الراي: أزمة تشكيل الحكومة في لبنان بارومتر لقياس الحال الإقليمية

لم تعد عملية تشكيل الحكومة في بيروت، مسألة مهمة بذاتها بقدر ما تمثله من «بارومتر» لقياس «الحال الاقليمية» المضطربة وطبيعة انعكاساتها على لبنان، خصوصاً بعد الاندفاعة الامامية للاحتجاجات في عقر الراعي الاقليمي للحكومة «المحتملة»، أي سورية.

فمع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة عقب اسقاط حلفاء سورية لحكومة الرئيس سعد الحريري قبل نحو شهرين ونصف الشهر، ساد انطباع بأن دمشق التي فوجئت كسواها بـ «تسونامي» هبة التغيير في العالم العربي قررت التمهل في اعطاء «الضوء الاخضر» لولادة الحكومة في بيروت.

والتمهل عينه طبع موقف «حزب الله»، لكن نتيجة رغبته في ملاقاة القرار الاتهامي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري بـ «فراغ حكومي» من شأنه امتصاص الصدمة الاولى للقرار الاتهامي وتداعياته، ليبنى تالياً على الشيء مقتضاه في تكوين «السلطة الجديدة» المتمثلة بالحكومة.

غير ان سورية تكاد ان تتحول «ملعب نار» مع الاحتجاجات الدامية، والقرار الاتهامي بدا وكأنه على الرف، الامر الذي عاود تعزيز الاتجاه الى فتح الطريق امام خروج الحكومة الى دائرة الضوء لكن وسط تساؤلات في الاندية السياسية لـ «الاكثرية الجديدة»، اي (8 آذار) عما اذا كان لميقاتي مصلحة في تشكيل الحكومة في ظل اللحظة الاقليمية الراهنة.
ثمة من يعتقد في بيروت بان سورية التي تعاني تصدعاً داخلياً باتت اكثر ميلاً لقيام حكومة في بيروت تطمئن لها، وان «حزب الله» حسم خياره في اتجاه الاسراع في ولادة الحكومة لاسباب داخلية واقليمية، تتصل بالحاجة الى تمكين تحالفه من الامساك بالقرار اللبناني، لا سيما بعد المعركة التي باشرها الحريري ضد الدور الايراني في لبنان والمنطقة.

ورغم ان كواليس الاتصالات في شأن التأليف توحي بالتقدم خطوة – خطوة في اتجاه تبديد المصاعب التي تعترض «البازل الحكومي»، فإن اوساطاً في «8 آذار» ما زالت تشكك، خلف الستائر المقفلة، في رغبة ميقاتي تقديم التسهيلات اللازمة لولادة الحكومة لاسباب ترتبط بحسابات سياسية وغير سياسية على صلة بالوضعين الاقليمي والدولي.

ومن بين الاسئلة التي يتم التداول بها على شكل همس حول حسابات ميقاتي، استوقفت الدوائر المراقبة ما يأتي:
? هل يمكن لميقاتي تشكيل حكومة اللاعب الرئيسي فيها «حزب الله» في لحظة تفجر الاشتباك الخليجي ـ الايراني؟
? هل حصل على ضمانات كافية من مكونات حكومته العتيدة، لا سيما من «حزب الله» على تجنيبه منزلقات المواجهة مع المجتمع الدولي؟
? اي حكومة يمكن لميقاتي ان يطل بها على لبنان والخارج في لحظة اضطراب سورية وحراك عربي غير مسبوق ومعاينة دولية متعاظمة؟
ثمة اجواء تؤشر الى ان ميقاتي الذي اضطر لتقديم تنازلات تتصل برغبته بقيام حكومة تكنوقراط من 24 وزيراً، وتسليمه برغبة «8 آذار» في جعل الحكومة ثلاثينية من سياسيين، ربما نجح في التوصل الى تسوية في شأن التوازنات داخل الحكومة عبر «صيغة مقنعة» للمسألة الاكثر حساسية المتصلة بـ «الامرة» في الحكومة عبر حصة الثلثين، وبقدرة التعطيل فيها، اي الثلث زائد واحد.
ووسط محاذرة أوساط سياسية التعاطي مع «مسحة التفاؤل» على انها مؤشر الى انه تم تجاوُز كل العقد الاساسية، تحذّر دوائر مراقبة من ان «الشوط الاخير» من سباق التأليف يمكن ان يكون الأكثر تعقيداً وفيه تكمن «شياطين التفاصيل» التي سيتم إسقاطها على «الهيكل العظمي» الذي تم التوافق عليه للحكومة شكلاً وحصصاً.

وما تقاطعت المعلومات على الاشارة اليه في ما تم التوافق عليه في الملف الحكومي، هو ان تفاهماً أنجز على صيغة توزيع الحصص بحيث تكون حصة كل من الرئيس ميشال سليمان ورئيس الوزراء المكلف والنائب وليد جنبلاط 11 وزيرا، وحصة تكتل العماد ميشال عون 10 وزراء على قاعدة 6 للتيار الوطني الحر و2 لتيار المردة و2 لحزب الطاشناق، وحصة القوى الاخرى في 8 آذار تسعة وزراء يتوزعون على «أمل» و»حزب الله» والحزب القومي والنائب طلال أرسلان والمعارضة السنية (يتم اختيار وزيرها بالتوافق مع ميقاتي).

على ان تكون حقيبة الداخلية السيادية من حصة رئيس الجمهورية ويكون مَن سيتولالها بمثابة «الوزير الملك» الذي يرضى عنه سليمان ولا يُغضب عون الذي يكون بذلك حصل على «شراكة» في حقيبة سيادية وعلى ما يشبه الثلث زائد «نصف» عوض الثلث المعطّل لتكتله منفرداً.

علماً ان حقيبة الدفاع السيادية ستبقى من حصة الرئيس على أن تتولاها شخصية من الروم الارثوذكس، فيما تُبقي الطائفة الشيعية على وزارة الخارجية (السيادية) والطائفة السنية (ميقاتي) على حقيبة المال السيادية ايضاً.
ونُقل عن مصادر ميقاتي، «أنّ موضوع حجم الحكومة حسم بحيث تمّ الاتفاق على أن تكون ثلاثينية»، لافتة الى «أنّ البحث الآن أصبح في المربع الثالث المعني بالحقائب والأسماء».
في هذه الأثناء، غادر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بيروت امس متوجهاً الى الفاتيكان لنيل درع التثبيت من البابا بنديكت السادس عشر، تاركاً وراءه غباراً كثيفاً أحدثته المعلومات عن ان البطريرك الجديد في صدد تكرار محاولة عقد لقاء مصالحة بين الاقطاب المسيحيين في معسكريْ 8 و14 آذار في بكركي للتداول بكيفية الوصول إلى مقاربة مسيحية مشتركة حيال الملفات الوطنية المطروحة، وسط معلومات عن مساع لعقد هذه «القمة» بعد عودة رأس الكنيسة المارونية من الفاتيكان، بحضور كل من رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» أمين الجميل، العماد عون، رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون وعميد «الكتلة الوطنية» كارلوس اده».

ولم تحجب هذه العناوين الأصداء التي تركها فوز قوى 8 آذار بانتخابات نقابة المهندسين في بيروت مقابل خسارتها في انتخابات الشمال.

السابق
حزب الله سيخرج خاسراً من معركة تشكيل الحكومة
التالي
السياسة: حكومة ميقاتي خلال أيام والمفاوضات تتركز على الحقائب والأسماء