النفط والأمن الإسرائيلي وإيران

 بعد القرار البريطاني سنة 1968 بالتخلي عن آخر معقل للاستعمار البريطاني شرقي السويس، وقد تم سنة 1971 جلاء بريطانيا عن الخليج، عملت في المقابل أميركا على الحلول محل الاستعمار القديم، وطرحت لتحقيق ذلك مشاريع عدة، بداية من مشروع روجرز لملء الفراغ، مروراً بحرب الخليج الأولى وحرب الخليج الثانية، وسياسة الاحتواء المزدوج، ثم الفوضى الخلاقة، وآخرها المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري. وجميعها كان هدفه السيطرة على منابع النفط أولاً وتحقيق الأمن الإسرائيلي، بمعنى سيطرة إسرائيل على دول المنطقة ثانياً. وقد حققت أميركا المطلب الأول وهو وضع قواعد عسكرية في جميع الدول النفطية، ولم يبق منها سوى إيران التي ما زالت أميركا لم تستردها إلى نفوذها، ولذلك فإن الصراع بين الاستعمار الجديد وإيران مستمر، وهو في أوجه، وذلك منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران ضد نظام الشاه الذي كان تحت النفوذ الأميركي وصديقاً مخلصاً في الوقت نفسه لإسرائيل، على عكس النظام الحالي في إيران، فهو خارج النفوذ الأميركي والعدو اللدود لإسرائيل، ولذلك فهو نظام مستهدف تعمل أميركا للإطاحة به لتحقيق هدفها، وهو النفط والأمن الإسرائيلي، وفي سبيل الوصول إلى ذلك الهدف وهو من وجهة النظر الأميركية هدف وطني قومي تهون دون تحقيقه التضحيات المادية مهما كلفت، والبشرية مهما بلغت، ولا عبرة فيما يحل بشعوب المنطقة أو أنظمتها.

لقد كان نظام شاه إيران في الماضي يمثل الذراع اليمنى لأميركا في الهيمنة على المنطقة، وإسرائيل ذراعها اليسرى، وحينما خُلعت الذراع اليمنى، زرعت ذراعاً بديلة هي القواعد العسكرية في دول المنطقة، لتقوم بدور الحامية للإمدادات النفطية، والعمل كدرع واقية لحماية إسرائيل من الخطر الإيراني بعد الثورة الإسلامية، التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل وحولت سفارتها كمقر لفلسطين، وتبنت قضيتها كالتزام إسلامي إلى جانب الدول العربية باعتبارها قضيتهم المركزية. ولكن قيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 صاحبها على الجانب العربي توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل وتغيير اتجاه السياسة العربية إلى الاتجاه المعاكس. حتى جاءت الأحداث الأخيرة في مصر وسقوط نظام حسني مبارك، وصدور إشارات على أن النظام السياسي الجديد في مصر قد يتجه إلى إعادة العلاقات الجيدة مع إيران، مما أزعج ذلك أميركا وإسرائيل، فراحت تصعد الصراع مع إيران مستخدمة في ذلك، إعلامياً، الورقة المذهبية لإيجاد أرض خصبة بين شعوب المنطقة في معاداة إيران بتلبيس الخلاف السياسي معها لباساً مذهبياً، بنفخ نار هذه الفتنة، التي كادت تنطفئ بعد حرب الخليج الأولى التي شنها صدام حسين على إيران بمساعدة وتشجيع ودعم أميركي غربي.

من الواضح أن هناك محاولة لإيجاد قيادة عربية بديلة لمصر مناوئة لإيران، وتحت غطاء أميركي للتعويض عن نظام حسني مبارك. ولو تم ذلك فعلاً، فإن مصر لن تكون في توجهها الجديد ضمن ذلك المحور، بل ستعمل على قيام تحالف بينها وبين إيران وتركيا، وربما ينضم إليها العراق وسوريا، وهذه الدول هي الأكبر في المنطقة، وستواجه المحور العربي ـ الأميركي. وهذا المحور الآخر المضاد سيكون غاية في الخطورة على دول الخليج، ولن تقيها من أبعاده المدمرة عربياً أميركا وإسرائيل، وستكون دول الخليج وقوداً لنار بدأ إشعالها، ستجعل منا حطاماً، بل رماداً وكبش فداء لأميركا وربيبتها إسرائيل.

السابق
لعنة لبنان
التالي
عون vs ميقاتي: نبش قبور الاتصالات