انحسار التعدي على الأملاك العامة في الجنوب.. وازدياد الاحتجاجات

فيما سجل أمس بعض الانحسار في موجة التعدي على الأملاك العامة والمشاعات في الجنوب، والتي كانت قد شملت آلاف الدونمات التي بنيت عليها مئات الوحدات السكنية، زادت حدة الاحتجاجات من قبل الأهالي الذين منعتهم القوى الأمنية (بقدراتها المتواضعة، كما يصرح غير مصدر أمني). وتشير مصادر أمنية وسياسية إلى أن تلك الموجة من التعدي، والتي انتشرت كالنار في الهشيم، وإن كانت لها أسباب غير مباشرة وموضوعية كثيرة، إلا أنها تستعمل اليوم في التوظيف السياسي، في ظل حكومة تصريف الأعمال، «ونقل حلقة المواجهة من السلاح إلى التمرد على القانون».

وكانت شرارة موجة التعدي على المشاعات قد انطلقت قبل أكثر من عشرين يوماً من منطقة الزهراني (خراج البيسارية)، حيث عمد عدد من مهجري بلدة يارين الحدودية إلى بناء عدد من الوحدات السكنية، ونظموا احتجاجات على منعهم من الاستمرار في بناء وحدات أخرى. وانتشرت التعديات بسرعة لتصل إلى القرى الساحلية بين قضاءي الزهراني وصور، وصولاً إلى عدد كبير من قرى صور، التي تستمر فيها حركة الاحتجاج على منع تلك التعديات. إلا أن تلك التعديات ليست وليدة الأيام الماضية، و»ليست لدينا هواية فــي التعــدي على القـــانون»، حسب تعبير بعض المواطنين، فالتهجــير والاحتلال وتراكــم الإهــمال والفقر وازدياد عدد العائلات التي تسكن على الأملاك العــامة من جهــة، والتهاون المستـــمر في تطبــيق القانون من قبل الأجهزة المعنية، ومـــعالجة المســألة جذرياً من قبل الحــكومات المتعاقبة من جــهة أخرى أدّى، وفق كثيرين من الأهالي، إلى استــمرار «التعدي على أمــلاك الدولة».

مشاعات الجنوب: المستهدف والغاية
«إن ما يحصل من حركة إعمار وبناء فوضوية في مشاعات عدد من قرى الجنوب، يشبه الإعصار والتمرد على القانون؟ فمن له مصلحة في إظهار طائفة بكاملها وكأنها تمتهن ثقافة الفوضى، من السلاح إلى البناء فوق المشاعات؟. ومن له مصلحة في تبديد أهم ثروة للمواطن الجنوبي وتدمير ما عجزت عنه إسرائيل»، الكلام لمسؤول أمني كبير في الجنوب. يضيف: «ولمصلحة من ترك الملف ذلك الضخم والحساس جداً، والذي تنازع حوله السنة والشيعة، على عاتق قيادة قوى الأمن الداخلي الإقليمية في الجنوب وحدها؟. مع علم المسؤولين من أكبر رتبة في القيادة المركزية، وحتى أصغر ضابط بقدرتها المحدودة جداً جداً على ضبط مخالفة سير. فكيف بحالة فوضى بناء بلغت نحو 700 وحدة سكنية في أقل من شهر؟ وتركها بمفردها في الميدان من دون رفدها بأي قوة مركزية إضافية، مع العلم أن قرار وقف حركة البناء الفوضوي، هو قرار سياسي محض، موال ومعارض، نابع من عاصمة الجنوب نفسها، كما من قلب الجنوب»، وفق المسؤول الأمني. واليوم يطرح السؤال التالي: «بعدما بلغ الأمر مرحلة مأساوية، وراح يكبر ككرة الثلج، هل ما زالت الفرصة متاحة لوقف ذلك المسلسل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشاعات واملاك عامة في الجنوب؟».

