بري: حسن نصر الله بمثابة نفسي.. وما يصيبه يصيبني

نجحت العلاقة بين رئيس حركة «أمل» نبيه بري والأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في تجاوز «اختبار» وثائق «ويكيليكس» بأقل الخسائر الممكنة، بل ان البعض في الحركة والحزب يعتبر أن التحدي الذي فرضته تلك الوثائق أعطى دفعا إضافيا لهذه العلاقة وأعاد تزخيمها.
ولكن هذا الإحساس بالطمأنينة سبقته في واقع الأمر ساعات من القلق، سادت قيادتا «أمل» و«حزب الله» في أعقاب نشر الوثائق الاخيرة، خشية أن تترك انعكاسات سلبية على التناغم بين قواعد التنظيمين وأن تهز الثقة المتبادلة التي بنيت في السنوات الماضية.

من هنا، سارع نصر الله الى إعطاء شهادته في الدور الذي أداه بري خلال «حرب تموز»، حائلا دون أي عزف محتمل على أوتار شيعية حساسة استنادا الى «النوتة» التي وضعها جيفري فيلتمان في برقياته المرسلة الى وزارة الخارجية الاميركية، فيما بادر رئيس مجلس النواب الى دعوة الكوادر الأساسية في حركة «أمل» الى اجتماع طارئ أمس، أبلغهم خلاله أن هناك مؤامرة تستهدف زعزعة العلاقة بالحزب وان المطلوب وأدها في مهدها من خلال تأكيد التحالف الاستراتيجي والنهائي مع الإخوة في «حزب الله»، مؤكدا أن محاولة دق إسفين بين «أهل البيت» الواحد، لم تنجح فيها «دول» سابقا ولن تنجح بالتأكيد على الصعيد المحلي.

يتصرف نصر الله وبري على قاعدة أن تحالفــهما هو عنــصر القوة الذي أتاح لهما وللطائفة الشيعية «العبور الآمن» للمحطات الصعبة خلال السنوات الماضية، بدءا من عام 2004 مع صدور القرار 1559 الذي شكل نقطة تحول مفصلية في مسار استهداف خيار المقاومة، مرورا باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخروج الجيش السوري عام 2005، وصولا الى «حرب تموز» المصيرية عام 2006 ، وما تلاها من تجاوز الرئيس فؤاد السنيورة للمعنى الميثاقي المتعلق باستقالة وزراء التنــظيمين من حكومته الأولى في العامين 2007 و2008.

وما عزز قناعة الحزب والحركة بحتمية استمرار هذا الزواج ـ بمعزل عما إذا كان نتاج القلب أو العقل ـ أنهما تلمسا مردوده الحسي الكبير، سواء لجهة تعزيز الصمود في مواجهة خطر الإقصاء أو لناحية حماية المقاومة من محاولات الإلغاء، وصولا الى الانتقال من الدفاع الى الهجوم كما حصل مؤخرا مع تغيير هوية الأكثرية.

يدرك الطرفان جيداً بعد تجاربهما التي مرت في «الفصول الاربعة» أن أياً منهما لن يفيده الطلاق، لأنه سيعني حكماً الاستفراد لاحقاً بكل منهما. وعليه، يبدو واضحا أن هناك قراراً نهائياً لديهما بالحـفاظ على تحالفهما ـ مهما تباينت التكتيكات الظرفية ـ في ظل شعور بري ونصـر الله بمنهجية الاستهداف الداخلي والخــارجي لثــنائية «حزب الله» ـ «حركة أمل»، كما اتضح من استنتاجات فيلتمان ورغبات قياديي 14 آذار.
لا ينكر بري أن «الصلية» الأخيرة من وثائق «ويكيليكس»، والمتصلة به، كانت على درجة كبيرة من الخطورة في حشوتها «المليئة بالسموم»، ما استدعى رداً حازماً من الحركة والحزب على مستوى الاستهداف، معتبراً أن التحديات التي تواجه علاقتنا من حين الى آخر أصبحت تشكل، في كل مرة، حافزاً للتمسك بها، ولتحصينها أكثر فأكثر.

يصف بري كلام السيد نصر الله عن دوره في «حرب تموز» بأنه «سيد الكلام»، لافتا الانتباه الى أن الأمين العام لـ«حزب الله» كان دقيقاً في شرحه لكيفية توزيع الأدوار بيننا وتحقيق التكامل بين ما هو ميداني وما هو سياسي، ومشيرا الى أن هناك أسراراً كبرى حول تلك المرحلة «لا يعرفها أحد، إلا أنا وسماحة السيد».

وإذ يستعيد بري بعض ما أورده فيلتمان من «استنتاجات مفخخة» في برقياته، يرى أن المشكلة الأساسية لهذا الدبلوماسي الأميركي أنه لا يفهم طبيعة الصلة التي تربطني بالسيد نصر الله، وهو قاربها فقط من زاوية «التحليل الجاف» الذي لا يرقى الى محاكاة ما يجمعنا من روابط وجدانية، قبل أن تكون سياسية.

ويضيف بري: ما لا يعرفه فيلتمان وغيره أن السيد نصر الله هو بمثابة نفسي وما يصيبه يصيبني، ذلك أنه نشأ أصلا في «أمل»، وأشقاؤه ما زالوا في صفوف الحركة، وهناك الكثير مما يجمعني به على المستوى الشخصي والإنساني، ثم ان تجربة المقاومة صهرتنا في وعاء واحد، ونحن نلتقي سياسياً على قراءة مشتركة لكل القضايا المطروحة وإن تنوعت أساليبنا أحيانا. ويتابع مبتسماً: أنا منعت جهاد (شقيق «السيد» وهو مسؤول محلي في الحركة في الضاحية الجنوبية)، من أن يظهر كثيرا خلال «حرب تموز» خشية من استهدافه، لأنه يشبه حسن نصر الله كثيرا عندما يكون بلا عمامة.

