كيف تم إجلاء اللبنانيين من ساحل العاج؟

في جعبة كل لبناني حالفه الحظ بالعودة من ساحل العاج إلى وطنه الحبيب مجموعة من القصص، معظمها يدور حول المعاناة وشبح الخوف الدائم والسعادة في النجاة. 80% من اللبنانيين في ساحل العاج من الجنوب ما جعل قرى الجنوب اللبناني تقف مترقبة للوضع الإفريقي كأنه شأن داخلي محلي، فساحل العاج، بالنسبة إلى الآلاف، قضية عالقة لا بدّ من الحدّ من تداعياتها وإنقاذ أبنائهم من شبح الموت والنهب. من يضمن طريقاً آمنة للوصول إلى المطار؟ كيف يتم إخراج اللاجيئين من دائرة الخطر الى الخلاص الأخير؟ أسئلة يجيب عنها أحد المسؤولين هناك القاطن في " أكرا" والشاهد على مسار اللبنانيين الطويل للوصول أخيرا الى برّ الأمان .

عملية الإجلاء
يصف المسوؤل اللبناني عن عملية الإجلاء "كأنه مسار في حقل الألغام لا بدّ من تجاوزه بإنتباه وحذر، في البدء قامت القوات الفرنسية بإجلاء الكثير من اللبنانيين دون التدقيق بهوياتهم وجنسياتهم، ومن ثم لم تأخذ القوات الفرنسية من اللبنانيين إلا من يمتلك جنسية أوروربية أو أميركية، أما الآن فمن لا يمتلك هذه الجنسيات فإما عليه ان يكون ممن تربطه معارف بالفرنسيين او عليه إنتظار فتح أبواب أخرى يستطيع من خلالها الهروب من واقعه المرير". ويتابع المسؤول حديثه بالقول:" إقتصرت عملية الإجلاء على أخذ الرعايا اللبنانيين من مناطقهم بالملالات العسكرية وناقلات جند مصفحة ودبابتين( في الأماكن الصعبة) لتأمين سلامة عمليات الإجلاء وإيصالهم الى مخيم عسكري فرنسي".
تسهيلات بالجملة
"بقي اللبنانيون هناك ليلة واحدة على حدّ قول المسؤول "ومن ثم تمّ نقلهم عبر طائرات فرنسية وأميركية الى "غانا"أكرا و"لومي" حيث يحتشد عدد كبير من اللاجيئين اللبنانيين، وكان باستقبالهم أحمد السويدان القائم بالأعمال اللبنانية في "أكرا"، وهو من يسهّل اوضاع القادمين من أبيدجان الى لومي وتأمين كل ما يلزم من منامة وطعام مهما كانت الساعة، وكل ذلك على حسابه الخاص وحساب بعض افراد الجالية اللبنانية هناك . كذلك يشير المصدر الى وجود مكتب مساعدات يعود للسيد محمد حسين فضل الله بالإضافة الى المساعدات الميدانية من حزب الله وحركة امل وبعض الجهود الفردية البعيدة عن السياسة والمحسوبيات مثل الأستاذ حمزي رمال المقيم في اكرا ومدير محطة طيران الشرق الأوسط الأستاذ جواد الموسوي الذي تكفل في حجز تذاكر السفر الى لبنان وهي مجانية ".
" الرحلة الطويلة تتوقف في "لومي" لتتابع مسيرها الى أكرا بالباصات مرورا بحدود "توغو- غانا" وقام بمرافقة اللاجئين عدد من المنظمين اللبنانيين بعد ان تكّفل القنصل اللبناني والقائم بالأعمال اللبنانية احمد سويدان بتأمين جميع التسهيلات والمعاملات الرسمية واخذِها على عاتقه وعلى سبيل المثال تصديق كل جوازات السفر لعبور الحدود، تذاكر مجانية وإقامة في الفنادق او عند عائلات لبنانية… يُذكر ان هناك جهودا في ابيدجان لكنها ضعيفة ومقيدة نسبة للظروف الصعبة".
محطة الخلاص
