أزمة النفايات تلف الجنوب… ولا حلول قريبة

تتفاقم أزمة النفايات يوماً بعد يوم في لبنان يشكل عام، وفي بلدات وقرى مناطق صيدا وصور والنبطية بشكل خاص، ويبدو أنه لا حلول جدية تلوح في الأفق بعد. وقد أدى الاحتقان الشعبي في قرى وبلدات صيدا – الزهراني وتكدس النفايات في الشوارع والأزقة إلى تصعيد كبير أمس، تمثل بإقدام بلدية حارة صيدا، التي تعتبر طرقها المعبر الأساسي نحو عدد كبير من بلدات شرقي صيدا وجزين، إلى رمي النفايات المكدسة منذ عشرين يوماً في الشوارع لإقفالها. أما في صور، التي تشهد منذ إقفال مكب دير قانون – رأس العين أزمة كبيرة في المدينة والقرى الكبرى والمخيمات الفلسطينية، حيث لا عقارات تصلح لمكبات موقتة في انتظار تشغيل معمل الفرز في عين بعال، فبدأت تشهد تحركات احتجاجية في أكثر من قرية تطالب بحل الأزمة. فيما تتقاذف قرى منطقة النبطية المسؤولية، وتبعد كل واحدة منها نفسها عن تحمل أعباء مكب مركزي للنفايات منذ إقفال مكب كفرتبنيت الذي أقفل الشهر الماضي.

في صيدا ومحيطها (محمد صالح)، ارتفعت درجة التوتر جراء أزمة النفايات أمس، بعدما أقدمت بلدية حارة صيدا على إقفال كل الطرق المؤدية إلى البلدة، بما فيها تلك المؤدية إلى حي الصباغ، والهلالية، وعبرا، ومحلة القياعة، ومستديرة حارة صيدا – الهلالية صيدا في محلة القناية. وعملت شاحنات تابعة للبلدية، بإشراف من رئيس بلديتها سميح الزين، على نقل النفايات المكدسة منذ نحو أسبوع في أزقة البلدة ورمت بها وسط الطرق المذكورة لإقفالها.

ولقيت تلك الخطوة استنفارا من كافة الأوساط السياسية، والأمنية، والقضائية، حيث انهالت الاتصالات على الرئيس الزين، بدءا من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ونائب مدير مخابرات الجيش اللبناني العميد عباس إبراهيم، ومسؤول مخابرات الجيش في الجنوب العميد علي شحرور، والقائد الإقليمي لقوى الأمن الداخلي في الجنوب العميد منذر الأيوبي، ومن نواب منطقة صيدا. واكد الزين في مؤتمر صحافي، عقده في الشارع المقفل بالنفايات قرب القصر البلدي، على أن «بلدة حارة صيدا جزء لا يتجزا من صيدا، ومتداخلة مع المدينة من كافة الاتجاهات والنواحي وآلاف العائلات الصيداوية تقيم فيها»، آسفاً لأنهم «يفصلون بين نفايات صيدا وحارة صيدا»، مستهجناً «صمت وزير الداخلية زياد بارود حول الموضوع». وسأل الزين: «لماذا يستمر معمل فرز النفايات مقفلاً، ولا يستقبل النفايات رغم الأزمة المستفحلة؟».

كما تجمع عدد من أبناء العائلات الصيداوية في بلدة الهلالية، ونفذوا اعتصاما أمام مبنى البلدية احتجاجاً على تكديس النفايات في الشوراع، وداخل اللأحياء منذ أكثر من 20 يوما. ورفعوا لافتات تطالب رئيس البلدية سيمون مخول بالعمل على إزالتها فوراً.
ودخل بري أمس على خط معالجة الأزمة، مستقبلاً في المصيلح رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، وهي المرة الأولى التي يجتمع فيها بري مع السعودي منذ انتخابه الصيف الماضي. وشدد بري على «ضرورة السير بتشغيل معمل الفرز والمعالجة بأسرع وقت ممكن، من أجل حلّ الإشكالات المتنقلة، لأنه الحل الوحيد للازمة»، مؤكدا أن «صيدا وجوارها والجنوب، وحدة لا تتجزأ». كما عرض بري للأزمة مع القائد الإقليمي لقوى الأمن الداخلي العميد منذر الأيوبي ومحافظ الجنوب بالحلول نقولا بوضاهر.

