نصيحة برتقالية لميقاتي: تحرر من هاجس الحريري

فاجأ العماد ميشال عون الكثيرين عندما سبح في عكس تيار التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة، نافيا وجود مؤشرات حسية تبرر مثل هذا التفاؤل، الامر الذي أثار استغراب أوساط الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، فيما رجح البعض ان يكون الهدف من كلام عون زيادة جرعات الضغط لتحصيل الحد الأقصى الممكن من المكاسب في ربع الساعة الاخير الذي يسبق ولادة الحكومة.

ولكن الامور تبدو أكثر بساطة في الرابية، حيث تجد من يؤكد ان «الجنرال» لا يناور ولا يحسن شروطه التفاوضية، بل يعكس فقط الحقيقة المجردة التي تقول بان عون لم يتبلغ بعد عرضا متكاملا ومقبولا من الرئيس المكلف، وان ما تم الاتفاق عليه هو ان تكون الحكومة ثلاثينية. اما الباقي فلم يغادر مشرحة النقاش، ووزارة الداخلية على سبيل المثال ما زالت مطلبا جوهريا لتكتل التغيير والاصلاح، لان فكرة إسنادها الى «وزير ملك» غير مشجعة بعدما أظهرت التجارب ان «الوزراء الملوك» هم في حقيقة الامر من دون تيجان وقدرات، بل لعلهم «أقرب الى ان يكونوا شهود زور»، وفقا لميزان الرابية.

يبدو واضحا ان عون يوظف ـ في مفاوضاته مع ميقاتي ـ ما يعتقد انها دروس التجارب الماضية المرة، وما يزيده تشبثا بطروحاته اقتناعه بان الفرصة الحالية هي الاكثر ملاءمة لاستعادة «الحقوق» التي كان يضطر الى التنازل عن بعضها في السابق مراعاة لضرورات تشكيل حكومات الوحدة الوطنية، حيث كانت التوازنات الدقيقة تفرض تسويات على حساب الطموحات.

يملك عون منطقا متكاملا لتفسير «عناده». بالنسبة اليه، فان خروج قوى 14آذار من معادلة السلطة التنفيذية يستوجب تلقائيا ان يتحمل الفريق الآخر مسؤوليته كاملة في ممارسة الحكم وتحمل النتائج سواء كانت سلبية أم إيجابية، لاسيما وان المعارضة الجديدة ستتعامل مع الحكومة المقبلة وستحاسبها على اساس انها تمثل بالدرجة الاولى التيار الوطني الحر وحزب الله وباقي حلفائهما، بل هي بدأت تتصرف على هذا النحو، حتى قبل تشكيل الحكومة.

ثم ان عون يعتبر ان حجمه النيابي يؤهله لفرض شروطه، على قاعدة «إذا كان بإمكانكم تشكيل الحكومة من دوني، فلا تترددوا».. ومن وجهة نظره، لم يعد جائزا القبول بالمساومة على حقوقه، لان الماء يأخذ تلقائيا شكل الوعاء الذي يصب فيه، وبالتالي فان عدد نواب تكتله البالغ 27 نائبا يجب ان يُترجم حكما بنسبة موازية من الوزراء وبنوعية ملائمة من الحقائب.

وعليه، لا يتردد المقربون من عون في تحميل رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي المسؤولية عن استمرار التأخير في تشكيل الحكومة، ربطا بحسابات كل منهما.

بالنسبة الى المحيطين بـ«الجنرال»، يبدو سليمان مصرا على خوض معركة في غير محلها ضد عون، بينما يجب ان يفتح «الجبهة» في مكان آخر. يستغرب هؤلاء ان يكون رئيس الجمهورية متحمسا لقبول «حسنة» سياسية تتمثل في بعض الوزراء والحقائب، «فيما ينبغي ان يتركز همه على «تحسين» مواصفات رئاسة الجمهورية من خلال ممارسة الضغط المطلوب على كل القوى التي تملك كتلا برلمانية، لدفعها الى السير في خيار تعزيز الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية، عبر تعديلها في مجلس النواب».

لم «يهضم» المقربون من عون حتى الآن فكرة ان يحصل الرئيس على كتلة وزارية في حكومة ميقاتي، لان ذلك لا ينسجم برأيهم مع دور الحَكَم الذي يحمل عادة صفارة ولا يستعين بلاعبين في أرض الملعب، «والصفارة الوحيدة التي يمكن ان تكون مسموعة تتمثل في صلاحيات حقيقية تصنع الدور ولا تستجديه».

وتستغرب أوساط عون ان يشكو سليمان من عدم تطبيق دستور الطائف، «في حين انه كان من الذين خالفوه بوضوح حين انتقل من قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية فورا، بما يتعارض مع محتوى الدستور الذي ينص على وجوب ان يقدم الموظف الرسمي استقالته من مركزه قبل سنتين على الاقل من موعد الانتخابات الرئاسية، ما يعني ان الحفاظ على مصداقية الرئيس يستوجب ان يبدأ من نفسه عملية تصويب مسار تطبيق الطائف».

وإذا كان من بين أسباب رفض عون منح رئيس الجمهورية كتلة وزارية اعتباره بان سليمان ليس وسطيا، فان أنصار «الجنرال» يرون أن «ما نسبته وثائق ويكيليكس الى سليمان من كلام سلبي عن «حزب الله» وودي حيال سعد الحريري، إنما يؤكد صوابية موقف عون في التعامل مع رئيس الجمهورية على اساس انه طرف وليس توافقيا»
يعتبر المتحمسون لعون أن الرئيس المكلف لا يتصرف من منطلق الراغب بتقديم نفسه بصورة «الزعيم الوطني»، معتبرين انه مسكون بهاجس سعد الحريري، ويضع في أولويته كيفية المزايدة عليه سنيا، حتى لو تطلب ذلك إلحاق الغبن بالجنرال، مفترضا ـ أي ميقاتي ـ ان ذلك سيجعله بطلا في طائفته.

من هنا، تعتبر أوساط عون انه من الضروري ان يدرك الرئيس المكلف ان إعطاء الجنرال ما يستحق إنما يصب بالدرجة الاولى في خانة تعزيز حالة مسيحية وطنية، استطاعت تصويب المسار التاريخي والخيارات الاستراتيجية لشريحة واسعة من المسيحيين، «وبالتالي فان نجاحه في مهمته يتطلب منه ان يتحرر من هاجس الحريري ويفك عقدة عون، وعندها سيجد ان حكومته ستتشكل باسهل مما يتوقع».

السابق
إتهام سوري للمستقبل… “عصفورين بحجر واحد”
التالي
تأملات في الزمن الثوري العربي