من يحّمي اللبنانيّين في ساحل العاج؟

بثّ إعلان الأمم المتحدة، أول من أمس، استسلام الرئيس لوران غباغبو الروح في نفوس اللبنانيين، وخاصة أولئك المحاصرين بين طرفي النزاع، وذويهم الذين يعتصمون ضد إهمال الدولة اللبنانية لهم، إلا أن كوة الأمل تبددت بسبب رفض غباغبو تسليم السلطة، وانتشار أعمال التخريب والنهب.

حين بدأ المخاض يشتد على إيمان جعفر، في منطقة بلاتو المحاصرة، لم يكن أمام زوجها أحمد أبو خليل إلا أن يدخل في مغامرة غير محسوبة النتائج، بسبب اضطراره إلى الخروج إلى الشارع أولاً، وهو أمر في غاية الخطورة هذه الأيام، وكذلك عبور جسر بلاتو الذي يتعرض لإطلاق نار دائم، وعليه أصيب قبل أيام اللبنانيان محمد بسمة ومصطفى حيدر.

وفي حين تمت عملية الولادة القيصرية في مستشفى افيسين في ماركوري بنجاح ورزق الزوجان توأمين، صبياً وبنتاً، فإن محمد بسمة ما زال يرقد في المستشفى عينه جرّاء معاناته من نزف في الرأس، بحسب ما أفاد قريبه فؤاد بياض «الأخبار»، مؤكداً أن المستشفى يعاني من نقص حاد في كل المستلزمات، حتى إنه لا تتوافر مادة الأوكسيجين ولا طبيب بنج، والكهرباء والمياه تنقطعان باستمرار، مشيراً إلى أنه استُعين بالقوات الفرنسية التي وعدت بنقل أطباء ومستلزمات عبر مروحية عسكرية. وقد علمت «الأخبار» أن عدد الجرحى ارتفع أمس، كذلك توفي المواطن اللبناني رائف برجي (50 عاماً) من بلدة الرمادية قضاء صور. وسرت أنباء عن مقتله في منطقة بلاتو، حيث كان محاصراً، ولكن تردد أنه قضى نتيجة أزمة قلبية، إذ تواصل جيران له عاجيون مع بعض اللبنانيين لنقل جثته، وإلا اضطروا إلى حرقها خوفاً من تحللها! كذلك تحدث البعض عن فقدان الاتصال مع أحد اللبنانيين. وفي هذا الإطار، فإن المقيمين في منطقة تريشفيل ناشدوا «من يستطيع» إجلاءهم من المنطقة بسبب انتشار الروائح الكريهة جرّاء ارتفاع عدد القتلى في الشوارع المحيطة. وأعلن إمام الجالية الشيخ عبد المنعم قبيسي أن فاعليات الجالية هناك تبذل ما في وسعها للاهتمام باللبنانيين، «إلا أن الوصول إلى بعض المناطق في دي بلاتو وتريشفيل وكوماسي وغيرها أصبح مستحيلاً، ومع هذا فإن شباناً تطوعوا، واضعين دماءهم على أكفهم حتى يوصلوا ما تيسّر من مواد غذائية وأدوية إلى من يحتاج إليها»، إضافة إلى التعاون مع أجهزة الصليب الأحمر الذي أصبحت حركته محدودة بسبب غياب الضمانات الميدانية لتحرك سياراته. ويلفت قبيسي إلى أن الجلاء عن البلد سيظل خيار كثيرين، «حتى لو هدأت الأمور نتيجة حسم عسكري، بعد الأهوال التي تعرضوا لها في الأيام الأخيرة». ورأى أن ما تضطلع به لجنة فاعليات الجالية «هو دور دولة بكل إمكانياتها، إذ نعمل على توفير الدواء والغذاء والمياه، وحتى الحماية الذاتية». وأشار إلى بروز أزمة كهرباء ومياه وانقطاع مياه الشرب، ولجوء الكثيرين إلى تخزين مياه المكيّفات لسد النقص الحاصل فيها.

