إتهام سوري للمستقبل… “عصفورين بحجر واحد”

منذ اليوم الأول لبدء الحركة الاحتجاجية في سوريا، اتخذت قوى 14 آذار موقف المتفرّج، ومن بعيد، على ما يجري، وآثرت على نفسها عدم التعليق، معتبرة أن التطورات الحاصلة داخل الأراضي السورية تعني الدولة السورية وحدها، ونادت بعدم التدخل في الشؤون السورية، منسجمة بذلك مع مطلبها الدائم برفض أي تدخل في الشؤون اللبنانية.

لكنّ المفاجأة جاءت من سوريا، عندما بدأ التلميح مباشرة أحيانا وغير مباشرة أحيانا أخرى، إلى تورّط أطراف لبنانية بتشجيع المتظاهرين ضد النظام.

في البداية، تحدثت مستشارة الرئيس السوري بشار الاسد بثينة شعبان عن اعتقال لبنانيين بين صفوف المتظاهرين في درعا، ثم أشيعت معلومات عن انتقال السلاح الى الداخل السوري عبر مرفأ طرابلس بتشجيع من عدد من نواب "المستقبل" وتمويلهم، من بينهم النائب سمير الجسر والنائب البقاعي الدكتور جمال الجرّاح. وآخر الروايات وأخطرها ما بثه التلفزيون السوري أمس الاربعاء من اعترافات لأشخاص قالوا إنهم ينتمون الى إحدى الخلايا الارهابية المسلحة التي مارست التحريض على التظاهر، والتي أكدوا فيها انهم تلقوا دعما من النائب جمال الجراح عبر وسيط ينتمي الى الأخوان المسلمين وهو أحمد العودة.

لم يعرف النائب "المتهم" بما بثه التلفزيون السوري إلا عندما اتصل به بعض الأصدقاء يخبرونه بالامر، لم يتسنّ له مشاهدة البث كاملا لكثرة الاتصالات والمقابلات الصحافية التي أمطرت عليه ما إن أشيع الخبر. قرأ الدكتور الجراح بتعجب ما نسب إليه من اتهامات على لسان أشخاص لم يرهم يوما، كما أكد للجمهورية، واعتبر أن القصة فبركة مخابراتية سخيفة لا توحي بأي صدقية وأي موضوعية، وهي تشبه الأفلام التي شاهدناها في روايات الشاهد الزور السوري هسام هسام… وربط الجراح بين هذه الحادثة الأخيرة والاتهامات السياسية المستمرة ضد تيار المستقبل وفريق 14 آذار، منبّها الى تزامن هذا الاتهام مع ارتفاع الصوت عاليا في لبنان ضد التدخل الايراني في شؤونه وفي الخليج العربي. لا يجد النائب المستقبلي سببا لاختياره دون غيره من زملائه، إلا أنه يلفت الى ما وعد به التلفزيون السوري من اعترافات جديدة سيبثها تباعا ليشير الى احتمال ورود أسماء أخرى في الأيام المقبلة. يأخذ الجرّاح الاتهام السوري ضده على محمل الجدّ، ولا يخفي قرارا حتميا بضرورة اتخاذ تدابير أمنية جديدة تماشيا مع الظروف المستجدة.

مصدر رفيع في "المستقبل"

ويؤيد مصدر رفيع في تيار "المستقبل" النائب الجراح في توصيفه "مسرحية التلفزيون السوري التي تفتقر"، بحسب رأيه، الى الصدقية، والتي بدت هزيلة وغير مقنعة شكلا ومضمونا.

وإذ نفت مصادر "المستقبل" كل ما ورد في اعترافات من وصفته بضحية المخابرات السورية، وأبعد من استهداف فريق لبناني، قرأ مصدر تيار "المستقبل" في آخر "الكليشيهات" السورية محاولة لاستبعاد أي احتمال عن وجود خلافات داخلية سورية – سورية تستدعي اللجوء الى السلاح ونظم الدفاع الذاتي عن النفس، علما أن الرئيس بشار الاسد تكلم في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب على مؤشرات سلبية عدة اختزلها بكلمة مؤامرة. ويرى المصدر أن إقحام لبنان في ما يجري في الداخل السوري هدف أيضا الى إبراز قصة مقنعة خياراتها في الأساس محدودة. ففي حسابات سوريا خيار اتهام اسرائيل، الاتهام الأكثر رواجا، مستبعد انطلاقا من موقف الدولة اليهودية المعلن الشاجب للتحركات داخل سوريا، كما أن لاتهام تركيا والعراق الدول المجاورة لها، اعتبارات أخرى… فكان اختيار لبنان الحلقة الأضعف، والذي من شأن توجيه أصابع الاتهام نحوه أن يسهم في شدّ العصب السوري نتيجة الغضب الذي خلفته في صفوف الشعب السوري بعض التماديات اللبنانية تجاه بلده في السنوات الماضية.

في بال سوريا أيضا أن تضرب عصفورين بحجر واحد…

فهي لم تمحُ من ذاكرتها بعد آثار العلاقة الملتبسة مع زعيم تيار "المستقبل"، في المقابل تيار المستقبل، وإن كان لم ينسَ أيضا، إلا أنه لن يبادل الانفعال بانفعال مماثل، كما يقول مصدره، و سيواجه الاتهامات السورية ببرودة أعصاب وبجديّة أيضا تماما كما واجه من قبل المذكرات القضائية في حق أكثر من ثلاثين شخصية لبنانية… يبقى أن محاولات سوريا كلها هي لإلهاء العالم عما يجري فعلا في شارعها… باختصار، هو الغضب السوري.

السابق
الجمهورية: التواصل السوري ـ السعودي غير منقطع
التالي
نصيحة برتقالية لميقاتي: تحرر من هاجس الحريري