حلول ترقيعيّة في صيدا وصور

في غضون أيام قليلة، طفحت شوارع صور بأكوام النفايات وملحقاتها. المدينة تعيش أزمة بعد إقفال مكب رأس العين وغموض مصير تشغيل معمل عين بعال لفرز النفايات.. حتى أصبح آخر الدواء الكي: العود الى رأس العين من المقرر أن تشهد بلدية صور اليوم اجتماعاً بين مجلس بلدية دير قانون رأس العين من جهة وعدد من فعاليات المنطقة من جهة اخرى، للتباحث في سبل حل أزمة النفايات المتكدسة في المدينة منذ أيام بسبب توقف مكب رأس العين عن استقبال النفايات من بلدات قضاء صور.

ومن المنتظر أن يكون جوهر الاجتماع إقناع بلدية رأس العين بالتراجع عن قرارها إقفال المكب العشوائي واستئناف استخدامه من البلديات الى حين تشغيل معمل عين بعال غير المعلوم حتى الساعة.
شهرت البلدية سيف صلاحياتها وفق قانون البلديات ولواء محافظتها على البيئة ومقدراتها ومواردها الطبيعية من أراض زراعية ومياه جوفية، وقررت نهاية العام الماضي أن تقفل المكب الواقع في نطاقها العقاري منذ اكثر من خمسة عشر عاماً. ضربت موعد الإقفال في مطلع العام الجاري. إلا أن غياب البديل دفعها الى تجنيب جاراتها الوقوع في أزمة، فمدّدت فترة تشغيله وأجّلت إقفاله الى ما بعد شهرين. الموعد الثاني أُجّل أيضاً الى أن قررت البلدية إقفاله نهائياً في منتصف شهر آذار الفائت.
لكنّ المدافعين عن البيئة لم يفرحوا بالانتصار الذي تحقق بعد عشرات الاعتصامات وعرائض الاحتجاج التي سجلت ضد المكب الذي كان دائم الاشتعال، وتحول الى جبل في قلب السهول الزراعية وبمحاذاة محمية صور الطبيعية وآبار رأس العين وينابيعها الجوفية.

ما إن انخفض رأس العين، حتى علت عشرات رؤوس المكبات في بلدات المنطقة. فالبلدات التي كانت تجمع نفاياتها وتلقيها وراء ظهرها في رأس العين، بات عليها أن ترميها في «حضنها». وهكذا، فإن البلديات التي «اصطفت» قطعة أرض في مشاعاتها، صار لها مكبها الخاص. أما التي لم تجد بديلاً فعمدت الى تجميع النفايات وحرقها للتخلص منها.

مدينة صور على سبيل المثال، لم تجد مكباً لنفاياتها. فالعقار الذي درجت على استخدامه عندما كان يطفح مكب رأس العين، منعت منه هذه المرة. ففي كتاب رسمي، أمرت وزارة الدفاع بعدم استخدام عقارين تملكهما بالقرب من ثكنة صور والكورنيش الجنوبي. لذا، تكدست النفايات على جوانب الطريق وحول المستوعبات وباتت المدينة السياحية التي تستعدّ للموسم الصيفي مكب نفايات كبيراً.
إزاء ذلك، تحركت فرق الأشغال في البلدية لا لترفعها من مكانها بل لتعالجها بالحد الأدنى. فرشّتها بمادة الكلس والمبيدات للحد من انتشار الروائح الكريهة والجراثيم وتكاثر الحشرات والجرذان وإبعاد القطط والكلاب الشاردة. تراكم النفايات في الاحياء السكنية دفع بعض السكان الى حرقها في المستوعبات وعلى الأرصفة وفي الشوارع. من جهة ثانية، ناشد رئيس البلدية المهندس حسن دبوق المسؤولين لإيجاد حل لمشكلة النفايات الصلبة التي يعانيها لبنان. فالمنطقة ببلداتها ومخيماتها تنتج 45 طناً من النفايات يومياً. من هنا، فإنها «مقبلة على كارثة بيئية في الأيام القليلة الآتية» بحسب دبوق.