يرى رئيس المجلس أن هناك الكثير من «الإسقاطات الشخصية» في برقيات فيلتمان المرسلة الى وزارة الخارجية، «بما يُخرج الكلام المنسوب إلي عن سياقه المتكامل ويلبسه معانيَ ليست له، إضافة الى أن بعض المضمون مفبرك كالادعاء بأنني اقترحت قصف مواقع «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة». وقد طلب بري من أحد المقربين منه، الاتصال بـ«القيادة العامة» وإبلاغها أن لا صحة على الإطلاق لما نقله عنه فيلتمان في هذا المجال.
وفي معرض إعادة تصويب الأحداث، يروي بري تفاصيل زيارة قامت بها وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندليسا رايس الى عين التينة، بعد قرابة عشرة أيام على بدء حرب تموز. كان رئيس المجلس يلاحظ شيئا من الاستعلاء في سلوك رايس خلال تنقلها بين المسؤولين اللبنانيين، الأمر الذي أغاظه، كما يقول، «فكيف إذا كان هذا السلوك معطوفاً على شراكة أميركية مباشرة لإسرائيل في عدوانها على لبنان».

وهكذا، قرر بري أن يعد لرايس استقبالا من نوع مختلف في عين التينة. نظر رئيس المجلس الى مدير البروتوكول والتشريفات علي حمد وقال له: عندما تصل، تكون أنت، وليس أنا، في انتظارها أمام مدخل المقر. حاول حمد أن يلفت انتباهه الى خيارات بروتوكولية أخرى، أقل وطأة، خصوصا أن رايس هي برتبة رئيس حكومة، ولكن بري أصر على موقفه. وبالفعل، استقبل حمد وزيرة الخارجية ورافقها الى غرفة الاجتماع حيث كان رئيس المجلس ينتظرها عند الباب.
في بداية اللقاء، أبلغ بري ضيفته بوجوب العمل على وقف إطلاق النار فوراً، وأشار الى الاستعداد لمبادلة الجنديين الاسرائيليين الأسيرين بعميد الأسرى سمير القنطار واثنين آخرين. ولكنه سرعان ما فوجئ برد رايس التي أبلغته بدم بارد أن الوقت لم يحن بعد لوقف إطلاق النار.

عندها، قرر بري تجاهله ضيفته، من باب التكتيك التفاوضي، فاسترخى في مقعده ومد قدميه الى الأمام، فيما كان يوزع نظراته على أعضاء الوفد المرافق لها، موجهاً كلامه اليهم، وكان من بينهم ديفيد ولش وجيفري فيلتمان.
ارتبك فيلتمان، وانزعجت رايس التي حاولت استعادة المبادرة التفاوضية، فأجابها بري: مهما استمر إطلاق النار، فإن المقاومة هي المنتصرة.. انظري الى تجربتكم في العراق، صحيح أنكم حطمتم الجيش النظامي هناك، ولكنكم تظهرون عاجزين أمام عناصر المقاومة العراقية التي تلحق بكم خسائر فادحة.. وهنا، في جنوب لبنان، سيتكرر المشهد ذاته، والمقاومة لا يشارك فيها «حزب الله» فقط، فهي تضم أيضا «حركة أمل» والناس والتراب والشجر، وها هو الجيش الاسرائيلي لا يكاد يدخل الى مارون الراس حتى يخرج منها، علماً بأنها بلدة صغيرة، فكيف سيكون حاله في البلدات والمدن الجنوبية الاخرى.. إن حربكم خاسرة سلفاً.

خرجت رايس من الاجتماع متجهمة، وما زاد الطين بلة، ان رئيس المجلس لم يرافقها في الوداع، فما كان منها إلا أن رفضت استخدام المصعد، عند المغادرة، وأصرت على نزول الدرج هرولة…
ويختم بري سرد روايته بالسؤال: متى سيستمع علي حسن خليل الى نصيحتي، ويضع كتاباً حول وقائع المفاوضات في «حرب تموز»، والتي يملك محاضرها بأدق التفاصيل.. عندها، تأكدوا اننا سنكون أمام «ويكيليكس» من نوع آخر..
وما لم يقله الرئيس بري قاله السيد نصر الله في أول إطلالة صحافية عبر «السفير» بعد انتهاء «حرب تموز»، عندما سئل عن العلاقة بين الحزب والحركة، فأجاب مشيداً بدور الرئيس بري على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً، وروى من خارج الحديث المنشور كيف اجتهد بري أحياناً من دون التنسيق مع الحزب في طرح أفكار تتعلق بتبادل الأسرى، وختم بالتشديد على أهمية الثنائية الشيعية، معتبراً أن «حزب الله» يضعف عندما تصاب «أمل» بالضعف والعكس صحيح، و«حزب الله» يقوى عندما تقوى «أمل» والعكس صحيح.

السابق
السياسة: حكومة ميقاتي خلال أيام والمفاوضات تتركز على الحقائب والأسماء
التالي
السياسة: خطاب نصر الله كشف قلق “حزب الله” من حرب وجود مقبلة عليه