وتؤكد مصادر بلدية على أن «المشاعات تعتبر الرئة التي تتنفس منها وعبرها البلدات والقرى في الجنوب. وتشكل ما نسبته 40 في المئة تقريبا. وأغلب الأراضي في الجنوب فيها علم وخبر أو إفادة مختار، باستثناء المدن الكبرى. وهي أهم ثروة للمواطن الجنوبي كونها ثروة أجيال». تضيف: «لذا من الحرام والإجرام ضربها بذلك الشكل، تحت عنوان: لقد استفزّونا وردينا عليهم. فذلك خطأ كبير لأن تلك المشاعات، تصلح للتخطيط المدني، ولأي عملية افراز تلحظ مشاريع لمؤسسات تنموية، وإنمائية، وسياحية، وتربوية».

فمن الذي دفع المواطن الجنوبي إلى تدمير تلك الثروة؟. ومن ساقه إلى حافة الفتنة المذهبية التي كادت أن تشتعل تحت عنوان «نريد ان نبني مثلهم»، أو إلى فتنة ضمن البيئة الاجتماعية نفسها، والبلدة نفسها، وتأجيج الصراع بين أبناء البلدة على تقسيم «جبنة» أراضي المشاعات، وشغل الناس بها عن الاهتمامات الكبرى.

وفقا لما هو متداول في الجنوب (محمد صالح) فإن موضوع البناء العشوائي في المشاعات بدأ قبل أقل من شهر في حي «يارين» في بلدة البيسارية في قضاء الزهراني، ثم انتشر كالنار في الهشيم في كل الجنوب، وتحديدا في الزهراني وشمل بلدات تفاحتا، والسكسكية، والصرفند، وعدلون، والزرارية، إضافة إلى البيسارية. ولم تسلم منه لا الأملاك البحرية ولا النهرية. واستهدف كل المشاعات دفعة واحدة وتم حجز معظم مجابل الباطون في صيدا، والزهراني، ومنطقة النبطية، وصور، إضافة إلى حجز كل ورش البناء، صغيرها وكبيرها، وعددها بالمئات. كما استقدمت كل اليد العاملة الفلسطينية من المخيمات، اضافة إلى اليد العاملة السورية.

ويؤكد اصحاب محلات ومستوعات بيع «حديد العمار والترابة» على أن «حركة البيع هذه الأيام مزدهرة جداً في الجنوب بشكل لم يسبق له مثيل. وهي أفضل حتى من حركة العمار التي حصلت في أيام إعمار الجنوب بعد عدوان تموز 2006»، مشيرين إلى أن «الشاحنات التي تنقل الترابة من شكا، أو من سبلين، لم تعد قادرة على التلبية، نظراً لكثرة الطلب على تلك المادة حيث بدأنا بتنظيم قوافل من الشاحنات لنقل الترابة في الليل والنهار».

