يستخف بالعدو

بعد تعيين يورام كوهين رئيسا لجهاز الامن العام توجته وسائل الاعلام بالمديح لشخصيته وتجربته وقدراته. لم يكن بعض النعوت دقيقا كثيرا، أو كانت مبالغا فيها مثل زعم انه خبير بايران مثلا. إن كوهين عمل مدة ما رئيسا لوحدة صغيرة عالجت تثبيط التجسس العربي والايراني لكن هذا لا يؤهله ليكون صاحب خبرة بهذه الدولة. لكن أهم من ذلك أن نفحص عن آرائه إزاء التحدي المركزي الذي سيجابهه "الشباك" في السنين القادمة: حماس.

يُظهر كوهين استخفافا بحماس ويعتقد انها منظمة ضعيفة من جهة عسكرية، فشلت فشلا ذريعا في عملية "الرصاص المصبوب". كتب هذه الامور قبل نحو من سنة ونصف في مقالة نشرها مع جيفري وايت، وهو رجل استخبارات امريكي من قبل معهد واشنطن لبحوث الشرق الاوسط. يزعم الاثنان في المقالة أن "حماس فشلت" ويعدّان سلسلة طويلة من الاخفاقات: فهي لم تنجح في ردع اسرائيل عن الهجوم؛ ولم تنجح في إحداث خسائر في الجيش الاسرائيلي أو السكان المدنيين في اسرائيل في حين أن "حماس نفسها تحملت خسائر"؛ وكان قادتها السياسيون والعسكريون من غير "شجاعة شخصية" و"عمليات المنظمة العسكرية كانت ضئيلة الشأن دون توقعاتها".

إن تجدد اطلاق النار في الاسبوعين الأخيرين بين اسرائيل وحماس والمنظمات الاخرى التي تعمل في غزة يبرهن على انه يمكن ألا يثبت تقدير كوهين لامتحان الواقع. على كل حال يمكن بسهولة تطبيق نقاط الضعف والاخفاقات التي يعزوها الى حماس على اسرائيل ايضا.

المؤامرة
في الاسبوع الماضي بثت القناة الاولى فيلما عن العميد جو ألون، وهو ملحق سلاح الجو في الولايات المتحدة، الذي قُتل في تموز 1973 قبل ثلاثة اشهر من حرب يوم الغفران، عند مدخل بيته في ضاحية في واشنطن. لم يُحل الى اليوم لغز القتل الذي نفذه مختص.

إن كل من كان يجب عليهم التحقيق في القضية أهملوها: الشرطة المحلية والـ "اف.بي.آي" و"الشباك" والموساد. إن التأليف بين اهمال الاجهزة الأمنية، والسلوك البيروقراطي المتبلد الحس نحو العائلة واللغز الذي لم يُحل انشأ ارضا خصبة لاشاعات وسمادا لنظريات المؤامرة. وقد جرى تعزيزها من قبل الأرملة دبوره ألون التي أورثتها لبناتها. توجهن إلي قبل بضع سنين وطلبن مشورتي ومساعدتي. أوضحت لهن أنني لا أومن بنظريات المؤامرة لكنني نشرت في صحيفة "هآرتس" عددا من التقارير الصحفية عن قتل أبيهن أعادت الموضوع الى برنامج العمل العام.
على أثر ذلك بدأت ليئورا عمير – بارماتس تحقيقا عميقا نضج حتى أصبح فيلما، أثار مثل تقاريري الصحفية عددا من التخمينات عن خلفية القتل ودوافعه. وتشتمل على القتل على خلفية عاطفية أو جنائية أو سياسية. كان التقدير الجارف جدا لحينه أن القتل تم على خلفية عاطفية. وفي تقديري انه لو كان الدافع سياسيا لكان يمكن أن يتم القتل على يد منظمة ارهابية فلسطينية.