حملت هذه المرأة الثلاثينية حقيبتها الصغيرة التي جمعت فيها بعضا من أغراض اولادها الأربعة ، بتعب مثقل على امل العودة إلى أبيدجان كما تقول. تطوُّر الأحداث عزّز شعورها المتشائم بفقدان "بلد الرزق" بعد كل هذه السنين فقد أجبرتها مغادرتها لساحل العاج على التنقُّل الى" لومي" ثم" أكرا" فلبنان. لا تخفي ملامح الجوع والعطش فهم عانوا من نقص في الحليب والحفاضات والأهم من مياه الشرب. وبدموع التأثر والفرح لوصولهم الى محطة الخلاص تتحدث عما فعله ابناء هذا الوطن هناك فتقول:" فتح اللبنانيون مخازنهم التجارية لبعضهم البعض للتخفيف من وطأة الأزمة وفي بعض الاحيان دون مقابل . كذلك قمنا بجلب مسلحين ودفعنا لهم لحمايتنا، ورغم ذلك تعرضنا لبعض السرقات.
تتمسك بأيدي أولادها، تتأملهم والدموع تغمر وجهها الحزين فهي هنا مع عائلتها لكن رب المنزل هناك قابع في أحد الشوارع الإفريقية في ابيدجان يحاول جاهدا الحفاظ على "جنى العمر" وابقاء ممتلكاته تحت جناحيه خوفا من النهب والسرقة. وتشبّه الوضع هناك كأنه شبيه بالحرب اللبنانية في العام 1975، كأنه كتب علينا ان نعيش ويلات الحروب مرتين، اولها في وطننا الحبيب والثانية اليوم في الوطن الحاضن . وما هي الا ايام حتى أضحى في جعبة كل لبناني حكايات حول ما عانوه في بلد لطالما اعتبرناه جالبا للمجد والثروات، فإذا برصاص المتخاصمين تصيب شظاياه ليس فقط ممتلكاتنا وانما اصبحت تهدد حياتنا . 19 سنة هناك أعيش على وقع الأحداث والتطورات الإفريقية كأنها ارضنا لتصبح اليوم من يهدد أمننا واحلامنا ومستقبلنا وتعيدنا من جديد الى نقطة الصفر في أحضان الوطن".
ويلات وطن
لم يفكر هذا الرجل الستيني بشيء سوى الخروج من دائرة الخطر ، أتى بثياب رثة ، أتى برفقة ابنائه وبقي إثنان منهم هناك للحفاظ على ممتلكاتهم هناك. يبدأ بالحديث:" ابني يملك شركة حراسة فيها 1000 موظف فجندنا 56 مقاتلا لحراسة حي " المعكرون"( وهو حي ّ تجاري لبناني) وما فيه من نفوس وممتلكات مقابل المال. لقد تركتُ لبنان في 28121974 وأعود اليها اليوم بعد قطيعة دامت 37 سنة، صحيح اني لم أعايش أيا من الحروب اللبنانية لكني على يقين بأن ما يجري اليوم في ابيدجان مطابق لما حصل في لبنان في الحرب الأهلية. أملي الوحيد العودة الى هناك، فحياتي برمتها هناك وكل ما جنيته من تعب وجهد أصبح اليوم على المحك، انتظر اليوم صفارة العودة وكلّي امل بالعودة الى الديار لا أكثر".
يبدو علي عبد الله كمن يدور في دوامة مخرجها الوحيد العودة إلى"موطنه الأصلي" في ساحل العاج وإذ لا يشعر الشاب بأنه لاجئ في أرض غريبة، لا يجد نفسه أيضاً في مسقط رأسه. عينه عين الأشخاص العائدين على متن الرحلة ذاتها، شاخصة نحو تطورات ساحل العاج، حيث أمضى جلّ سنوات عمره، يعمل لكسب قوته. 31 سنة في أبيدجان يكد ليرسم حياته هناك ويبنيها حجرا حجرا، لكن اسفه الوحيد:" ما تعرض له اللبنانيون من حالات نفسية كالرعب وصوت الرصاص والخوف من المداهمة … يقول "ان هناك احدى الأمهات خبأت اطفالها في مغطس الحمام عندما إقترب المسلحون من منزلها وعند اقتحامهم له إنهارت متوسلةً لعدم إيذاء اطفالها مقابل فعل ما يريدون".
ويبقى السؤال ما مصير العالقين هناك، وهم الذين حملوا احلامهم وآمالهم في حقيبة سفر آملين العودة بها محملة بخيرات علّها تفضي بعض الأمنيات في بلد لم يبق للحلم فيه حتى مكان؟

السابق
صيدا لم تحرق نفسها ايام ارتحششتا
التالي
أوروبا تفرض عقوبات على 32 مسؤولاً ايرانياً