من جهتها، أكدت النائبة بهية الحريري أن «المطلب الأساسي بالنسبة للبلديات هو مساعدة وزارتي الداخلية والبيئة في عملية التفاوض للوصول إلى حلّ في تشغيل المعمل، ضمن القوانين»، لافتة إلى أنه «ليس هناك توجه إلى معالجات آنية، بل معالجات جذرية». وكشفت الحريري عن أن بري «لعب دوراً مساعداً إلى جانب الرئيس الحريري لحلحلة مشكلة النفايات».
وعقد رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري مؤتمرا صحافياً أمس، اعتبر فيه أن «الأزمة ناجمة في الأساس عن غياب الدولة وتغاضيها عن دورها وإهمالها المنطقة لسنواتٍ طويلة»، لافتاً إلى أن «المشكلة لا يُمكن أن تُحل إلاّ بتدخل مباشر من الحكومة اللبنانية، التي بحسب القوانين، هي وحدها مسؤولة عن مشكلة معالجة النفايات الصلبة. فتحميل البلديات هذه المسؤولية دون تدخل ورعاية مباشرة من الحكومة اللبنانية ظلم للأهالي بالدرجة الأولى وإهمال للبيئة وتهرّب من المسؤولية».
تكدس النفايات في شوارع صور

تراكمت أكوام النفايات في كافة شوارع مدينة صور (حسين سعد)، بعدما تعذر إيجاد قطعة أرض موقتة لها، بديلا عن مكبّ نفايات رأس العين الذي اقفل نهائيا قبل أسبوعين. وشكلت أكوام النفايات التي فاضت عن الحاويات مرتعاً للقطط والحشرات، فيما تصاعدت الروائح الكريهة إلى منازل المواطنين والمحلات والمؤسسات السياحية القريبة من تلك المستوعبات. وبينما لا تزال الضبابية تسيطر على موعد بدء تشغيل معمل فرز النفايات في عين بعال، الذي تم تلزيمه لإحدى الشركات اللبنانية، نتيجة عدم التمكن من تأمين قطعة أرض لطمر العوادم الناجمة عن التخمير والفرز، بدأت الاحتجاجات في عدد من البلدات على مكبات النفايات العشوائية، التي استحدثتها البلديات في نطاقها العقاري بشكل اضطراري، إثر توقف مكب رأس العين عن استقبال أكثر من مئتي طن يوميا.

ويلفت رئيس بلدية صور حسن دبوق إلى أن «البلدية كانت تجمع حوالى أربعين طناً من النفايات يوميا، وقد توقفت أمس عن جمعها من الحاويات المنتشرة في المدينة، ما تسبب بتكدس أكوام النفايات على جانبي الشوارع»، مشيراً إلى أن «البلدية لجأت عند إقفال مكب رأس العين، قبل أكثر من أسبوعين، إلى رمي النفايات في قطعة أرض خاصة على مقربة من المدينة، إلا أن صاحبها منعنا من الاستمرار في رمي النفايات»، كما أن تلك «التي جمعت أمس الأول لا تزال في الشاحنات التابعة للبلدية». ونفى دبوق وجود أي عقار مناسب لرمي النفايات بشكل موقت في صور، مؤكدا أن «بقاء النفايات في الشوارع سيشكل كارثة صحية، وبيئية، واقتصادية في المدينة».
وفي بلدة القليلة التي تجمع فيها عدد من الأشخاص المحتجين عند الطريق المؤدي إلى مكب النفايات الذي استحدثته البلدية، أكد أحد المشاركين الدكتور ناصر أبو خليل أن «البلدية ترمي النفايات على مقربة من المنازل السكنية ومنابع المياه الجوفية في منطقة عمران»، متسائلا عن مصير «معمل الفرز في عين بعال الذي كلف إنشاؤه ملايين الدولارات».

وأوضح عضو بلدية القليلة المهندس حسن أبو خليل أن «البلدية اتخذت خيار إنشاء مكبّ موقت في البلدة نتيجة إقفال مكب رأس العين»، لافتاً إلى «استحداث حفرة لطمر النفايات بعيداً عن المنازل السكنية قدر الإمكان».
النبطية في انتظار
إنشاء معمل للفرز
تتهدد منطقة النبطية (عدنان طباجة) أزمة نفايات حادة خلال الأيام المقبلة، في حال عدم توصل «اتحاد بلديات الشقيف» والشركة المتعهدة جمع ونقل نفايات الاتحاد، إلى تأمين مكبّ رئيسي يكون بديلاً عن مكبّ نفايات كفرتبنيت الذي تم إقفاله أواخر الشهر الفائت، ريثما يتم إنشاء معــمل الفرز المزمع إنشاؤه في وادي الكفور، والمنــتظر الانتهاء منه بعد سنة.

