عبد اللـه بن عبد العزيز: الالتزام بالنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي

أعلن العاهل السعودي، الملك عبد الله، يوم الجمعة الثامن عشر من مارس (آذار) عن مكرمة إضافية قدرت قيمتها بنحو 350 مليار ريال سعودي· وقبل نحو خمسة أسابيع، أعلن جلالته عن مكرمة قدرت قيمتها بنحو 135 مليار ريال سعودي·

وتمثل المكرمة الأخيرة (التي تجلت من خلال واحد وعشرين مرسوماً ملكياً) دعماً إضافياً كبيراً للمواطنين، لأنها تبلغ 21 في المئة، من إجمالي الناتج المحلي للمملكة في العام الماضي، أو 56 في المئة من إجمالي الإنفاق العام الحقيقي في نفس العام· وتمثل القيمة الكلية لهاتين المكرمتين السخيتين 29، 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد في العام الماضي وأكثر من نصف عائدات صادراتها النفطية في نفس العام، التي بلغت 203، 2 مليار دولار أميركي· ونحن نعتقد أن المملكة قادرة على تغطية تكاليف هاتين المكرمتين بارتياح، لأن أسعار خام غرب تكساس تجاوزت مؤخراً الـ 105 دولارات للبرميل، كما أن أسعار مزيج برنت ارتفعت في الأسبوع الحالي إلى أكثر من 113 دولاراً للبرميل· فبالتالي، يمكن استخدام عائدات النفط القوية وجزء من الأصول الخارجية للبلاد، التي تبلغ 444، 5 مليار دولار، لتغطية تكاليف الإجراءات التي نصت عليها هاتان المكرمتان الملكيتان·

وتدرك الحكومة السعودية أنه لا يمكن تنفيذ جميع هذه الإجراءات خلال سنة واحدة أو سنتين· فنظرا إلى القيمة الكلية لهاتين المكرمتين وطبيعة الإجراءات المرتبطة بهما، نتوقع أن يتم إنجاز بعضها قريبا جداً وبعضها الآخر على مدى بضع سنوات· على سبيل المثال، يحتاج بناء الوحدات السكنية التي أعلن عنها مؤخراً لبعض الوقت، لأنه يتطلب تنسيقا إضافيا بين المؤسسات الحكومية المختصة والمقاولين وشركات البناء· أما الإجراءات المتعلقة بالمكافآت المالية والزيادات الإضافية
للرواتب، فإنها ستطبق فوراً و(أو) في القريب العاجل·

علاوة على ذلك، نعتقد أن الحكومة السعودية تدرك تماما أن إنفاق مبالغ إضافية ضخمة خلال فترة زمنية وجيزة ينطوي على ضغوط تضخمية كبيرة· ولطالما ولدت زيادات الرواتب والأجور بعض
الضغوط التضخمية لأنها تؤثر في الاستهلاك بصورة مباشرة

كما نعتقد أن مجمل الضغوط التضخمية في ازدياد بسبب تضخم الأسعار العالمية للسلع، خاصة الغذائية منها، الأمر الذي سيطال الاقتصاد المحلي في وقت لاحق من العام الحالي· وستولد المكافآت المالية وزيادات الرواتب والإنفاق الإضافي على الخدمات العامة بعض الضغوط التضخمية الإضافية· وتهدف الإجراءات التي نحن بصددها إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وتعزيز حمايتهم الاجتماعية·