ويصف سمير عيسى ليلة أول من أمس بأنها الأقسى على اللبنانيين منذ اندلاع الأزمة، ويردف: «لا أستطيع أن أصف لك الحالة التي أصابت الناس من الذعر والخوف، وخصوصاً بعد إعلان فشل المفاوضات بين طرفي النزاع. فما جرى البارحة من سرقات يعادل ما سُرقَ خلال كلّ الأزمة». ويؤكد أن «هناك المئات من الشركات والمعامل والمؤسسات والمحال التجاريّة التي لم يستطع أصحابها الاطمئنان على ما حلّ بها. وقد نهبت معامل كبرى في منطقة اليوبوغون، كمعمل الحليب».
ووصفت منى زعرور الوضع في الكوكودي بالمريع جداً، وقالت لـ«الأخبار»: «أنا عايشة على دوا الأعصاب، وولادي عم يموتوا رعب كل دقيقة». وتحدثت عن قصف يطال الشوارع المحيطة بمنزلها، حيث تتساقط الشظايا ويتكسر الزجاج. وأكدت أنها تواصلت مع جهات عدة، لكونها تحمل الجنسية البريطانية، إلا أنه لم يتجاوب معها أحد بسبب خطورة المنطقة.

وأوقفت القوات الفرنسية إجلاء الرعايا الفرنسيين وغيرهم، بسبب عدم القدرة على استيعاب المزيد منهم في القاعدة 43 التابعة لها قرب مطار أبيدجان. وكان محمد خليل، الموجود هناك منذ يوم الخميس الماضي حين تحدث إلى «الأخبار»، يستعد لمغادرة القاعدة عبر طائرة عسكرية فرنسية تتّسع لـ87 راكباً، موزعين على كل الجنسيات، بعد أن سبقته عائلته أمس في الطائرة الآتية من مطار أكرا في غانا، حيث يتولى مندوب من شركة طيران الشرق الأوسط تنظيم الرحلات إلى بيروت على نفقة الحكومة اللبنانية، بحسب ما أكد خليل، وكان على متنها 126 لبنانياً.

وجزم خليل بأن الفرنسيين ساووا اللبنانيين في القاعدة بأنفسهم، مؤكداً أنه يقف في الصف منتظراً دوره للصعود إلى الطائرة، متقدماً بذلك على رعايا فرنسيين. وروى كيف أجلتهم القوات الفرنسية بعد أن تدخلت في الحي الذي يقيمون فيه، لأنه أصبح غير آمن، فيما لم تلبّ نداء لبنانيّ يعرفه خليل يحمل الجنسية الفرنسية، «لأن مكانه أكثر أمناً، وطلبوا منه عدم مغادرة المنزل». وهنا يرى قبيسي أن «الحماية الحقيقية يجب أن تكون في المناطق غير الآمنة، حيث في إمكان القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة أن تمنع المسلحين واللصوص من السطو والاعتداء على المنازل والمؤسسات، فيما تعمد إلى التدخل في أماكن أقل خطورة تجنباً لتعرّضها للهجوم». وأفاد رئيس الجالية نجيب زهر «الأخبار» بأن السارقين يستعينون بشاحنات كبيرة لإفراغ الشركات والمحال من محتوياتها. ويشكو الكثير من اللبنانيين من أن هذه الأعمال ترتكب تحت مرأى القوات الفرنسية التي لم تحرك ساكناً لصدّ المسلحين واللصوص، في ظل الحديث عن خلع أنصار الرئيس غباغبو ثيابهم العسكرية وانضمامهم إلى عصابات النهب والسرقة. ولذا فإن الجالية اللبنانية عمدت من خلال بعض المتموّلين إلى استئجار حرس خاص لتأمين الحماية ما أمكن. كذلك أشار زهر إلى أن اللجنة التي تألّفت من فاعليات الجالية تعمل جاهدة لإيصال المساعدات إلى اللبنانيين المحاصرين، وهي تنجح في أماكن وتخفق في أخرى، بسبب فقدان السلطة التي من الممكن التنسيق معها على الأرض.

——————————————————————————–

السابق
دراسة شاهد… وغوث إنساني لواقع المخيمات
التالي
الغرب: النفط أفضل من الديمقراطية!