وباتت مكبات النفايات العشوائية الصغيرة تنتشر في عدد من قرى وبلدات الاتحاد ملوثة محيطها بالروائح الكريهة ودخان الحرائق المنبعثة منها في مختلف الاتجاهات، بينما تتهرب البلديات المنضوية تحت الاتحاد من تحمل مسؤولية وجود مكب لنفايات الاتحاد في احد خراجاتها بحجة آثاره السلبية على الصحة والبيئة، وإذا وجد مثل ذلك المكب تقوم التحركات والاحتجاجات الشعبية ضد وجوده، ما يحول دون اعتماده، كما هو حاصل الآن بالنسبة للمكبّ المقترح في بلدة زوطر الغربية. فوجود ذلك المكبّ على الحدود العقارية لبلدة ميفدون، أثار جدلاً واسعاً بين أعضاء المجلس البلدي في ميفدون. وانقسم المجلس بين موالين ومعارضين حول المكبّ.
ورأى رئيس بلدية ميفدون الدكتور وفيق جابر أن المجلس البلدي «لم يتوصل إلى أي نتيجة بشأن المكبّ، ولا بد من أخذ موافقته في حال اعتماده، والالتزام بكافة المعايير والقوانين الصحية والبيئية من طمر ومراقبة وعدم إشعال الحرائق من قبل الشركة المتعهدة جمع ونقل نفايات الاتحاد». ويؤكد رئيس بلدية زوطر الغربية حسن عز الدين «موافقة المجلس البلدي في زوطر على اعتماد الأرض المذكورة مكباً لنفايات الاتحاد»، مشيراً إلى أن «مساحتها تبلغ 44 دونماً من الأراضي الصخرية، وهي تبعد عن المناطق السكنية في بلدتي ميفدون وزوطر الغربية أكثر من كيلومتر».

ويعتبر أن «موافقة البلدية على وجود مكب لنفايات الاتحاد في خراجها، جاءت مساهمة منها لحل أزمة النفايات المتنقلة في المنطقة والتخلص من المكبات العشوائية التي باتت تلوث العديد من القرى والبلدات»، موضحاً أن «البلدية لم توافق على الأمر إلا بعد تعهد الشركة المتعهدة بطمر النفايات في حفر كبيرة وإهالة التراب عليها وحدلها، وتأمين حارس وعدم إشعال النيران وفرز المواد العضوية عن المواد الصلبة»، لافتاً إلى أن «العقد الموقع مع الشركة هو لسنة واحدة فقط، وبعد الانتهاء منها سيعاد تشجير المنطقة وإعادتها إلى ما كانت عليه في السابق».

ويعارض عضو المجلس البلدي في ميفدون محمد عبد الله توبي وجود مكب للنفايات على حدود البلدة، «لأن نفايات المنطقة كبيرة جداً ولا يمكن تحملها. وسينتج عنها تلوث بيئي خطير سيؤثر سلباً على صحة المواطنين، لا سيما في حال عدم التزام الشركة بالمواصفات القانونية والحضارية لنقل ورمي النفايات في المكب وطريقة معالجتها». وحذر مصدر في «اتحاد بلديات الشقيف» من أنه «في حال لم يتم الاتفاق على اعتماد مكبّ لنفايات الاتحاد في خراج إحدى البلديات المنضوية فيه، فإن على كل بلدية أن تتحمل مسؤولية جمع ونقل نفاياتها والتصرف بها، وإلا فإن المنطقة ستشهد أزمة نفايات حادة لها أول وليس لها آخر خلال الفترة المقبلة».
وأوضحت بلدية الشرقية، في بيان حول مشكلة النفايات في المنطقة والتحرك الذي قامت به رفضا لمشروع معمل معالجة النفايات عند حدود البلدة.
أن «التحرك لم يكن نابعاً إلا من الحرص على أرواح أبنائنا وأطفالنا الذين من حقهم العيش في بيئة نظيفة». ورفض البيان تحميل البلدية «مسؤولية مشكلة النفايات في المنطقة لأنها معضلة مزمنة»، مؤكداً أن «تحــرك الأهالي جــاء بناء على نية الشركة المتعهدة البدء بتنفيذ المشــروع، بــعد توقف استمـــر منذ عهد اتحاد البلديات السابق إثر تحرك مماثل لهم في حينها».

السابق
إسقاط النظام: إجتماع اليوم ومسيرة غداً
التالي
إسقاط النظام: بلبلة