إذ يمثل بعض هذه الإجراءات دعما ماليا مباشراً لهم، في حين تهدف الإجراءات الأخرى، كتلك المتعلقة بالإسكان والرعاية الطبية، إلى معالجة قضايا أساسية تتعلق بالتنمية المستدامة· وترمي السياسات الاجتماعية المعلنة إلى تخفيف أعباء أسعار العقارات المرتفعة ومعالجة العيوب الهيكلية للسوق العقارية المحلية، بالإضافة إلى مساعدة الشباب السعودي في مواجهة التحدي المتمثل بارتفاع نسبة البطالة في صفوفه· ونحن نعتقد أن الاهتمام بإنعاش قطاع الإسكان جاء في الوقت المناسب والمكان المناسب· إذ تشتمل هذه المكرمة على تخصيص 250 مليار ريال سعودي لدعم الإسكان (الهيئة العامة للإسكان سابقا التي تم نقل أصولها وموظفيها إلى وزارة الإسكان بعد استحداثها بأمر ملكي يوم الجمعة الماضي)، بالإضافة إلى إصدار التعليمات لبناء نصف مليون وحدة سكنية جديدة· لكننا لم نعرف بعد من هم المستفيدون من هذه الوحدات السكنية؟ وبالطبع، يحتاج بناء نصف مليون وحدة سكنية لوقت· وفي تلك الأثناء، سيرفع صندوق التنمية العقارية (الذي تم إسناد رئاسة مجلس إدارته إلى وزير الإسكان) قيمة قروضه السكنية من 300 ألف ريال سعودي إلى 500 ألف ريال سعودي· ونحن نعتقد أن الإسكان أحد المكونات الحيوية للاقتصاد، حتى في حال عدم إنجاز نصف المليون وحدة سكنية التي أعلن عنها خلال سنة واحدة· وبفضل المكرمة الملكية التي كشف عنها في فبراير (شباط)، حصل صندوق التنمية العقارية على دعم مالي إضافي قدره أربعون مليار ريال سعودي· هذا، واشتملت المكرمة الجديدة أيضاً على منح راتب شهرين إلى جميع الموظفين المدنيين بالقطاع العام (العاملون والمتقاعدون) والطلاب (الذين يدرسون في الجامعات الحكومية الداخلية، بالإضافة إلى جزء من الطلاب الذين يدرسون في الخارج بفضل برنامج الملك عبد اللـه للابتعاث الخارجي، وعددهم أكثر من 106 آلاف طالب)، وإلى جميع عناصر القوات المسلحة (العاملون والمتقاعدون).

كما أمر العاهل السعودي بتوفير ستين ألف وظيفة أمنية جديدة في أجهزة وزارة الداخلية· وأعلن جلالته أن قيمة معونة البطالة تبلغ ألفي ريال سعودي شهريا وستمنح إلى جميع الباحثين عن عمل في القطاعين العام والخاص، على حد سواء· وسيبدأ صرف هذه المعونات في السنة الهجرية الجديدة· ونصت المكرمة الجديدة على رفع الحد الأدنى لرواتب موظفي القطاع العام من 2185 ريالا سعوديا إلى ثلاثة آلاف ريال سعودي شهريا· ويعد إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد وإخضاع جميع المشاريع العامة لرقابة هذه الهيئة خطوتين مهمتين لمكافحة الفساد داخل القطاع العام· كما اشتملت هذه المكرمة على اعتمادات إضافية لبناء المزيد من المرافق الطبية (16 مليار ريال سعودي) ومراكز لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (200 مليون ريال سعودي)، فضلا عن ترميم المساجد القديمة وبناء مساجد جديدة (500 مليون ريال سعودي)، ورفع الحد الأقصى لقروض تمويل المستشفيات الخاصة (من 50 مليون ريال سعودي إلى 200 مليون ريال سعودي)، واستحداث 500 وظيفة في وزارة التجارة، لمراقبة أسعار السلع وتشديد العقوبات المفروضة على التجار الذين يتلاعبون بالأسعار والتشهير بهم· ويبدو أن المكرمة السخية التي أعلن عنها يوم الجمعة الثامن عشر من مارس تهدف إلى تبديد مجموعة كبيرة من هواجس المواطنين السعوديين، بالإضافة إلى دعمهم جميعا، لا سيما ذوي الدخل المحدود الذين سيستفيدون بشكل كبير من الاعتمادات الإضافية التي خصصت لزيادة معونات الضمان الاجتماعي والقروض السكنية· وينبغي على الحكومة أن تستمر في بذل جهودها الموجهة التي ترمي إلى تشجيع ودعم أشد المواطنين حاجة للمساعدة·

كما ينبغي عليها أن تدخل التغييرات الهيكلية الضرورية التي تحتاج إلى تخطيط بعيد المدى· إذ لا يمكن، مثلا، حل مشكلة الإسكان خلال سنة واحدة أو سنتين، لكن الاهتمام الذي أبدته الحكومة مؤخراً في هذا المجال، يعد خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح· نحن نعتقد أنه سيعلن عن المزيد من الإجراءات الاقتصادية خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة، بالإضافة إلى الإعلان عن تغييرات وزارية
(اللواء)

السابق
قبيسي: دعا الجميع الى تحمل مسؤولياتهم والتنبه للمخاطر المحيطة بالوطن
التالي
نظرة ألمانية إلى الثورات العربية