العلمانية هي الحل

تعاني الشعوب العربية من الفُرقة والتمزق، ما بين مسلم ومسيحي، وسُني وشيعي، وسلفي ويساري، وصوفي وبهائي، وغيرهم.. وقد ثبت أن الأنظمة التي يرتبط فيها الدين بالسياسة هي أنظمة قد باءت بالفشل الذريع، ولقد دلت التجارب التاريخية على أن العلمانية هي الحل الأوحد لهذا التفكك والتشرذم، وتقدم العلمانية ورسوخها لا يتحققان إلا بالتوازي مع تقدم الإصلاح الديموقراطي، فالتطلع لفصل الدين عن الدولة أو الزماني عن الروحي، يستوجب فهم الإنسان ودوره في الحياة، وتزداد اهمية هذه الحقيقة في مجتمعاتنا، وحيث إن روح النقل والتقليد لا تزال تتغلغل عميقا في العقول، وتحتاج بداية إلى نقد وتصحيح، إذ ان النقل والتقليد الأعمى يأتيان بنتائج وخيمة، وعليه لا يمكن توقع نهوض علماني حقيقي من دون تجديد في الوعي، وبعبارة أخرى يبقى التعثر قائما أمام العلمانية، إن لم تقترن بنشاط فكري تجديدي يكرم الدين ويبعده عن دنس السياسة وآثامها، فكلما شهدت الثقافة تقدماً في تطوير الفكر الديني زاد الرهان على حصول تحولات موازية تطال الوعي العام وقواعد التفكير والسلوك، ويتبعها تقدم قيم العلمانية ومبادئها.

فالعلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، واستقلال السلطة في التشريع وإدارة الحكم عن المؤسسة الدينية، فهي أشبه بعقد قانوني بين الفئات المختلفة في المجتمع، تتفق فيه على دور شامل للدولة تستحضره حاجات الناس، وتوافقات مصالحهم وحقوقهم الديموقراطية، بعيداً عن الانقسامات الثقافية والعقائدية، ولتشق طرائق تحققها مما يتصل بالنشاط الإنساني المحسوس، وليس فقط من قيم وتصوّرات مجردة، الأمر الذي يتطلب موضوعيا نزع القداسة عنها وتشجيع ما يطرح من افكار ونماذج تحديثية لبناء مجتمع المواطنة من دون التسليم بحرفية ما قدمته التجربة الأوروبية عن الفكر العلماني، واعتبارها الوحيدة التي تملك الحلول الصحيحة في فصل الدين عن الدولة، ففي الغرب نفسه ثمة علمانية تقدمية، ومثلاً يختلف النموذج الاوروبي عن الاميركي في تحديد تمظهر العلمانية كقيمة ومحددات، وفي هوامش الحريات الشخصية المتاحة والضوابط الدستورية والقانونية، التي تحول دون هيمنة الدين وتأثير الجماعات الدينية على الحياة والدولة والخطاب السياسي.
يخطئ من يعتقد بإمكانية فص
ل العلمانية عن الديموقراطية.. بل إن العلمانية هي التي توفر المحيط المناسب للعمل الديموقراطي، فعناصر هذه التركيبة مترابطة في سياق بناء مجتمع المواطنة والدولة المدنية الحديثة، وتزيدها ارتباطا، خصوصا مجتمعاتنا العربية التي تتميز بعمق التجربة الدينية وقوة نفوذها في الوعي والشعور الجمعي، ويخطئ تاليا من تأخذه الحمية ويندفع رداً على تنامي التطرف والنزاعات الطائفية والمذهبية الى استبدال العلمانية بالدين، ويعتبرها خياراً ايديولوجيا خلاصيا، ويرفض فهمها كمبدأ مؤسس وناظم لسلوك الأفراد والجماعات في الواقع الحي، بعيداً عن التقليد الأعمى لما حصل في الغرب أو الشرق.

السابق
الراي: الاستقرار الهشّ في لبنان على محكّ الانكشاف على الكباش الإقليمي
التالي
الحجار: لم يعد مسموحاً لنظام طهران أن يتدخل في شؤوننا الداخلية