لكن عند السؤال عن السبب الرئيسي لتلك «الفورة» أو «الهبة»، فان مصادر سياسية جنوبية تربطها بما حصل في حي يارين في البيسارية (الذي يقطنه حوالي 1500 نسمة من الأهالي المهجرين منذ 1975، ويقيمون في مشاع البلدة). وأن «الموضوع من أساسه سياسي. وجاء على شكل مكافأة للأهالي». وتشير المصادر إلى أن «هناك من يؤرخ لتلك الظاهرة، بموعد مشاركة أهالي حي يارين في المهرجان السياسي في 13 آذار، الذي أقامته قوى 14 آذار في ساحة الشهداء في بيروت، حيث بدأت مخالفات البناء في الحي الذكور. وهي تقع ضمن فصيلة درك عدلون في قضاء الزهراني» (عديدها 11 عنصرا، على 500 الف نسمة). ووفقا للمصادر، ولما هو متداول في الجنوب، ويروى على ألسنة بعض القوى السياسية أنه «خلال محاولة قوى الأمن الداخلي الحدّ من تلك المخالفات، صدمت القوى بالكلام الذي سمعته من الأهالي. والذي تركز فحواه على أن ما يحصل، كأنه جاء ثمرة مشاركتهم في المهرجان المذكور، وبأنهم كانوا يفاجأون بوجود قوى الأمن. وكانوا يقولون لهم «لماذا أنتم عندنا نحن السنة، بدنا نعمر مثلنا مثل غيرنا». وترى المصادر أنه «بغض النظر عن كل ذلك فان الهدف السياسي لمن يدير تلك الأزمة ويقف وراء القضية والتي انساق إليها الجميع، هو جعل الاوضاع الأمنية والسياسية تتفاقم في المنطقة من خلال البناء العشوائي في المشاعات. ورفع سقف المواجهة في الجنوب إلى أعلى المستويات كي تتدحرج الكرة على نحو أسوأ من التفلت على رأس حزب الله وحركة امل، وإظهار الجنوب وكأنه خارج سلطة القانون، وخارج سلطة الشرعية اللبنانية، وصولا إلى إظهار الطائفة الشيعية وكأنها تتقن ثقاقة الخروج عن كنف الدولة»، معتبرة أن موضوع البناء «وكأنه متمم لموضوع السلاح، بعد تصوير وإظهار عجز القوى الأمنية عن مواجهة الناس، وما يحصل من فوضى وتمرد على سلطة القانون».

وتلفت المصادر إلى أنه «من هنا تأتي خطورة الموضوع سياسياً، مع العلم بوجود مخالفات بناء لا تعد ولا تحصى، وتتجاوز ما يحصل في الجنوب في مناطق لبنانية أخرى، وهي مخالفات توازي مخالفات الجنوب. ومع ذلك فإن لا أحد يلتفت إليها أو يتحدث عنها، ولا تظهر في الاعلام.

ويبقى السهم مصوبا نحو الجنوب. فهل كان من بين المسؤولين من يطالب بغض النظر عن تلك المخالفات وتوجيه الانظار الى الجنوب فقط. واظهارها للعلن؟». من جهة ثانية تؤكد مصادر مطلعة على أن الرئيس نبيه بري يبدي انزعاجاً واضحاً أمام زواره من إظهار مناطق بكاملها تسيطر عليها حركة امل وحزب الله في الجنوب خارج الشرعية، وتتمرد على القانون، ونقل حلقة المواجهة من السلاح إلى التمرد على القانون. خاصة في قضاء الزهراني، وهو قضاء الرئيس نبيه بري انتخابيا، ويعطي أكثر من 90 في المئة من أصواته له. أي أن أي فوضى وتمرد على القانون في القضاء سيصوّب إعلاميا بوجه بري.

وتسأل المصادر: «ما هي حقيقة المعلومات عن تشكيل غرفة عمليات لإدارة الملف في دارة أحد النواب في محافظة الجنوب؟. وما معنى أن تشارك مجابل باطون في صيدا محسوبة بالسياسة على جهة صيداوية كانت تمد أهالي يارين باحتياجات الإسمنت بشكل مباشر، إضافة إلى مجابل باطون جنوب صيدا، ومحسوبة بالسياسة على جهات جنوبية شيعية، كانت تمد الورش المقابلة؟. ولمصلحة من تتدحرج كرة الثلج في مختلف مناطق الجنوب، والوصول إلى مشارف الفتنة الداخلية وسط انقسام وشحن مذهبي خطير جدا؟. وما هي حقيقة المعلومات التي تتحدث عن التحضير لذلك التفلت قبل وقوعه من خلال دور ما خفي لدوريات جهاز أمني؟ وما كان يقوم به في قرى الجنوب من رصد لأي مخالفة بناء، مهما كانت صغيرة وحتى سخيفة، ووضع تقارير بشأنها على أن تطلع «فشة الخلق من قبل الأهالي بوجه دوريات الدرك كونهم الجهة التنفيذية على الأرض، وليس بوجه الجهاز الذي نظم المخالفة. وذلك الأداء ولد نقمة على الدرك».

