الراي: الحريري: لا نرضى أن نكون محمية إيرانية في لبنان ولا الكويت ولا البحرين

بدت بيروت وكأنها تهم بالخروج من «الاستكانة» التي فرضها الانتظار الثقيل لما يجري في المنطقة من تحولات تاريخية عاصفة. فارتدادات «انتفاضة المساجين» تحوّلت ما يشبه «الكر والفر» في الشارع عبر تحركات لذويهم، لا يمكن نزع «الطابع السياسي» عنها.
وكلام «السقف العالي» لرئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري في مواجهة «حزب الله» وايران، شكل علامة فارقة في حدّته وتوقيته. والمساعي لتشكيل الرئيس نجيب ميقاتي حكومته دخلت مرحلة جديدة مع الايحاء بأن سورية اعطت «الضوء الأخضر» لحلفائها بضرورة انجاز هذا الملف.
فغداة نجاح السلطات الامنية في معاودة السيطرة على السجن المركزي في رومية وانهاء تمرد المساجين، استمرت تحركات شبه منظمة لذويهم في العاصمة بيروت ومناطق اخرى، ابرزها كان امس، نقل مظاهر الاحتجاج الى امام قصر العدل في بيروت، وسط افراط في أعمال الشغب التي تتعاطى معها الاجهزة الامنية بـ «دراية» لافتة، تجنباً لأيّ صدام من النوع الذي يصار الى توظيفه في الصراع السياسي، وسط انطباع عام بوجود «قطبة مخفية» خلف الحركة الاحتجاجية للمساجين وذويهم تتصل بـ «تحريك الأرض» وبتصفية حسابات في لحظة البحث عن حكومة جديدة.
ولم يحجب استمرار تداعيات هذا الملف الاهتمام بالمواقف الحادة، وربما غير المسبوقة التي اطلقها الحريري وعلى مدى يومين في اطار معركته المفتوحة ضد سلاح «حزب الله» وضد ما وصفه بـ «مشروع تحويل لبنان محمية ايرانية»، الامر الذي استوقف الدوائر المراقبة في بيروت، خصوصاً وان الحريري العائد من جولة خارجية شملت الرياض والدوحة وأنقرة، بدا جازماً بعدم رغبته في العودة الى رئاسة الحكومة في المرحلة الراهنة.
علماً انه أطلق هذه المواقف عشية توجهه الى القاهرة غداً في اول زيارة يقوم بها لمصر منذ سقوط الرئيس حسني مبارك، على ان يلتقي رئيس الوزراء المصري عصام شرف وعددا من كبار المسؤولين ويبحث معهم في آخر المستجدات الاقليمية والدولية والعلاقات بين البلدين.

واختار الحريري مناسبة انعقاد اعمال الدورة السادسة للملتقى السعودي ـ اللبناني، في فندق «الفور سيزنز» في بيروت ليدين في شدّة «مظاهر الاستثمار في الغرائز الطائفية والمذهبية التي تريد أن تتخذ من لبنان أو البحرين أو الخليج ساحة لبسط النفوذ السياسي والأمني، مؤكدا انه «لا يحق لأي كان، تصدير الفوضى الى لبنان».

وقال: «نحن في لبنان، لا نرضى أن نكون محمية ايرانية، بمثل لا نرضى لاِخواننا، في البحرين أو الكويت أو أي دولة أن يكونوا محمية ايرانية».
ونبّه الى ان «لبنان والعديد من الدول العربية، في الخليج وغير الخليج، تعاني سياسياً، واقتصادياً وأمنياً، من التدخل الايراني السافر في الداخل العربي».
وأضاف: «أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات العربية، وبينها لبنان يتمثل في الخروق الايرانية المتمادية للنسيج الاجتماعي للمنطقة العربية. والحقيقة أن الدول العربية عملت على مدى سنين طويلة، في سبيل استيعاب الفعل الايراني الأمني والسياسي والمالي المتنامي في الساحات العربية، بالكثير من الحكمة والمسؤولية، ويبدو مع الأسف الشديد أن القيادة الايرانية ترجمت هذا الأداء العربي المسؤول والدعوات المتتالية للانفتاح، بأنه من علامات الضعف والاستسلام فقررت الذهاب الى أبعد مدى، في خرق المجتمعات العربية واحدةً تلو الأخرى، فكان ما كان في لبنان، ثم البحرين ثم غيرها. ونقول بكل صدق ومسؤولية ان هذه السياسة الايرانية لم تعد مقبولة، وان الخطف المتدرج للمجتمعات العربية، تحت أي شعار أمر لن يكون في مصلحة ايران ولا في مصلحة العلاقات العربية ـ الايرانية».

