معضلات لغولدستون

طلب رئيس الدولة من الامين العام للامم المتحدة أن يخزنه، وطرحه رئيس الحكومة في مزبلة التاريخ وجعلته حركة "اذا شئتم" لائحة اتهام لصندوق اسرائيل الجديد. يحتفل الجميع بمقالة "توبة" القاضي ريتشارد غولدستون في صحيفة "واشنطن بوست"، ولا سيما بجملة "لو عرفت آنذاك ما أعرف اليوم لأصبح تقرير غولدستون وثيقة مختلفة".

يعتمد القاضي اليهودي من جنوب افريقيا الذي ترأس لجنة التحقيق الاولى في أحداث "الرصاص المصبوب" – التي اتهمت اسرائيل بجرائم حرب – يعتمد الآن على التقرير النهائي للجنة خبراء مستقلة من الامم المتحدة. نُشرت استنتاجات اللجنة برئاسة القاضية من نيويورك ماري ماكيغواين ديفيس التي تابعت تطبيق توصيات تقرير غولدستون – في الشهر الماضي.

كتب غولدستون أن التقرير النهائي للجنة ماكيغواين ديفيس يُبين ان اسرائيل لم تكن لها سياسة تتعمد المس بالمدنيين. هذا هو ذلك "الندم"، الذي يذوب له الجميع.
لكن نظرة في التقرير النهائي تدل على ان اللجنة لم تكد تقترب من هذا الاستنتاج، بالعكس. فاللجنة تقرر مرة بعد اخرى انه بحسب المعلومات التي عُرضت عليها "لم تقم اسرائيل قط بفحص شامل عن النظرية العسكرية فيما يتعلق بأهداف عسكرية شرعية" (أي انها لم تبحث قط في سؤال أي الأهداف من الشرعي اطلاق النار عليها وأيها لا).

يمكن ان نفهم من مقالة غولدستون وكأن لجنة الخبراء بخلاف لجنته، حظيت بتعاون سلطات اسرائيل معها. ويتبين أن لا أساس لهذا ايضا. فالقاضية الامريكية لم تحظ بمعاملة مختلفة من اسرائيل بل انها تشكو من ذلك في التقرير. وهي تذكر انها اضطرت بسبب ذلك الى الاعتماد فقط على تقارير حكومية معلنة اعتمدت بدورها على منظمات حقوق انسان. وكذلك تؤكد ان اللجنة لم تنجح في تبيّن هل حققت اسرائيل في الأحداث الـ 36 التي بحثها تقرير غولدستون. وهذا الامر يثبت كما تقول غموض المعلومات التي وضعت تحت تصرفها. واذا لم يكن هذا كافيا فان التقرير يشير ايضا الى اختلالات في سلسلة تحقيقات تتعلق بقتل مدنيين وفيهم نساء واولاد.

في أحسن الحالات لم يُجهد المحتفلون بمقالة غولدستون أنفسهم قط بالنظر في تقارير الامم المتحدة. وفي اسوأ الحالات، قرأوا واختاروا اخفاءها عن نظر الجمهور. ورد في تقريري الامم المتحدة (21/9/2010 و 18/3/2011) انه من بين تحقيقات الجيش الاسرائيلي الـ 36 للأحداث الشديدة التي أثارها غولدستون قُدمت لائحة اتهام واحدة فقط. "وباعتبار خطورة الاتهامات"، يلخص التقرير هذا الفصل المركزي، "فان التحقيقات العسكرية أثمرت حتى الآن نتائج ضئيلة جدا".
على سبيل المثال تُعبر لجنة خبراء الامم المتحدة عن قلق خاص إزاء التحقيق الاشكالي والعقوبة السهلة على نحو خاص في قضية استعمال اولاد فلسطينيين من اجل الفحص عن اشياء مريبة. وعلى العموم تقرر اللجنة بأسف انه بعد ان طال التحقيق سنتين وجرى في تباطؤ وعدم شفافية فان احتمال التوصل اليوم الى بحث الحقيقة ضعيف جدا ولا ذكر لهذا ايضا في مقالة غولدستون.

وتذكر لجنة الخبراء ايضا أنها لا تملك معلومات تشير الى أن اسرائيل أجرت تحقيقا ما على أثر استنتاجات غولدستون عن أحداث شديدة الخطر في الضفة الغربية (والتي تُذكر ايضا في تقرير غولدستون). وعلى ذلك فان اسرائيل لم تفِ بواجبها نحو الميثاق الدولي المضاد للتعذيب – بأن تحقق في هذه الدعاوى.

تقرر اللجنة في التقرير من آذار الاخير والذي اختار غولدستون لسبب ما الاعتماد عليه أن التحقيقات مع متخذي السياسة يجب أن تقوم به لجنة تحقيق مستقلة لا النائب العام العسكري. ويذكر التقرير انه بحسب شهادة النائب العسكري نفسه، فانه واقع في تضارب مصالح (فهو نائب عام ومستشار قانوني للجيش)، وهذا لا يُمكّنه من أن يحقق مع اولئك الذين صاغوا وخططوا لعملية "الرصاص المصبوب" وقادوها وأشرفوا عليها. وفي الختام تذكر اللجنة انها لا تملك الآن ايضا – بعد سنتين وربع سنة من العملية في غزة – معلومات جديدة تجعلها تُغير رأيها الذي يقول ان اسرائيل لم تفحص عن نظريتها المتعلقة بسؤال ما هي الأهداف العسكرية المشروعة.

طلبت من القاضي غولدستون ان يرشدنا ولو الى كلمة واحدة في التقريرين تُسوغ مقولته الغامضة في شأن عدم وجود سياسة المس بمدنيين – في حين ان التقارير تعاود انتقاد اسرائيل لأن هذه القضية لم تُحقق قط. اعتذر محارب الحرية من جنوب افريقيا بأدب وقال انه قضى على نفسه بصمت اعلامي.

هذا مؤسف. أملت أن أستطيع سؤاله هل المقالة متعلقة بالضغوط الباهظة التي تم استعمالها عليه منذ نُشر التقرير. لقد حدثني هو نفسه قبل أقل من سنة عن محاولة إبعاده عن مراسم بلوغ حفيده في يوهانسبورغ. ربما يجدر أن نبحث عن الباعث على مقالته الغريبة في رغبته في أن يضمن لنفسه مكانا محترما قرب مائدة الاحتفال.

طواحين العدل
في الايام القريبة ستكون قد انقضت سنة منذ الاعلان الذي سُلم من قبل المستشار القانوني للحكومة، يهودا فينشتاين، الى المحكمة اللوائية في القدس. ورد في الاعلان انه "من مزيد الأسف" – فيما يتعلق بأمر اخلاء واغلاق بيت يونتان في قرية سلوان – "جاء تدخل مرفوض من قبل مستويات سياسية في اللجنة المحلية، عملت بلا صلاحية لتعويق تنفيذه".
مرت سنة اخرى منذ ذلك الحين، ولم يُخل ولم يُغلق البيت ذو الطبقات السبع الذي أُنشيء قبل ثماني سنين بخلاف القانون. يُبين متحدث وزارة العدل أن "المستشار استجاب في المدة الاخيرة لمطالب من قبل المستوى السياسي لتعويق تنفيذ أوامر في شرقي القدس بعد ان اقتنع بأن في ذلك مصلحة عامة". ويعد مع ذلك بأن "المستشار عمل في الماضي وما زال يعمل على تنفيذ الأمر في أقرب وقت". لا ننسى.

السابق
ايجاد مبادرة السلام الصحيحة
التالي
غياب عبد الرؤوف فضل الله..سيرة زاخرة