إلى ذلك، يؤكد قائد منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد منذر الأيوبي على أن «ما يحصل في الجنوب من تفلت وفوضى وعشوائية في حركة العمار في المشاعات، يفوق قدرة قوى الأمن على الوقوف بوجهه. وكنا وجهنا كتبا ومراسلات بشأنه قبل حصوله إلى وزير الداخليه في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود، وإلى قيادة قوى الأمن الداخلي»، لافتاً إلى أن «من أسبابه غير المباشرة، وقف تراخيص البلديات، ووقف ترميم أضرار عدوان تموز في العام 2010، وقف ترميم الأبنية المشادة في المشاعات منذ 1975، إلا بعد كشف التنظيم المدني». وشدد الأيوبي على أن «قيادة الدرك الإقليمية في الجنوب، تعاملت مع الموضوع بحكمة لأن ما يحصل كان مخالفة بناء، وليس جريمة منظمة. وتعاطت معها بحدود المخالفة وضمن إمكانياتها اللوجستية، والفنية، والعددية المحددة جدا. وعقدت الاجتماعات تلو الاجتماعات مع محافظ الجنوب، ومع النيابة العامة في الجنوب، ومع رؤساء البلديات والأحزاب ورجال الدين وأئمة المساجد. ورغم كل تلك الاجتماعات واللقاءات فإن أحدا لم يرتدع، لأن الأمر أكبر من قدرات قوى الأمن في الجنوب، وهو أولا وأخيراً بحاجة إلى قرار سياسي. وذلك ليس من صلاحيات قوى الأمن».

موجة التعديات في صور
«الضغط يولد الانفجار، وين بدنا نلم ولادنا». «ما حدا يفكر مبسوطين بالبناء على أرض الدولة». «اللي بيعمل جريمة بيطلع من الحبس. وإذا حدا عمّر حيط بيهدوا الدرك. وبينعملو محضر ضبط». «ما في حدا بيسأل عن الفقراء». تتشارك أم محمد وجاراتها، اللواتي حط بهن العوز والتهجير على أرض تابعة للدولة في منطقة الزراعة شرق صور (حسين سعد)، بسرد تلك العبارات التي صارت على كل لسان في المنطقة. فـ»ثورة البناء» القائمة على أملاك الخزينة اللبنانية في عشرات البلدات والقرى الجنوبية، جاءت نتيجة تراكمات عمرها من عمر الفوضى في كل مفاصل الدولة.

في العام 1994 اندفع مواطنون إلى منازلهم على أملاك الدولة (المشاعات)، إلى تسديد ما يتوجب عليهم من مستحقات مالية لتسوية أوضاع منازلهم، بناء على قرار لمجلس الوزراء حينذاك. إلا أن الدولة كانت غائبة عنهم. فعمد القسم الأكبر منهم إلى وضع مبلغ مليوني ليرة لبنانية في «مصرف لبنان» كبداية لتشريع الواقع الجديد. ومنذ ذلك التاريخ، لم يحدث أي نقلة باتجاه تلك «الفتوى القانونية التي تدر أموالا على الخزينة، وتريح المواطنين في آن»، كما يقول أحد النواب المتابعين للملف. فالعائلة التي تقيم في منزل على أرض تابعة للدولة محرومة حتى من أعمال الترميم، حتى لو انهار السقف على قاطنيه. وقد ازدادت منها عائلات لا تجد مأوى، نتيجة جنون أسعار العقارات والشقق السكنية.

