فندق الحرب

في خضمّ الحديث عن أزمة تصريف النفايات في لبنان، والكلام على النفايات الالكترونية، ثم عشية الثالث عشر من نيسان، ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية، وقد تحدثنا في «إشكال» سابق عن «فندق القمامة»، الذي صممه الألماني ها شولت منذ أشهر قليلة في مدريد وسبق أن أقام مثيلاً له في أماكن أخرى… هل يمكننا الحديث عن نفايات الحرب، بل هل يمكننا الإشارة إلى إمكانية أن يقام في بيروت فندق لنفايات الحرب؟
يمكن أن نتذكر من بين أنشطة ها شولت الفنية إقامة معرض يقوم على تقديم منحوتات شكلت جيشاً من البشر مصنوعاً من القمامة. تصوروا أنه كوّن مئات الناس من مواد مجموعة من نفايات الناس أيضاً، كأنما رأى أن يرد للناس بضاعتهم أو زبالتهم «بواسطة فن «نظيف»، أو يذكّرهم بما رمت أياديهم للشيطان. لم يُرِدْ شولت «تكريم» الزبالة، بقدر ما أراد تنبيه الناس إلى التلوث الذي يحيطون به أنفسهم، مستنكراً حال الاستخفاف بنظافة البيئة، التي كثر ظهورها على شواطئ المتوسط. وقبل مدريد كان شولت قد أقام «فندقاً» آخر بالقرب من الفاتيكان، ونزلت فيه إحدى عارضات الأزياء العالمية.

هل نستطيع نحن في لبنان أن نقيم في بيروت «فندقاً»، أو نحوّل، مثلاً، بقايا مبنى «سيتي سنتر» أو «مبنى القبة» في وسط بيروت، الذي لا يزال شاهداً على فظائع الحرب الأهلية، إلى فندق ينزل فيه سياسيون وزوار وسياح وأصحاب مواقف من العالم، يريدون من نزولهم فيه تسجيل موقف احتجاجي ضد الحرب. ثم يتحول الفندق هذا إلى مكان تقام فيه العديد من الأنشطة الثقافية.

من قبل، نفّذ العديد من الفنانين اللبنانيين أعمالاً نحتية استخدموا فيها شظايا الصواريخ والقذائف المدفعية والرصاص بأحجام وأنواع مختلفة، للتعبير عن رفضهم الحرب وسخطهم عليها. ماذا لو تعاون فنانون لبنانيون ومهندسون على تصميم صرح يبنونه بأدوات الحرب، من شظايا وبنادق ومدافع وآليات مدمرة، وما إلى ذلك من خردة الحرب، وهي كثيرة.

نعلم أن نظريات متضاربة حملت مرة شعار «كي ننسى» ومرة أخرى «كي لا ننسى»، لكن الواضح أن النظريات تلتقي في جوهرها على فعل «التذكر»، بل التذكر الذي يقود إلى عدم تكرار الحرب. إذ في كل ثالث عشر من نيسان نقيم الكثير من المهرجانات والندوات والهيصات التي تنضوي تحت هدف تذكّر ما فعلته الحرب باللبنانيين، حتى لا يكررها القائمون على أمرنا من جديد، واليوم وفي ظل الاحتدام بين الأطراف المتصارعة، وتصاعد وتيرة الزحف نحو حروب جديدة، لا بد من أن يكون هناك صرح يذكّر اللبنانيين، الذين كثيراً ما يصفون أنفسهم بالنسيان، بما اقترفوه في حروب سابقة، صرح ماثل طوال السنة، وسط العاصمة، وحاضر، يومياً، من خلال الأنشطة التي تقام فيه.
إنه مجرد اقتراح، أو خاطرة أعلّقها في هذه الزاوية أو على مشذب ذاكرة الحرب، بل إن حلم «فندق الحرب» ليس مستحيلاً.

السابق
الاشتباه بجذع شجرة في منزل أحد العملاء!
التالي
فوضى ومحسوبيات في أبيدجان.. ومناشدات لطائرات إضافية