سبب المشكلة في صور تختصر بإقفال مكب رأس العين من جهة وعدم تشغيل معمل عين بعال برغم ان شركة اجنبية كلفت بتشغيله قبل ايام. فما سبب شلل الحلول في ظل وجود الحل أي المعمل الذي أنفق اتحاد بلديات قضاء صور ملايين الدولارات لبنائه وتجهيزه؟. إنها الحجة المستدامة منذ اكثر من ثلاث سنوات: عدم ايجاد مطمر صحي للنفايات غير القابلة للفرز أو العوادم التي ستنتج من فرز النفايات في عين بعال. وبرغم أن هيئات عدة بالتنسيق مع وزارتي البيئة والتنمية الإدارية قد اجرت دراسات عن الأمكنة القابلة لاستقبال المطمر في بلدات صور، لم تضغط الجهات النافذة لاعتماد مشاع البلدات المختارة لإنشاء المطمر. فالقوى السياسية مالكة القرار في المنطقة لا تزال تقف على رأي المواطنين الذين يخشون استقبال المطمر خوفاً من تكرار تجربة مطمر الناعمة.. علماً بأن اتحاد البلديات والجهات المشرفة على المعمل، قد أعلنت عن إغراءات ضخمة تمنح للبلدية التي تستقبل المطمر. من هنا، فإن البعض لا يجد المماطلة في فرض انشاء مطمر بأنه مراعاة لآراء الناس، بل مماطلة في تنفيذ الحل المتوافر.

ومن صور الى صيدا، اشتدّت أزمة تكدّس النفايات لتنفرج على حلول ترقيعية مؤقتة وعبثية، حلول «كيف ما كان» دبرت تحت وطأة ازمة اجتاحت المنطقة منذ شهر وحوّلت شوارعها الى اكوام نفايات جلبت الأمراض ونشرت الروائح.
عدم مثالية الحلول المؤقتة قد يلحق ضرراً بالبيئة وبصحة المواطنين، كأن تحرق نفايات في ارضها، وهو ما يلوث الهواء وينشر الروائح الكريهة، أو تطمر في مكبات عشوائية مما يؤدي إلى تلويث المياه الجوفية، أو يصار إلى التخلص منها عبر تهريبها الى مكب صيدا وقرى مجاورة.. انفراج مؤقت يجعل انفجار الأزمة وارداً في أية لحظة.

بعد ما يقرب الشهر على أزمة نفايات منطقة صيدا وتكوم النفايات في شوارع المنطقة، أزيلت كميات كبيرة منها، وكل بلدية أوجدت حلّاً لتصريف نفاياتها: بلدية عبرا أعادت العمل برمي النفايات على أرض «للبطريركية»، في تدبير مؤقت قد يعيد الأزمة مجدّداً، فلا مساحة الأرض تسمح برمي كميات كبيرة فيها، ولا يمكن تحويل المكان الى مكب للنفايات. بلدية الهلالية حلها المؤقت تمثل بـ«الطمر»، فحفرت قطعة أرض لدفن النفايات فيها. بلدية حارة صيدا التي قاد رئيسها سميح الزين يوم الجمعة الماضي انتفاضة نفايات قاطعاً أبواب الحارة بسواتر نفاياتية، ادّى ضغطها إلى تطهير شوارعها من النفايات المتكدسة ورفعت سواتر النفايات التي نقلت بسيارات الشركة المتعهدة إزالة النفايات من المنطقة الى مكب صيدا، ومكب آخر جنوبي شرقي المدينة.

وفي محاولة لتسجيل اختراق ما في عقدة خلاف بلديات اتحاد صيدا الزهراني وإدارة معمل فرز النفايات المنزلية الصلبة حول السعر المطلوب بدل الطن الواحد من النفايات لبدء المعمل عمله، عُقد اجتماع في مبنى محافظة الجنوب بين مسؤولين عن المعمل ورؤساء بلديات، بهدف التوصل الى اتفاق جديد، علماً بأن بلدية الظل في اللقاء الوطني الديموقراطي أشارت الى أن غياب الحلول مردّه الى ما سمّته «التضامن بين الاحتكار والسلطة الفاسدة».
أزمة النفايات دفعت بالعديد من بلديات منطقة صيدا الى وضع تصورات عن امكانية البحث عن بدائل لا تبقيهم مستقبلاً تحت رحمة إدارة معمل فرز النفايات المنزلية الصلبة في صيدا وفرضه شروطاً وأسعاراً غير منطقية، وناقشت بلديات عدة فكرة إنشاء معامل فرز صغيرة في مناطقها.

——————————————————————————–

السابق
تحليق إسـرائيلي.. وتـرسـيـم دولـي
التالي
ارتفاع أسعار العقارات في بنت جبيل يرهق المزارعين