هل تنجح بكركي في تحقيق العبور إلى الدولة؟

السلاح خارج الدولة سبَّب حرب عام 1975، والخلاف على وجود القوات السورية في لبنان أشعل "ثورة الأرز" و"انتفاضة الاستقلال" بعد سلسلة اغتيالات استهدفت الرئيس الحريري وخيرة رجال لبنان. فأي ثمن سيدفعه لبنان إذا استمر الخلاف على سلاح "حزب الله"؟

لقد انتهت حرب عام 1975 بالتوصل الى "اتفاق الطائف" وبدخول قوات سورية الى لبنان أوقفت الاقتتال وأخرجت المسلحين الفلسطينيين من لبنان الى تونس، وخرجت هذه القوات من لبنان بعد نضال سياسي بدأ مع أول نداء شهير صدر عن بكركي يدعو الى خروج هذه القوات من أجل استعادة السيادة والحرية والاستقلال، وتكوّن حول هذا النداء ودعماً له ما عرف بـ"لقاء قرنة شهوان" الذي ضم شخصيات مسيحية بارزة من دون أية شخصية اسلامية الى أن تحوّل هذا اللقاء لقاء جامعاً عرف بـ"لقاء البريستول" وضم شخصيات مسيحية واسلامية، وكان ذاك اللقاء بداية الحركة الشعبية الفاعلة، التي أدت الى انسحاب القوات السورية من كل لبنان.
وإذا كان الكاردينال صفير صار بطريرك الاستقلال الثاني لأنه اطلق أول نداء لبكركي دعا فيه الى انسحاب القوات السورية من لبنان، فهل يكون الراعي بطريرك تحقيق العبور الهادئ الى الدولة القوية الواحدة القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها؟

لقد أجمع الزعماء المسيحيون في الماضي على الوقوف في وجه السلاح الفلسطيني عندما تحول الى الداخل، لكنهم لم يجمعوا على اتخاذ موقف واحد من بقاء القوات السورية في لبنان خلافاً لاتفاق الطائف، فاعتبر بعضهم أن هذا البقاء "شرعي وضروري وموقت" لحفظ الأمن والاستقرار ولا يشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية، فيما اعتبر بعضهم الآخر خلاف ذلك. فهل يتفقون الآن على اعتبار سلاح "حزب الله" ليس خارج الدولة فحسب بل خارج إمرتها، وهو "شرعي وضروري وموقت" في نظر بعضهم وغير شرعي وغير ضروري وليس موقتاً في نظر بعضهم الآخر؟

في الماضي كان السؤال الذي يطرح على القيادة السورية هو: متى تقرر سحب قواتها من لبنان، فكان الجواب تارة بالقول: عندما تطلب الحكومة اللبنانية ذلك، وتارة أخرى: عندما تطلب السلطة اللبنانية ذلك وأخيراً عندما يطلب الشعب اللبناني ذلك…
والسؤال الذي ينبغي أن يطرح على قيادة "حزب الله": متى يتخلى الحزب عن سلاحه.؟ وهل عندما يتحقق السلام الشامل والعادل مع اسرائيل؟ هل عندما يتحقق السلام مع اسرائيل من جهة ولبنان وسوريا من جهة اخرى؟ هل عندما تنسحب اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية التي يحتلها وهو ما اشار اليه الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في إطلالته التلفزيونية الاخيرة، والذي يناقض قول نائبه الشيخ نعيم قاسم عندما اعلن ان سلاح الحزب باق حتى وان انسحبت اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها، وكأنه يريد ان يقول ان هذا السلاح باق الى ان يتحقق ليس السلام الشامل في المنطقة فقط، بل الى ان يتم التوصل الى تفاهم مع ايران حول برنامجها النووي؟

لذلك مطلوب من "حزب الله" ان يجيب عن سؤال: متى يتخلى عن سلاحه، او هل يقبل ان يضع هذا السلاح بإمرة الدولة الى ان يتحقق السلام مع اسرائيل كي يصير في الامكان اتخاذ موقف في ضوء هذا الجواب؟
ان المحادثات حول الاستراتيجية الدفاعية ظلت تدور في حلقة مفرغة في اجتماعات هيئة الحوار الوطني، وقدم معظم المتحاورين مشاريع وافكارا حول هذه الاستراتيجية ما عدا "حزب الله" وكأنه يريد ان يبقي الوضع على ما هو ومحكوما بمعادلة مكتسبة يتكرر ذكرها في البيانات الوزارية وهي: "الجيش والشعب والمقاومة"، وان زعماء مسيحيين هم مع هذه المعادلة ومع بقاء سلاح "حزب الله" ما دامت الدولة ضعيفة، والجيش غير مجهز تجهيزا كافيا كي يستطيع التصدي لأي عدوان اسرائيلي، وطالما ان الدول الصديقة وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية لا تزوّده اسلحة ثقيلة وحديثة بضغط من اسرائيل، كي لا يبقى عندئذ مبرر لبقاء سلاح في يد المقاومة.

لقد اختلف الزعماء المسيحيون حول بقاء الوجود العسكري السوري في لبنان، وهم مختلفون اليوم حول وجود السلاح في يد "حزب الله" وخارج امرة الدولة. فهل يتوصلون الى اتفاق على موقف واحد من هذا السلاح بحيث تتحقق عندئذ وحدة الهدف اذا تعذر تحقيق وحدة الصف؟

هل ينجح البطريرك الراعي في تحقيق وحدة الموقف والهدف بين الزعماء المسيحيين ليس حول الثوابت الوطنية فحسب بل حول اعطاء مفهوم واحد لها، وفي رأس هذه الثوابت الاتفاق على سبيل العبور الى الدولة لان السلاح خارج الدولة لم يكن في اي يوم من الايام هو الحل او هو البديل منها، وقد جربت كل المذاهب والطوائف حمل هذا السلاح فكانت نتيجته وبالا عليها وعلى الوطن.
عسى ان ينجح البطريرك المقدام بشارة الراعي في تحقيق العبور الى الدولة فيكون بطريرك هذا العبور، كما نجح سلفه البطريرك الكاردينال صفير في استعادة سيادة لبنان واستقلاله وحرية قرار الوطن فكان بطريرك الاستقلال الثاني.

السابق
الجراح لـ”السياسة”: المسلسل المدبلج رد على ارتفاع صوتنا ضد التدخلات الإيرانية
التالي
النهار عن مصادر: التحاق أطراف آخرين بـ عون في مسلسل الاشتراطات