إرتدادات ربيع العرب وشظاياه

في عالم السياسة، يترتب على الزلزال ارتدادات· وربيع العرب لا يشذ عن القاعدة هذه· وأول من بلغته الموجات الارتدادية هو تركيا· وبين ليلة وضحاها، انتصبت تجربة الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا نموذجاً يصبو إليه الإسلاميون في المشرق والمغرب العربي·
وبدا أن تركيا تستعيد نفوذها في بلاد سيطر عليها إلى حين سقوط السلطنة العثمانية· ولكن أوهام حزب العدالة والتنمية سرعان ما تبددت· فالعالم العربي لا يُجمع على الاحتذاء بنموذج حزب العدالة والتنمية· وبرز جيل ديمقراطي عربي قد يؤثر في شباب الطبقة الوسطى التركية التي لا تمثلها الحركات الإسلامية، ولو كانت اصلاحية· فربيع العرب قد ينفخ التغيير شيئاً فشيئاً في المعادلة الداخلية التركية·

وفي وقت لم تشرّع أوروبا الأبواب أمامها، انتهجت تركيا سياسة خارجية طموحة وواسعة الآفاق· فهي لم تنسحب من مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتشارك في عمليات حلف شمال الاطلسي، ولم تقطع علاقاتها بإسرائيل· وسعت إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية بالدول العربية وإيران·

ووسم وزير الخارجية التركية السياسة هذه بديبلوماسية صفر مشكلة· وتفترض السياسة هذه أن تركيا لن تضطر إلى الاختيار في المنطقة والانحياز إلى طرف دون غيره· وديبلوماسية صفر مشكلة هي رهن ثبات الأمور على حالها· ولكن مع زلزال الربيع العربي اضطرت تركيا إلى حسم مواقفها· ووقفت موقف المرتبك أمام الانتفاضتين التونسية والمصرية، ووقعت في حيرة الاختيار بين العقيد القذافي والمتمردين الليبيين، ثم أخذتها التظاهرات في سوريا على حين غرة· وقدمت أنقرة نصائح الانفتاح إلى الرئيس السوري· ولم تعد تركيا على بيّنة من أوراقها· وبرزت مشكلات في المنطقة على الجبهات كلها، واضطرت انقرة إلى الموازنة بين الانحياز إلى أطراف دون غيرها في دول الجوار المتأجج غليانه، من جهة، وبين الحفاظ على مكانتها في الناتو الذي يشن عمليات في ليبيا وعدم الظهور بمظهر مؤيد ديكتاتوريات نأى الاتحاد الأوروبي بنفسه عنها، من جهة أخرى· ولم تعد سياسة <صفر مشكلة> في محلها· وإذا استقرت مصر وتربعت دولة قانون، سلبت الاضواء من تركيا، واستعادت دور الريادة في العالم العربي الذي لا تنتمي تركيا إليه·

والحق أن الربيع العربي يصيب أنقرة بالصداع، ويبعث القلق في إسرائيل· فمنذ سقوط حسني مبارك، لا يعرف الإسرائيليون الراحة· وبعضهم يرى أن ثمة ما يبعث على الفرح في انهيار العقيدة العربية وانحسار الإسلامويين وبروز الاصلاحيين الساعين وراء الديمقراطية· ويأمل كثر في صفوف اليمين الإسرائيلي أن يولي العرب الاولوية لتنمية بلادهم عوض الحرب على إسرائيل، ولو كانت حرباً باردة·

فالحيرة أطاحت الـ ستاتو كو الآفل· ويخشى الإسرائيليون أن يستوحي الفلسطينيون التجربة المصرية، وأن ينسوا انقساماتهم، فينظموا تظاهرات سلمية لا يسع إسرائيل قمعها مخافة الادانة الدولية· وتخشى إسرائيل كذلك أن يبادر الغرب إلى الاعتراف بدولة فلسطين حدودها حدود 1967· وإذا لم يبدد شتاء الربيع هذا، تبدو الاحتمالات هذه راجحة·

*الاحتياطي الفيدرالي وإنقاذ مصارف العالم غريتشن مورغنسن نيويورك تايمز في آب من عام 2007 وبينما كانت الأسواق المالية العالمية عاجزة عن العمل، بدأت مصارف أجنبية ومحلية تتراص في شكل صفوف من أجل الحصول على أموال نقدية من المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل نيويورك·

وفي 20 من آب من ذلك العام، اقترض مصرف كومرزبنك الألماني 350 مليون دولار، مستفيداً من الخدمة التي تمكن المؤسسات المالية المؤهلة من الحصول على قرض من المصرف المركزي لتغطية عجز في السيولة لديها· وبعد يومين من ذلك، حصل كل من سيتي غروب وجي بي مروغان تشيز وبنك أوف أميركا وووتشوفيا كوربوريشن على 500 مليون دولار لكل منها· وكضمان لجميع هذه القروض، وضع البنك إجمالي 213 مليار دولار في صورة أوراق مالية مدعومة بأصول وقروض تجارية ورهون عقارية سكنية، بما في ذلك الرهون المنقولة من الدرجة الثانية·

وبذلك بدأ سباق البنوك الذي أشعل الأزمة المالية في عام 2008· ولكن على عكس السباقات الأخرى، لم يكن ذلك ظاهرا أمام معظم الأميركيين·

وظل الوضع على هذه الحال حتى الأسبوع الماضي عندما كشف الاحتياطي الفيدرالي النقاب عن الأمر· وفي استجابة لحكم محكمة، نشر الاحتياطي الفيدرالي الآلاف من الصفحات الخاصة بوثائق إقراض سرية تعود إلى فترة الأزمة·