واذ اكد ان السعودية هي «أكبر وأول المستثمرين في الاستقرار في لبنان»، لاحظ في المقابل، «ان هناك جهات ودولاً وقوى اقليمية، تعمل على الاستثمار في الفوضى، وتلجأ الى تصدير مختلف وسائل الاِضطِراب السياسي والأَهلي والأمني».
وكان الحريري وجّه خلال رعايته ليل اول من امس العشاء السنوي لقطاع المهندسين في «تيار المستقبل» بحضور رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع ومرشح قوى 14 آذار لمنصب نقيب المهندسين عماد واكيم سلسلة رسائل حازمة برسم الداخل، رد فيها على «استغلال البعض» لزياراته العربية والدولية في سبيل «اشاعة أجواء حول عودة محتملة» له أو لقوى 14 آذار الى الحكومة، فأكد أنّ «هذا الأمر غير وارد على الاطلاق».
وأضاف: «برنامجنا السياسي لهذه المرحلة ليس العودة الى الحكومة، بل عودة الدولة الى لبنان، بعودة حصرية السلاح الى الدولة، بانهاء وصاية السلاح غير الشرعي ومن ضمنه سلاح «حزب الله»، على الحياة السياسية الوطنية».
واذ شدد على أنّ «انتشار السلاح في أيدي اللبنانيين واستقواء بعض اللبنانيين على اخوانهم بالسلاح هو العنوان القاتل للاستقرار الوطني»، أكد أنّ «جرثومة الانقسام هي السلاح غير الشرعي، وجرثومة الفوضى هي السلاح الموجود في أيدي الأفراد والمجموعات والبؤر التي لا سلطة للدولة فيها أو عليها، وجرثومة الخراب هي السلاح»، مؤكداً ان هذا الأمر «لا يتعلق بالمقاومة التي هي عنوان وطني وحق لجميع اللبنانيين من دون استثناء لكن ضمن الدولة وتحت رايتها وامرتها، لأن الدولة ترعى مصالح الجميع وتنهي استخدام عنوان المقاومة ذريعةً للاعتداء على الدستور وتهديد اللبنانيين في أمنهم واستقرارهم واقتصادهم، وتعطيل الديمقراطية اللبنانية».
كما أطلق موقفيْن بالغي الدلالة رد فيهما بشكل غير مباشر على رئيس البرلمان نبيه بري الذي دافع عن سياسة وزير الخارجية علي الشامي حيال ملف ساحل العاج ومشاركة سفير لبنان في حفل تنصيب الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو، كما على مواقف الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله من ملف البحرين ودعم المعارضة فيه.

وتطرق الحريري الى الجهود التي يبذلها مع «الأصدقاء في العالم لانقاذ أهلنا في ساحل العاج من تبعات القرارات السياسية الخرقاء التي اتُخذت خارج ارادة الدولة»، كما أكد في السياق عينه العمل مع «الأشقاء في الخليج عموماً وفي البحرين خصوصاً لازالة تداعيات الاصطفاف غير المسؤول وغير المبرر والذي لا علاقة له بالوطنية اللبنانية أو القومية العربية، انما هو انتساب للمشروع الايراني».

في هذا الوقت، اوحت المعطيات المتوافرة عن المشاورات السياسية الجارية لتأليف الحكومة الجديدة ان ثمة اندفاعاً جديداً في المساعي قد يكون الاكثر جدية واثارة للآمال في امكان بلوغ هذا المسعى نهاياته الايجابية، لكن من دون ان تكون حتى الساعة اي قدرة على حسم الموعد المبدئي لولادة الحكومة. ذلك ان الاوساط المعنية بهذه المشاورات بدت في اليومين الاخيرين كأنها استعادت زمام المبادرة السياسية في عمل منسق بين رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي وممثلي ثلاثة اطراف اساسيين في الاكثرية الجديدة هم «أمل» و«حزب الله» والحزب التقدمي الاشتراكي للانكباب على معالجة «أم العقد» التي تعترض تأليف الحكومة والمتمثلة بمطالب زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون.
وقد بدأ العمل فعلاً على محاولة تذليل هذه العقدة وسط ملامح معقولة تجسدت في «هدنة» اعلامية حيّد عبرها العماد عون موضوع تأليف الحكومة عن مؤتمره الصحافي الاخير كما حيّد حملاته المنهجية على الرئيس ميشال سليمان عن هذا المؤتمر.
ومع ذلك فان الاوساط نفسها تعتقد انه لا يزال مبكراً التكهن بما ستؤول اليه المحاولة الجديدة مع ان مختلف الظروف تمنح الجهات المعنية بها فرصة للنجاح. وتشير الى ان «حزب الله» انخرط بقوة مع ممثلي «أمل» والاشتراكي في الاجتماعات المتعاقبة مع ممثل عون الوزير جبران باسيل من منطلق شعور الحزب بأنه حان الاوان لبت الاستحقاق الحكومي والتدخل بفعالية بين ميقاتي وعون لايجاد حل يرضي الطرفين ويخرج معه كل منهما بمظهر الكاسب سياسياً ايضاً. ذلك انه في رأي الاوساط ان لحزب الله مصلحة في تقوية الموقع السني للرئيس ميقاتي في مواجهة الرئيس سعد الحريري. كما ان للحزب مصلحة مماثلة في خروج عون بحصة قوية في الحكومة لتقوية موقعه داخل الصف المسيحي في مواجهة خصومه في 14 آذار.
ووسط استعادة المشهد السياسي «صخبه»، بقيت تفاعلات قضية سجن رومية المركزي في ضوء الحسم الذي نفّذته القوى الامنية والذي أنهت معه عملية التمرد التي استمرت نحو اربعة ايام وكادت ان تتطور الى ما لا يحمد عقباه لو تُرك الامر لساعات قليلة اضافية، وسط تقارير اشارت الى ان الاجهزة الامنية تلقت في التوقيت المناسب معلومات عن «نيات تخريبية» في السجن كان من شأن حصولها ان يترك تداعيات على السلم الاهلي خارج السجن، ولا سيما في ظل مؤشرات الى سيناريو كان يُعدّ لتنفيذ ما يشبه «التصفيات» او المواجهات على قاعدة مذهبية.

