هذا ضعف وهذا مردوده

في ذروة الهجوم المضاد الذي أصاب ناس حماس وبناها التحتية، أضاعت اسرائيل الفرصة ووافقت على هدنة. تجاهلت الحكومة المشحونة بأناس الأمن أحد القواعد الأكثر أساسية في ادارة معركة ألا وهي استغلال النجاح (وإلا فان حماس ما كانت لتكون متحمسة للهدنة) حتى احراز حسم.

يصعب حتى على السكان في الجنوب برغم انهم كانوا سيظلون يعانون من الصواريخ زمانا آخر، يصعب عليهم فهم هذا المنطق الغريب. الآن سينتعش العدو بالضبط كما حدث بعد عملية "الرصاص المصبوب"، التي وقفت هي ايضا وهي في ذروتها، ويتسلح استعدادا لجولة اخرى أشد فتكا من سابقتها. من ذا يعلم كم من الحافلات الصفراء ستصاب نتيجة ضعف رأي المستوى صاحب القرار ووهن ارادة الحسم عند قيادة مستوى العمليات.

إن التعليل الذي يقول إن الموافقة ترمي الى تمكين السكان والمتنزهين من أن يُعيدوا عيد الفصح في هدوء، يميز سطحية الحكومة وقصر نظرها لا في مجال الأمن وحده. ففي حين يُظهر أكثر المواطنين قدرة على الثبات تُمكّن من اتخاذ خطوات تمس بالعدو وتُجبره على وقف اطلاق النار مدة طويلة، توحي الحكومة الى حماس مرة اخرى والى كل قوة اخرى تُدبر لنا الشر بأنه لا استعداد عندها أو قدرة على المخاطرة التي تفضي الى الحسم.

يشارك الجيش الاسرائيلي ايضا في هذا الواقع الجوهري – لا الآن فقط ولا في مجابهة حماس فقط. إن مهمة الجيش أن يثبط سلفا مسا بمواطني الدولة وألا يكتفي (كالشرطة وجهاز القضاء) باعتقال منفذي العمليات. منذ بداية سنوات الألفين بدأ الفلسطينيون عمليات انتحار. إن جيش الشعب بعد أن حصن نفسه (على اختلاف المعاني الاخلاقية في ذلك لانه يفترض ان يدافع أولا عن المواطنين وعن نفسه بعد ذلك فقط)، اكتفى بعمليات دفاع صغيرة حتى عندما قُتل مئات من الاسرائيليين.
بعد العملية التفجيرية في نتانيا فقط في ليل عيد الفصح في 2002 عندما شعرت الحكومة بأن الجمهور يوشك أن يثور، خرج الجيش الاسرائيلي في عملية "السور الواقي". وقد ضاءلت العملية بطبيعة الامر عدد العمليات بقدر كبير. فاذا كان الامر كذلك فلماذا لم تُستعمل هذه الوسيلة قبل الآن بسنة أو أكثر؟.

خرج الجيش الى عملية "الرصاص المصبوب" ايضا بعد شهور كثيرة فقط تلقى الجنوب فيها آلاف القذائف الصاروخية، لا مع بدء اطلاق الصواريخ، عندما كان يمكن منع أكثر المعاناة والضرر. وآنذاك ايضا كما في حرب لبنان الثانية، جرى وقف العملية وهي في ذروتها وبسبب طلب الجيش الاسرائيلي بقدر غير ضئيل.
ولما كانت البنى التحتية لم يتم القضاء عليها ولم يجر اخراج قيادة الارهاب من القدرة على العمل، استمر الجحيم في الجنوب وزاد تهريب الصواريخ (من المسؤول عن هذا؟) القادر بعضها اليوم على اصابة تل ابيب ايضا.

إن نظام "القبة الحديدية" يثبط هذه الصواريخ (في حين ستظل قذائف الرجم وصواريخ القسام تسقط). لكن هذا ايضا بدء مسيرة تمنح فيها اسرائيل – التي تهرب كما تُثبت الهدنة من الحسم – المنظمة الارهابية الحرية في أن تمص نخاع ميزانية الدفاع بواسطة اطلاق صواريخ رخيصة موجودة عندها بوفرة من اجل أن يجري تثبيطها بصواريخ باهظة الثمن.

احتفاء بعيد الفصح تلقت حماس، علاوة على وقف اطلاق النار، حقنة تشجيع غير متوقعة: فقد انضم عدد من "السابقين" في جهاز الأمن وطلبوا الى الحكومة أن تستسلم لمطالبها وأن تفرج عن نحو من ألف مخرب مقابل جلعاد شليط. نتعلم من حكمة المطلب وتوقيته الكامل من جملة ما نتعلم كيف وصلنا الى هذه الهاوية وهي عدم القدرة على وقف نشاط منظمات الارهاب التي تقتل مواطني اسرائيل وتطلق عليهم آلاف الصواريخ وتختطف مدنيين وجنودا وتُملي شروط استسلام للافراج عنهم. فان "السابقين" واشباههم ترأسوا المعركة في مجابهة حماس وحزب الله وأشباههما. هل عجزهم يمنحهم الحق الاخلاقي أو المهني على نحو خاص لطلب هذا الاستسلام؟.

السابق
شؤون و100 عام من صحافة جبل عامل
التالي
يستخف بالعدو