في المقابل، فإن ما عرف بـ»تصاريح البناء»، التي انطلقت مع أولى الانتخابات البلدية بعد الحرب الأهلية في العام 1998، شكل هامشاً كبيراً للمواطنين، الذين يملكون «أسهماً» في عقارات كبيرة عليها مخالفات، لا يمكن حلّها نتيجة أعمال البناء العشوائية والأكلاف الباهظة المترتبة. بيد أن توقف العمل بتصاريح البناء، بقرار صادر عن وزير داخلية حكومة تصريف الأعمال زياد بارود في شباط 2010 ونفذ من جانب قوى الأمن الداخلي، والمماطلة الكبيرة في السماح بإعادة بناء مئات الوحدات السكنية القائمة على الأملاك العامة، التي دمرت في عدوان تموز 2006، وترميم منازل أخرى… أوصل الأمور إلى حدّ الانفجار والفوضى، في ظل انعدام قدرات القوى الأمنية المولجة متابعة المسألة على مواجهة ما يحصل من أعمال بناء، ووضع اليد على أملاك عامة كانت ما تزال تشكل مساحات خضراء في الكثير من القرى والبلدات في منطقة صور.

وبدت القوى الامنية (الدرك) التي تدير ذلك الملف الشائك مكبلة أمنياً، تتلقى كل فترة تعميماً مغايراً من قيادتها بخصوص أعمال البناء. وهي بالتالي تحسب ألف حساب لأي صدام مباشر مع المواطنين، الذين يهبون في القرى لنصرة جيرانهم من خلال قطع الطرق وإشعال إطارات السيارات، التي تنقلت بين «الزراعة»، والمساكن الشعبية شرق صور، وطيرفلسيه، وطيردبا، والمنصوري، ومجدل زون وغيرها. ويقول مصدر أمني لـ»السفير»: «إن ما كتبته «السفير» أمس، هو الحقيقة بعينها». يضيف: «نحن اليوم لسنا أمام مخالفة بناء، وتسطير محضر ضبط، وتوقيف مخالف وما شابه ذلك. لكننا أمام مواجهة قرى بكاملها، بشيبها وشبابها»، مؤكداً على وجود، ما أسماه، «ألغاما كبيرة أمام القوى الأمنية، غير القادرة على ضبط ما يجري. وخاصة لناحية قدراتها وإمكانياتها اللوجستية والبشرية، التي لا تتعدى 280 عنصراً أمنيا وإدارياً في منطقة صور».
من جهته، يؤكد عضو «كتلة التحرير والتنمية» النائب علي خريس على أن «حركة أمل تقف ضد التعدي على أملاك الدولة بأي شكل من الأشكال»، معتبراً أن «الوضع الحالي نتج عن منع إعطاء البلديات تصاريح بناء، كان من شأنه تخفيف الضغط عن المواطنين، إضافة إلى عملية التسويف في إعطاء تصاريح لإعادة بناء ما هدمه عدوان تموز من منازل، كانت مبنية على الأملاك العامة». ويطالب خريس بـ»وضع قانون تسوية مخالفة البناء الصادر قبل أكثر من 17 عاما على السكة، لاسيما وأن غالبية أصحاب المنازل القائمة على الأملاك العامة دفعوا بدلات مالية لتسوية أوضاع منازلهم، واضافة بناء على المنازل القائمة للتخفيف من الضغوط على الموطنين».

ويرى عضو «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب نوّاف الموسوي أن «ما يحصل ليس طبيعيا على الاطلاق»، معتبراً أن «هناك قرارا بإثارة الفوضى والفتنة المذهبية»، مؤكدا على أن «هناك من أوعز إلى مواطنين لإشعال الشرارة في بيئة محتاجة للاعمار، ليقول إنه لم يعد هناك دولة اذا خرج أحدهم من السلطة». وقال الموسوي: «إننا في حزب الله، نشدد على الالتزام بالقوانين بحذافيرها، وعدم التعدي إطلاقا على الأملاك العامة مهما كانت الأسباب»، مشيراً إلى أن «المجلس النيابي يناقش اقتراح قانون قدمته كتلة الوفاء للمقاومة، يقضي بالسماح للبلديات بإعطاء تصاريح بمساحة مئة وعشرين متراً مربعاً».
إلا أن دعوات «الحركة» و»الحزب»، لم تثن كثيرين عن الاستمرار في التعدي على الأملاك العامة، مع تصاعد الاحتجاجات من الأهالي، فقد قام عدد من أهالي طيردبا بقطع الطريق العام، الذي يربط بلدتهم بمدينة صور، بالإطارات المشتعلة احتجاجا. وقام أهالي بلدة البرغلية بقطع طريق صيدا – صور الرئيسية عند محلة شوران بالإطارات المشتعلة كذلك، وتجمهر النسوة والأطفال، مانعين مرور السيارات احتجاجا على منعهم من البناء في الاملاك العامة.