وفيما تواصلت المواقف التي تحدثت عن طابع «منظّم» ولأهداف سياسية (تتصل بملف الحكومة) وراء خروج «جمر» الوضع في سجن رومية الى «فوق الرماد» وتمدُّد «ناره» الى مناطق عدة على شكل احتجاجات «ممنهجة» لاهالي السجناء، كررت القوى الامنية امس «ان الاحداث في رومية ادت الى وقوع 14 اصابة طفيفة في صفوف النزلاء و5 اصابات بين رجال قوى الامن، وسقوط ضحية واحدة روي عازار الذي انفجرت به قنبلة صوتية حاول قذفها على القوى الامنية، فيما توفي السجين جميل ابو عني جراء ازمة قلبية حادة بعد انتهاء عملية الدهم».
في هذه الأثناء، واصل اهالي السجناء تحركهم الاحتجاجي المطالب باقرار قانون عفو عام والذي انتقل امس من امام سجن رومية الى مقر قصر العدل في بيروت من دون ان يتبدّل مشهد «حرب الحجارة» من جانب واحد التي يعتمدونها مع القوى الامنية والاجهزة الرسمية. علماً ان مشهد قطع الطرق في عدد من المناطق ولا سيما البقاع لم يتوقّف.

وامام مبنى قصر العدل تظاهر الأهالي، وغالبيتهم من النساء، للمطالبة ايضاً بالاطمئنان على صحة اقاربهم في السجن ومواجهتهم بعد تسرب معلومات عن عدد كبير من الجرحى في السجن. وقد زارت لجنة من المتظاهرين على رأسهم السفير علي الخليل المدير العام وزارة العدل عمر الناطور ودعته الى نقل مطالب الاهالي الى وزير العدل ابراهيم نجار وانشاء لجنة تقصي حقائق داخل السجن من الاهالي والاعلاميين اليوم.
ووعد الناطور بنقل مطالبهم الى الوزير نجار، لكن المعتصمين لم يوافقوا على الامر، فنزلوا الى الشارع امام مدخل قصر العدل وقاموا باشعال الاطارات ورشقوا المبنى بالحجارة ما أدى الى تحطيم الواجهة الزجاجية في مكتب المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش وتناثر الزجاج على الكرسي الذي كان قد غادره في تلك اللحظة ونجا بأعجوبة.

وبدأ المتظاهرون بمناداة المسؤولين القضائيين بأسمائهم للنزول الى الشارع لمواجهتهم وذلك وسط انتشار امني كثيف. كما سكبت احدى النسوة المازوت على نفسها وحاولت اضرام النار في جسدها، الا ان احد رجال الامن تدخل ومنعها من القيام بذلك.
وفي اول موقف لـ «حزب الله» من ملف أحداث سجن رومية، اكد النائب حسين الموسوي «أن ما قامت به الأجهزة العسكرية والأمنية من استخدام للقوة لحسم تمرد السجناء غير كاف، ما لم يبادر المعنيون الى معالجة الأوضاع القانونية والانسانية والمعيشية للمحكومين وغير المحكومين»، داعيا الى «القيام باصلاحات جريئة تعيد تنظيم أمور المحاكمات والسجون والسجناء».
وقال: «بدل أن تكون السجون عندنا مراكز تأهيل واصلاح صارت مراكز لسحق انسانية الانسان بحبوب الهلوسة والهيرويين والكوكايين، وبدل أن يخرج السجناء صالحين من أجل الاندماج في مجتمعاتهم، يخرجون مجرمين بفعل سياسة الفساد والافساد المستشرية في السجون والاهمال الرسمي لمطالب السجناء القديمة الجديدة».

وختم: «لا بد من تنفيذ اصلاحات تنتشل من في السجون اللبنانية، وبخاصة في رومية، من الواقع المرير الذي يعيشونه»، لافتا الى «ضرورة ايلاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحق ببناء سجون جديدة وتأهيل الحالية، واصلاح المحكومين وغير المحكومين ومعاملتهم كبشر والمحافظة على انسانيتهم، حتى لا يخرجوا الى الحرية أكثر اجراما وادمانا».

السابق
الحرب على إيران
التالي
السياسة: “لبنان لن يكون محمية إيرانية”