وجاءت البيانات عقب دعوى قضائية رفعها مارك بيتمان، وهو صحفي في بلومبرغ نيوز مات في تشرين الثاني 2009· وبعد استلام طلبه من أجل الاطلاع على تفاصيل عن عمليات إقراض المصرف المركزي، قال الاحتياطي الفيدرالي إن الجمهور ليس له حق في معرفة ذلك· ولكن لم توافق المحاكم على ذلك·

وتكشف وثائق الاحتياطي الفيدرالي، كما هو الحال مع الكثير من المعلومات عن الأزمة التي جاءت من هيئات حكومية مترددة، ما كان يحدث من وراء الحجب خلال العاصفة المالية· وعلى سبيل المثال، أظهرت الوثائق مدى كآبة الأزمة المصرفية خلال صيف 2007· وفي هذه الأثناء كان صانعو السياسات في واشنطن يقولون إن أزمة الديون المحفوفة بالمخاطر سوف تنتهي ولن يكون لها إثر كبير على الاقتصاد الأعم وأن الأسواق العالمية كانت سائلة بدرجة كبيرة·

وعلى سبيل المثال، قال وزير الخزانة الأميركية في ذلك الوقت هنري بولسون في 23 تموز 2007، إن أزمة الإسكان بدت <في القاع أو بالقرب منه>· وبعد يومين أعلن رئيس المصرف الاحتياطي في نيويورك حينها تيموثي غايتنر في كلمة له أمام منتدى القيادة العالمية في واشنطن: الأسواق المالية خارج الولايات المتحدة أكثر عمقا وسيولة في الوقت الحالي بالمقارنة مع ما اعتادت عليه، مما يجعل من السهل بدرجة أكبر على الشركات أن تجمع رأس المال محليا بتكلفة معقولة.

ولكن خلال نحو شهر، بدأت مصارف أجنبية في التجمع أمام الاحتياطي الفيدرالي من أجل الحصول على القروض القصيرة الأجل التي يقدمها المصرف المركزي للمصارف المؤهلة· وخلال أربعة أيام في أواخر آب ومطلع أيلول، حصلت مؤسسات مالية عبر فروع نيويورك على إجمالي قرابة 1· 7 مليار دولار في صورة قروض من الاحتياطي الفيدرالي·

ومع تطور السباق العالمي، رفعت المصارف من مقدار استدانتها، بحسب ما تظهره الوثائق· وعلى سبيل المثال فإنه في 12 أيلول 2007 اتجه سيتي بنك إلى الاحتياطي الفيدرالي داخل نيويورك· وحصل على 3· 375 مليار دولار نقدا في مقابل أصول قيمتها 23 مليار دولار، بما في ذلك أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري التجاري ورهون سكنية وقروض تجارية·

وربما كان الكشف الأكبر في وثائق الاحتياطي الفيدرالي هي مدى استعداد المصرف المركزي لإقراض المؤسسات الأجنبية، ففي 8 تشرين الثاني 2007، أخذ دويتش بنك قرض ليلة واحدة قيمته 2· 4 مليار دولار مضمونا بـ 4 مليارات دولار· وفي 5 كانون الأول 2007، اقترض كليون الفرنسي ملياري دولار، وقدّم 16 مليار دولار في صورة ضمان·

وعندما اكتملت أركان الأزمة في 2008، أصبحت مؤسسات أجنبية مستفيدة أكبر من برامج الائتمان التابعة للاحتياطي الفيدرالي· وفي 4 تشرين الثاني من ذلك العام، قدم الاحتياطي الفيدرالي 133 مليار دولار عبر تسهيلات متنوعة· وحصلت مؤسستان أجنبيتان – بنك ديفا الألماني الآيرلندي وبنك ديكسيا كريدت البلجيكي – على 39 في المئة من الأموال في ذلك اليوم·

ويقول ووكر تود، وهو زميل بحثي في المعهد الأميركي للأبحاث الاقتصادية ومساعد المحامي العام السابق ومسؤول البحث في المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل كليفلاند: كان الشيء المفاجئ هو الكمية الكبيرة من القروض التي قبلها المصرف الاحتياطي الفيدرالي داخل نيويورك في الأزمة من مصارف أوروبية لها وجود بسيط داخل الولايات المتحدة، ويقال أنها لا تمثل تهديدا لنظام الدفع داخل الولايات المتحدة.
وقد تمت استعادة كافة القروض القصيرة الأجل التي حصلت عليها المؤسسات خلال الانهيار· ولكن تأكد بذلك سابقة، حيث أصبح الاحتياطي الفيدرالي بمثابة المصد الخلفي للعالم·

ومنذ عام 2000 أو نحو ذلك، كانت العقلية داخل الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وواشنطن أنه يجب على المصرف المركزي أن يتدخل عندما تكون هناك أزمة عالمية، بحسب ما قاله تود، حتى لو بدا أنه بذلك يتجاوز تفويضه·

كانت حماية المستثمرين المقترضين العالميين من آثار قراراتهم المالية هو ما قرر الاحتياطي الفيدرالي أن عليه القيام به· وكان المصرفيون والمستثمرون المستفيدون من هذه الهدية يعلمون كيف أن الاحتياطي الفيدرالي أنقذهم في وقت الحاجة· والآن بفضل وثائق الاحتياطي الفيدرالي هذه، يمكن للباقين منا التعرف على ذلك أيضاً·
(اللواء)

السابق
عيش العزة أو موت الكرام
التالي
العثمانيون الجدد يكتشفون شرقاً أوسط جديداً