أما في منطقة النبطية فلم تبلغ الجهات الأمنية والبلدية المعنية عن أي تعديات للبناء أو وضع اليد على الأملاك والمشاعات العامة والبلدية، مع «تسجيل حالات نادرة في ذلك المجال»، بحسب مصادر مطلعة، «تتمثل بقيام بعض البلديات باستعمال بعض المشاعات العامة والبلدية كمكبات مؤقتة للنفايات، ريثما يتم إيجاد المكبّ الرئيسي لنفايات اتحاد بلديات الشقيف، على أن تخلي البلديات المعنية الأملاك والمشاعات المذكورة وتقوم بتنظيفها ونقل النفايات منها عند توفير المكب المذكور». وذلك حال بلدية كفررمان التي اضطرت لاستعمال جزء من مشاعات الدولة المسماة «جل الملولة» شرقي البلدة لذلك الغرض، وتزامناً مع ذلك، أرسلت البلدية أمس طلباً لعقد تخصيص استثمار مع وزارة الداخلية والبلديات عبر محافظ النبطية القاضي محمود المولى تطلب فيه الإذن باستعارة العقار المذكور لاستعماله مكباً مؤقتاً لنفاياتها، في حين لم تسجل أي تعديات للبناء أو مصادرة للأملاك والمشاعات العامة أو البلدية في المنطقة.

العرقوب: الأملاك العامة والاحتلال
فيما ينفي رؤساء بلديات العرقوب حصول تعديات مستجدة على الأملاك العامة في المنطقة، يشيرون إلى مشكلة قديمة قدم الاحتلال، وجزء كبير منها لم يعالج بعد. إذ يعود السبب الرئيسي في التعدي على الأملاك العامة في خراج بلدتي شبعا وكفرشوبا (طارق أبو حمدان) إلى فترة الاحتلال الإسرائيلي، وهيمنة عناصر «مليشيا أنطوان لحد» على الأوضاع الأمنية والحياتية في العرقوب، على مدى أكثر من ربع قرن من الزمن، «شرعنت» فيه السطو على مشاعات الدولة، حيث ارتفعت مئات الأبنية السكنية وزرعت آلاف الدونمات، كما تمت المتاجرة بمساحات أخرى، وأكثر الاعتداءات سجلت في شبعا وكفرشوبا والماري.
في شبعا، بدأ الاستيلاء على المشاعات خلال العامين 1975 – 1976، وذلك بحجة احتلال إسرائيل لمزارع شبعا ونزوح سكانها إلى بلدة شبعا، حيث تذرع المئات من الأهالي باحتلال أراضيهم وباتوا بحاجة لأراض بديلة. وعملوا في ظروف خارجة عن القانون، وتحت «هيمنة الأمر الواقع»، على وضع اليد والاستيلاء على أملاك عامة في خراج بلدتهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أراض في جبل الوسطاني، ومنطقة الوعرات جنوب – غرب البلدة. وقدرت المساحة المسلوبة بألف دونم تقريبا، استغلها أصحابها الجدد في الزراعة، في حين عمل آخرون على إشادة ابنية تجاوز عددها ثلاثمئة منزل. وقد استمر ذلك التسيب للأملاك العامة حتى التحرير في العام 2000، عندما أطلقت البلدية مبادرات عدة للحد من تلك الظاهرة، مع محاولات لتشريع تلك الأملاك، «لما فيه مصلحة البلدية والأهالي والدولة»، حسب المفهوم الشبعاني. وتقدم المواطنون النازحون عن شبعا بمئات الطلبات إلى البلدية، يطلبون بيعهم مساحات من المشاعات، حتى يتمكنوا من العودة إلى البلدة، وبناء مساكن ولو صغيرة المساحة، تساهم حسب مفهومهم بالحدّ من هجرتهم المزمنة والتي تكثفت مطلع السبعينيات.