لكن بخلاف تقاريري الصحفية منح الفيلم الذي ظهرت فيه لعدة ثوان، زمن شاشة لنظريات التآمر ايضا التي تعزو القتل الى سر كشف ألون عنه. كان هذا السر يمكن ان يكون كما تعتقد البنات وأنصار نظرية المؤامرة شيئا يتعلق بالاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة أو اسرائيل. وفي هذا السياق أثارت البنات نظرية أن أباهن علم أن وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر تعاون مع وزير الدفاع موشيه ديان ورئيس مصر أنور السادات على تمكين جيش مصر من الخروج الى حرب يوم الغفران ليُحرك بعد ذلك مسيرة السلام ويعزز تأثير الولايات المتحدة في المنطقة.

أُجري لقاء في البرنامج مع عدد من المتحدثين أيدوا نظرية المؤامرة وفيهم المؤرخ المختلف فيه الدكتور أوري ملشتاين وهو جندي أُصيب بصدمة حرب من سلاح الهندسة، وطيار سابق في سلاح الجو، والعميد يعقوب أغاسي والأديبة نعومي فرانكل (التي توفيت بعد اذاعة المقابلة). وكان هناك برهان آخر على النظرية هو الكلام الذي قاله في ظاهر الامر اللواء شموئيل غوروديش في مقابلة صحفية. في تحقيق جرى بعد بث الفيلم تبين أنه لا يوجد أي مصدر يثبت أن غوروديش قال الكلام المنسوب اليه. وقد اعتمد المتحدثون للبرهان على نظرية المؤامرة لديهم على أدلة ظروف وأقوال سمعوها من أناس توفوا ولا يستطيعون الرد. لكن لم يعرض المتحدثون ولا البرنامج دليلا صغيرا على تصديق الفرضية.

المشكلة في نظريات المؤامرة هي انه لا يمكن البرهان عليها. من هذه الجهة فان دعوى أن ديان اشترك قبل الحرب في مؤامرة سرية مع كيسنجر والسادات تشبه دعوى انه توجد مخلوقات غريبة تهبط على سطح الكرة الارضية، أو أن الفيس بريسلي ما يزال حيا حتى الآن. لا مخالِف عن أن ديان وغولدا مئير قررا بخلاف موقف رئيس هيئة الاركان وقادة الجيش الاسرائيلي عدم الخروج في هجوم استباقي، وأنهما عرفا في يوم السبت صباحا، السادس من تشرين الاول 1973، أن جيشي مصر وسوريا سيبدآن في غضون ساعات حربا. وهذه امور قد ظهرت في أبحاث جدية كثيرة تعتمد على وثائق أصلية من أرشيف الجيش الاسرائيلي. وقد برهنت هذه الأبحاث على أن قرارهما المخطوء نبع من خشية أن يتم اتهام اسرائيل بالمسؤولية عن نشوب الحرب واخطآ بذلك خطأ فظيعا. وبالمناسبة يُشك في أن يكون هجوم استباقي كان قادرا على منع انجازات جيشي مصر وسوريا في ايام الحرب الاولى. وعلى كل حال، ما العلاقة بين تقدير ديان المخطوء ومقتل ألون؟.

من المؤسف أن قناة التلفاز الرسمية ولا سيما قسم التوثيق وبرنامج "مباط شني"، يُقدمان نظرية مؤامرة هاذية تتعلق بأحد الأحداث الأكثر صدما في تاريخ دولة اسرائيل. لا تستطيع شبكة الاذاعة ان تسلك سلوك المجلات الصفراء الطائشة الباحثة عن الفضائح والتي لا مسؤولية عندها.
في رد على ذلك قال إيتي لندسبيرغ، مدير قسم التوثيق و"مباط شني" في القناة الاولى، انه يعتقد ان جميع الامكانات وفيها امكانية مؤامرة في ظاهر الامر بين ديان وكيسنجر تستحق نقاشا عاما.

"أعتقد أن هذه امكانية واقعية"، قال لندسبيرغ وطلب أن يؤكد أن "المؤامرة التي أتينا بها في البث تختلف تماما عن نظرية المؤامرة في قتل اسحق رابين التي لا تستحق نقاشا جديا في الحقيقة".

السابق
هذا ضعف وهذا مردوده
التالي
ثمن استراق الرأي