عودة دمشق المرجعية أبرز خسائر 14 آذار

يتضح يوما بعد يوم في مسار تأليف الحكومة العتيدة حجم الخسارة الجسيمة التي منيت بها قوى 14 آذار ليس على مستوى خروجها من السلطة فحسب بل في اعادة عقارب الساعة الى الوراء مع مؤشرين اساسيين: احدهما معلن وواضح ويكمن في الزيارات المتكررة والمتلاحقة لمندوبين عن القوى السياسية من قوى 8 آذار لدمشق في ذروة مأزق التوافق على تقسيم الحصص من ضمن الصف او الفريق الواحد على رغم انشغال سوريا مبدئيا بشؤونها الداخلية بعد موجة الاضطرابات الشعبية التي طالبت بتصحيح النظام. فمسألة الحصص والاسماء لم تعد تحل عبر التواصل الهاتفي بل وجاهيا في رسالة سورية واضحة لها ابعادها عن مدى امساكها بالقرار اللبناني في حين يعجز حلفاؤها عن الاتفاق من دون ان تشكل هي الجامع المشترك الاساسي بينهم. والمؤشر الآخر يفيد وفق المعلومات نفسها بلوائح او قوائم بالحقائب الوزارية والتوزيع الذي ينصح السوريون باعتماده وبالاسماء ايضا عبر الضباط المولجين التعاطي مع "ملف" لبنان مجددا الى حد التساؤل بجدية عمن يؤلف الحكومة، هل هو الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ام هي قوى 8 آذار أم هي سوريا وحدها؟ وذلك مع تخليها في الاسابيع الاخيرة عن حساباتها الشكلية بالابتعاد عن الواجهة في تأليف الحكومة على ما حصل في الاسابيع الاولى لتكليف الرئيس ميقاتي والانتقال الى التعاطي المباشر علناً وصراحة تحت عنوان عريض هو تسليم حلفائها في لبنان بعد ما يزيد عن شهرين بعجزهم عن تأليف الحكومة وطلب مساعدتها.

لكن ثمة جانبا آخر للخسارة الجسيمة في عودة سوريا مرجعية للقرار اللبناني في الشؤون الداخلية بما فيها اسماء الوزراء وكل التفاصيل الاخرى على نحو يضعف عمليا شأن "ثورة الارز" التي اخرجت القوات السورية من لبنان، ولم يبق سوى هذا الانجاز اليتيم. علما ان كثرا يقولون ان هذا كان الانجاز الوحيد باعتبار ان سوريا لم تخرج فعلا من لبنان ولا هي تركت القرار اللبناني حراً بل جيّرته الى "حزب الله" الذي كان آخر انجازاته تطيير حكومة الرئيس سعد الحريري واستبعاد الاخير عن رئاسة الحكومة. وهذا الجانب من الخسارة يتمثل في معرفة قوى 14 آذار بهذا الواقع وادراكه جيدا مع اعتمادها خيار عدم اللجوء الى "التشهير" به كما من قبل لأسباب واعتبارات متعددة قد لا تكون محلية فقط، مما سيجعلها تفقد لاحقا ورقة مهمة قبيل الانتخابات النيابية المقبلة التي لا تخفي قوى 8 آذار سعيها عبر التعيينات الضخمة التي ستحصل بعد تأليف الحكومة الى محاولة ضمان كل فرص الحصول على اكثرية نيابية مقررة وحاسمة في ايصال الرئيس المقبل للجمهورية على نحو يكرس انهاء اي مفاعيل لانتفاضة الاستقلال الثانية والتي كان احد نتائجها ايصال الرئيس سليمان الى رئاسة الجمهورية.

وتقر مصادر في قوى 8 آذار بهذا الواقع ولو مخففا من حيث التعبير بعض الشيء. الا ان مصادر ديبلوماسية تقول ان ما حصل في سوريا في الاسابيع الاخيرة من احتجاجات عزز في الواقع ورقة دمشق بـ"شرعنة" تدخلها اكثر. اذ ان ما أثير عن تدخلات لبنانيين في ما شهدته المناطق السورية كان بمثابة ذريعة من أجل التدخل مباشرة وضمان "حديقتها الخلفية" التي يشكلها لبنان لها وامساك الامور على نحو مباشر من اجل حماية امنها، فيما كرر بعض السياسيين اللبنانيين اخيرا مقولة ان امن سوريا من امن لبنان وبالعكس، بحيث يبرر ذلك تدخلها، كما يضع حدا لاي رهان او تطلع الى سقوط النظام السوري نتيجة الاحتجاجات الشعبية. أضف الى ذلك ان خطف الاستونيين السبعة حصل في منطقة البقاع ومن حيث التوقيت ايضا في حمأة ما تواجهه سوريا ليعزز مخاوفها ويبرر اي خطوات لها بالسعي الى امساك ملف لبنان من اجل المساهمة في وضع حد لمثل هذه العمليات التي يخشاها الغرب الى حد بعيد اي خطف الاجانب مجددا.

ومن المفارقات الساخرة انه في الوقت الذي تتهم فيه قوى 14 آذار بالرهان على سقوط النظام السوري في ضوء الاحتجاجات الشعبية في سوريا في اطار انهيار الانظمة العربية، فان احد ابرز مؤشرات الدعم للنظام السوري عبرت عنه الولايات المتحدة الاميركية التي تتهمها قوى 8 آذار برعاية خصومها في لبنان. اذ ان واشنطن قدمت وعلى لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون "شهادة" بالرئيس السوري الاصلاحي كما قالت متبنية انطباعات لزوار اميركيين لسوريا بحيث لم تسمح لمعارضيه في الداخل بأن يحلموا بالحصول على اي دعم اميركي ضد النظام، وساهمت في اخماد طموحاتهم في مهدها. ومع ان المصالح الاميركية هي التي تملي وحدها المواقف في السياسة الخارجية الاميركية، فان هذا "الدعم" الاميركي الذي تتحدث عنه مصادر 8 آذار في معرض تأكيد قوة النظام السوري ومحوريته في المنطقة وعدم القدرة على الاستغناء عنه في اي ظرف حتى لو توافرت الفرصة لذلك وان تكن الاعتبارات تتصل بأمن اسرائيل والعراق واعتبارات اخرى، هو سبب آخر سيساعد في ابعاد قوى 14 آذار أكثر عن فريق الرابحين السياسيين في المدى المنظور كما تقول هذه المصادر.

السابق
الثورات العربية في عصر العولمة والإنترنت
التالي
جنبلاط: من الافضل الابتعاد عن الصراعات الاقليمية قدر الامكان