وفي كفرشوبا، الوضع مشابه لما هو حاصل في شبعا، حيث احتل الإسرائيلي منذ مطلع السبعينيات، مساحة تصل إلى عشرين كيلومترا مربعاً من الأراضي الزراعية إلى الشرق من البلدة، والمعروفة اليوم باسم تلال كفرشوبا المحتلة. وخضعت البلدة لسيطرة العميل سعد حداد، ومن ثم العميل انطوان لحد، ولفترة زادت على الثلاثين عاما، كلها عوامل شجعت على استيلاء العشرات من الأهالي على الأملاك العامة والمشاعات. وسجل بين العامين 1978 و1980 اثنا عشر منزلا مخالفاً على مساحة عشرة دونمات في منطقة الشميس شمالي كفرشوبا. كما تم الاستيلاء من قبل حوالي 150 مواطناً على حوالي ألف دونم من الأراضي الزراعية في مناطق جبل الروس، وعريض العين، وعريض البركة، ورويسة الجرف، وعريضة السماقة، ووادي النجمة، ورباع التبن، والعذرائيل، وجبل الملول، وخلة فسيخيا، والمصاطب، وخلة شباط. ورفع مخاتير بلدة كفرشوبا لائحة مفصلة بالمشاعات غير الممسوحة، التي تم الاستيلاء عليها وأخرى حرة، إلى مديرية الدوائر العقارية، وذلك بتاريخ 4 آذار 2011، بعدما وصل إلى المخاتير تعميم من تلك المديرية، يحمل الرقم 283 بتاريخ 31 كانون الثاني 2011. أما في بلدة الماري فقد اتضح أن عشرات المواطنين، كانوا قد استغلوا الهيمنة الإسرائيلية مطلع السبعينيات، ليضعوا أياديهم على مساحات واسعة شملت أحراجا أميرية، وحقولا زراعية، وأطراف طرق، ومحيط مجار مائية، تجاوزت مساحتها حوالي الخمسة آلاف دونم، موزعة على مناطق الهيشة الفوقا، والهيشة التحتة، والثعلباية، والحمى، والبيادر، والصليب القريبة من بلدة الغجر السورية المحتلة، وخلال عملية المسح سجل من قبل البلدية أربعمئة اعتراض على خلفية الاستيلاء على أملاك عامة.

وفي كفرحمام اقتصرت التعديات على مساحات ضيقة من المشاعات، حيث سجل ابتداء من العام 1990 بناء أربعة منازل على مساحة حوالي ثلاثمئة متر مربع، إضافة إلى الاستيلاء على مساحة زراعية تعمل الجهات المعنية على تحديدها. كذلك في بلدة الهبارية، فابتداء من العام 1970 سجل بناء ستة منازل فوق مساحة حوالي ألف متر مربع في منطقة الكسارة، في حين تم الاستيلاء من قبل عشرة مزارعين على مساحة حوالي 20 دونما من السهول، زرعت بالتين والجوز والعنب، وذلك في مناطق تسمى الخزان – السهيل فوق الضيعة.

وتعمل البلدية في راشيا الفخار على تحديد مساحات بور وأخرى مشجرّة وضعت اليد عليها مطلع السبعينات. وسجلت عدة دعاوى من قبل البلدية والهيئة الاختيارية على مخالفين يعمل القضاء على البتّ بها.

السابق
منير أبو عيد دفع حياته ثمناً لمقعد طائرة من أبيدجان
التالي
محاضرة حول أمراض النحل في صور