السياسة: خطاب نصر الله كشف قلق “حزب الله” من حرب وجود مقبلة عليه

الأسلوب الهادئ الذي استخدمه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في إطلالته الإعلامية الأخيرة, السبت الفائت, لم يخف التوتر الذي غلب على خطابه, ولم يحجب القلق الواضح في ثنايا الكلام من المستقبل, فجاءت الرسائل السياسية بالغة الحدة والعنف, ولامست حد التهديد.

يمكن تشريح خطاب نصر الله على الشكل التالي:
أولاً: كرس نصر الله في هذه المداخلة منحى الخطاب الذي سبقه, عندما هاجم البحرين ودول الخليج, أي المنحى الشيعي البحت, والخروج نهائيا من جلباب الوحدة الإسلامية التي لطالما تغنى بها. وجاءت كل محاور كلامه مخصصة لقضية شيعية محددة, سواء الداخلية أو الخارجية: ما يخصه من وثائق "ويكيليكس", والوضع في ساحل العاج حيث الغالبية العظمى من الجالية اللبنانية هناك شيعية, والدفاع عن إيران, وتجديد الهجوم على البحرين, بالإضافة إلى ملف سجن رومية.
لقد نزع "حزب الله" عنه في مرحلة سابقة صفة المقاومة وتحول لاعباً أساسياً في الداخل منافساً للقوى السياسية اللبنانية, وها هو اليوم ينتقل إلى المنافسة على زعامة الطائفة الشيعية, فيخطو خطوة أخرى نحو التقوقع في الخيار المذهبي.
ثانياً: تهرب نصر الله من تناول الوضع العربي العام, وابتعد عن موضوعه المفضل في الإطلالات الإعلامية السابقة, أي موضوع فلسطين, كي لا يتورط في اتخاذ أي موقف مما يجري في سورية, لا بل إن الأحداث الجارية هناك هي المساهم الأول في جعل خطاب "حزب الله" في هذه المرحلة ينكفئ بقوة إلى الداخل اللبناني.

وبكلام أوضح بدا جلياً أن نصر الله يحصن وضعه اللبناني عموماً والشيعي خصوصاً تحسباً لما ستحمله المرحلة المقبلة من تغيرات في محيطه الإقليمي بدءاً من سورية.
ثالثاً: في تناول وثائق "ويكيليكس" صنف نصر الله الناس صنفين, علماً أن الجميع هاجموه في الوثائق. والهدف هو حماية أرضيته الشيعية, لأن الدفاع عن الرئيس نبيه بري وحركة "أمل" عبر عن خشية من انفضاض التحالف, أو بالأحرى انتهاء مرحلة التعايش السلمي بينهما, وتحول "أمل" إلى موقع وسطي عبر عنه بري, الأسبوع الماضي, بقوله انه لم يعد في "8 آذار". وقد جهد نصر الله لتوريط بري أكثر في التحالف معه إلى درجة أنه اعتبره شريكاً في ما يسميه انتصار يوليو 2006. وهنا أيضاً يبرز المنحى الشيعي لخطاب نصر الله.

كذلك الأمر بالنسبة للحلفاء مثل النائبين ميشال عون ووليد جنبلاط, فهو تمسك بهما رغم ما ورد في وثائق "ويكيليكس", فنصر الله يخشى الآتي, ويعزز مواقعه التحالفية لبنانياً.
رابعاً: في تناول قوى "14 آذار" ودورها المكشوف عنه في "ويكيليكس", يربط نصر الله بقوة بين مرحلة 2006 وبين المرحلة الحالية, لأنه يدرك انه محشور في معركة الدفاع عن سلاحه, لذا فإن الوسيلة المثلى هي في تخوين الطرف الآخر والتلويح بمحاكمته قضائياً, بعد أن أخرجه من السلطة.

ووردت جملة معبرة جداً في كلام نصر الله وهي: "بقيت المقاومة وذهبت السلطة", وهي تعني أن الحزب سيقاتل بكل الوسائل لإبقاء هذه النتيجة, وبرأيه فإن الرئيس سعد الحريري لن يعود إلى رئاسة الحكومة إلا إذا خسر "حزب الله" خسارة تامة, وعليه فإن الصراع مع الحريري بات صراع وجود. وقد تخللت الخطاب عبارات تحذير وتهديد عدة للحريري مما سماه "التمادي في الخطأ".

خامساً: في ما خص المغتربين في ساحل العاج وأغلبيتهم شيعة, وما خص موضوع سجن رومية حيث أعداد كبيرة من الشيعة أيضاً, فإن نصر الله وجدها مناسبة لتلميع صورة بري أملاً في إبقائه إلى جانبه للأسباب الآنفة الذكر.
سادساً: في تبرير الدفاع عن إيران, بدت حجة نصر الله ضعيفة بقوله إننا لم نخف يوما علاقتنا بإيران, وكذلك علاقتنا بسورية, والسؤال الذي يطرح: لماذا لم يدافع الآن عن نظام دمشق?
لقد انتقد نصر الله الحريري لأنه ادخل لبنان في لعبة المحاور الإقليمية متناسياً أنه هو القوة الإقليمية الأولى في لبنان, ومن جهة ثانية, اعتبر موقف الحريري بمثابة تقديم أوراق اعتماد للأميركيين والسعوديين خصوصاً من اجل الحصول على تكليف جديد بتمثيل مصالحهم, وللحصول على أموالهم, وفي هذا الكلام نزعة فوقية في التعاطي مع طرف لبناني آخر, والأهم من ذلك, وهو اخطر بكثير أن نصر الله يرحب بالمواجهة السعودية – الإيرانية على أرض لبنان, ولا مشكلة عنده في الذهاب بهذا الخيار حتى النهاية.

سابعاً: على الرغم من أن خطاب نصر الله موجه للجمهور الشيعي أساساً, إلا انه استغل مناسبة الحديث عن الحكومة, ليذكر بعلاقته بالرئيس الشهيد رفيق الحريري, وهنا غمز من قناة المحكمة الدولية التي لم يتطرق لها بتاتاً, ولتوجيه رسالة إلى السنة في لبنان, بالقول إن سعد الحريري ليس من مدرسة والده, وإن رفيق الحريري لم يجد حرجاً في زيارته والاتكال عليه لتشكيل حكوماته, ليخلص إلى أن سعد الحريري فاشل لأنه يعتمد التحريض. وهذا تأكيد على ما ورد سابقاً من أن قرار إيران و"حزب الله" إقصاء الحريري نهائياً مهما كلف ذلك.

وجاءت الخلاصة معبرة بالقول إن "حزب الله" وجمهوره ليس لهم مكان آخر يذهبون إليه وسيموتون على هذه الأرض, في حين أن الحريري وحاشيته لديهم جنسية أخرى ومكان وآخر وبلد آخر يذهبون إليه. وهذه الملاحظة ليست إنشائية أو شكلية, ف¯"حزب الله" يعتقد أن حرب الدفاع عن وجوده تقترب وهو يشحذ همة الجمهور الشيعي, ويعلن نصر الله, ولو بهدوء ظاهر, أنه سيقاتل كما لم يقاتل من قبل, دفاعاً عن بقائه, خصوصاً إذا سقط الحليف السوري وانقضت عليه إسرائيل واصطف القسم الأكبر من اللبنانيين ضده.

السابق
بري: حسن نصر الله بمثابة نفسي.. وما يصيبه يصيبني
التالي
بركات: ارسلان لن يرضى إلا بوزارة أساسية وإلا فسيصدر موقفاً حازماً في الوقت المناسب