنة منذ اسبوعبن تقريبا. وهي مستمرة بمعدل شبه دوري وكلما دعت الحاجة. ومن آخر ما رصده المراقبون، الزيارة الأخيرة التي قام بها اللواء مملوك يوم الجمعة الماضي الى الرياض، بعد 72 ساعة على زيارة غير معلنة لنظيره السعودي الى دمشق، حيث جرى حديث مستفيض في احداث سوريا. ونقل الموفد السوري الى المسؤولين السعوديين مضمون التحقيقات مع ما يسمّونه شبكة ارهابية يديرها تيار "المستقبل" في سوريا، إضافة الى معلومات عن شبكات أخرى يبدو انها لم تكشف بعد اعلاميا. والى الملف الأمني السوري، جرى حديث في ما يعيق تشكيل الحكومة الجديدة في بيروت، فكان تفاهم على أهمية ان يستمر الهدوء في لبنان، وان يكون هناك ما يضمن من الجانب السعودي نيابة ما يؤدّي الى عدم التدخل في الشؤون السورية الداخلية، وأي تحرك يقود الى تشجيع المتمردين في سوريا على الاستمرار في اعمال العنف ضد النظام. فيما تعهد الجانب السوري احترام ما يضمن مصالح الطائفة السنية في لبنان، وما يضمن صلاحيات الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، وألا يكون في لبنان حكومة لا ترضى عنها المملكة.

وتقول المصادر إن اللقاء قوّم نتائج تفاهم مماثل كان قد جرى قبل فترة بين الطرفين، عندما تعاونا لتوفير الأجواء التي قادت الى حضور الرئيس ميقاتي اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي في دار الفتوى وحيدا وضمان ما حظي به من غطاء لم يكن متوافرا له من قبل مخافة أن "يسقط الرئيس المكلف في التجربة" بعدما أصبح تكليفه امرا واقعا لا ينكره أحد، وبات "الموقع السنّي الثالث" في عهدته يصيبه ما يصيب الرجل.

وعلى هامش الحديث عن الخدمات المتبادلة بين البلدين، تقول المصادر المطلعة إن الملف اللبناني بات من القضايا المدرَجة على جدول اعمال مهمات الموفدين. ولئن لم تكن له الأولوية على الوضع في البحرين والداخل السعودي كما الداخل السوري، فإنه حاضر بقوة، طالما أن الحد الأدنى من التفاهم قائم بينهما على قاعدة احترام رأي الآخر بما يجري في لبنان، وعدم إقدام اي منهما على اية خطوة من طرف واحد ما لم يكن التوافق المسبق قد تحقق حولها أو على الأقلّ أخذ العلم بها.

لذلك، تقول المصادر في قراءتها نتيجة هذه التطورات على خط دمشق – الرياض، إنّ الربط بين الاتهام السوري لتيار "المستقبل" بالتورط في أحداث سوريا ومدى تطور العلاقات بين سوريا والسعودية أو تأزمها، ليس دقيقا ابدا، لا بل ليس في محله، وربما يمكن، إذا قام هذا الربط من زاوية محدودة للغاية، اعتبار الاتهام السوري دعوة ملحّة الى السعودية لتقديم البحث بالملف اللبناني على ملفات أخرى وضعت على جدول اعمال الحوار بين الطرفين.

كذلك، إن الربط بين الاتهام السوري والحديث عن توتر في الداخل اللبناني، لصرف النظر عن أحداث سوريا الدامية وما يجري فيها، ليس دقيقا ايضا، إذ إن تغطية ما يجري في سوريا لا يتصل بما يمكن ان يحصل على الساحة اللبنانية بتاتا، وإنّ ضمان الهدوء على الساحة اللبنانية لا يقف عند حدود رواية تلفزيونية الهدف منها استثمارها في الداخل السوري اكثر من خارجه، ولتبرير اعمال العنف التي تقوم بها قوات الأمن السورية بحق المتظاهرين. إضافة الى الاعتبار الأقوى أن القرار الأمني في لبنان لم يعد قرارا سوريّا فحسب، فلإيران الحصة الكبرى في إدارة الملف الأمني في لبنان، والضمانات الإيرانية اقوى من نظيراتها السورية وخلافها.

قد يعتقد بعضهم ان هذه الأمور الخارجية كلها بعيدة كل البعد من حجم العقد الحكومية، فيما هي باتت في صلبها وتحول دون ولادتها، وإن لم يتم التفاهم بين الطرفين على "الصيغة الفذة" التي يمكن أن تولد من رحم التفاهم بينهما، من دون تجاهل الدور الإيراني في لبنان. وإلا فإنّ التشكيلة الحكومية التي يمكن ان تبصر النور ستبقى عالقة في عنق الأزمة ما بين الرابية وفردان وبعبدا والضاحية الجنوبية، ليس لسبب إلا لتغليف العقد الخارجية وإبعاد الشبهات عن كل ما يسمى تدخلا في الشؤون الداخلية اللبنانية.

وبناء على ما تقدّم، وللمناسبة، قال أحد الظرفاء في تعليقه على موقف الرئيس بري بدعوته أمام النواب في لقاء الأربعاء النيابي زملاءه النواب الى التعاون معه والمشاركة في "صلاة الاستسقاء للولادة الحكومية"، بالقول إن سوريا من قبل والسعودية بعدها اوقفتا الاعتماد على هذه الصلاة إثر الفيضانات التي عاشتها جدة والمدن السعودية والبساط الأبيض الذي غطى مناطق منها، لأن الطقس تغير كثيرا عندها، ولم تعد هذه الصلاة معتمدة في صحرائها.

السابق
الفلسطينيون وفواتير الخفة والانقسام ·· والرهانات العبثية!
التالي
حكومة جديدة في سوريا: خلفـيات أكاديميـة لمرحلة انتقالية