دعوة مؤتمـر الحـد مـن مخاطر المخدرات: لاستبدال قوى الأمن في السجون بالمتخصصين

لا تبدو مشاكل السجون في لبنان، وتحديداً في سجن رومية، عصية على الحل بالنسبة إلى المدير الإداري للمؤتمر الدولي الثاني والعشرين للحدّ من مخاطر المخدرات بادي كوستال. فقد عمل لسنوات طويلة في السجون البريطانية التي تضم أكبر عدد من النزلاء بين سجون أوروبا الغربية، ونشط في مجال معالجة الإدمان على المخدرات فيها. يقول كوستال لـ«السفير»، إنه «منذ الالتفات إلى الشرق الأوسط للاطلاع على أوضاعه في ما يتعلق بالحد من مخاطر المخدرات، وأنا أراقب حال السجون، لا سيما في لبنان، ومن البديهي القول ان المشكلة الأساسية التي تعاني منها هي الإهمال المستشري، الذي يُترجم بعدم وجود ميزانيات كافية لتستثمر في المباني والبرامج التأهيلية النفسية والعملانية وعدم الالتفات إلى تدريب الكوادر البشرية العاملة في السجون». ويؤكد كوستال أن «البداية تكون بتغيير السلطات الناظمة لعمل وإدارة السجون، وإدخال المجتمع المدني بشكل أكثر فاعلية، بالإضافة إلى ضرورة نقل مسائل الاهتمام بالمساجين لناشطين ومتخصصين في السياسات العقابية، ويبقى لقوى الأمن مسؤوليات ضبط الأمن فقط لا غير».

هنا، يعود كوستال ليلفت إلى أن «الاستثمار في السجون وتخصيص ميزانيات لإداراتها لا يعني إنفاق مليارات الدولارات بشكل عشوائي، أو تخصيص الجزء الأكبر منها على المباني والتجهيزات الأمنية وما عداه، بل يجب الاعتناء بتأهيل السجين بالدرجة الأولى»، ما لم يتم تطبيقه بشكل كامل في السجون البريطانية التي تضم نحو مئة ألف نزيل، بحيث تم صرف أموال طائلة على الأمن تحديدا وعلى القوى العاملة في السجون، وتم إهمال تطوير القوانين وسياسات معالجة الجريمة في مجتمعاتها، والسياسات الجنائية والعقابية البديلة التي يمكن أن تتابع حالة كل سجين بعد انقضاء محكوميته وإعادة دمجه في المجتمع، وبرامج لتجنب تزايد نسبة المصابين بالأمراض العقلية ونسب الانتحار العالية بين السجناء». ويقول كوستال إن «النتيجة الأولى لكل هذا في بريطانيا هي وصول كلفة السجين السنوية إلى 50 ألف دولار، وهو رقم خيالي يتعدى كلفة السنة الدراسية في أهم الجامعات البريطانية».

ويعود كوستال ليروي أزمة السجون في بريطانيا في بداية التسعينيات، «عندما شهدت أكبر تمرد في عشرين سجنا، واستمرت الاحتجاجات لمدة 25 يوما، وكانت الأحداث هناك تبث عبر الكاميرات الموزعة في كل الأبنية، في ما بدا كأنه برنامج واقع عبر التلفزيون. وإثر هذه الأحداث، وضعت سلسلة من المقترحات لحل أزمة السجون، بينها أوقات الزيارات العائلية وعيادات طبية وبرامج صحية، ونشاطات للنزلاء، وضرورة منح كل سجين غرفته الخاصة ليتمتع بحيز منفصل عن الآخرين ويقلل من الاشتباكات بين السجناء والخلافات حول المساحات لكل منهم». ويشير كوستال إلى أنه «بعد سنوات طويلة من محاولة الأخذ بهذه المقترحات، اكتشفنا أنه ما زال هناك الكثير لننجزه وربما التغيير الأهم الذي سُجل هو مضاعفة أعداد السجناء. وفي حين كانت تصل إلى 43 ألف نزيل، وصل العدد بحسب تقرير نُشر السنة الماضية إلى 85 ألف سجين في بريطانيا، وقد يصل العدد إلى مئة ألف إذا ما أضيف لها إيرلندا الشمالية وباقي جزر المملكة المتحدة. وهو بطبيعة الحال تغيير سلبي».

القوانين تزيد الإدمان في لبنان
وكان المؤتمر قد تابع جلساته وأعماله لليوم الثالث على التوالي، كان أبرزها النقاش حول «قوانين تجريم متعاطي المخدرات وتأثيرها على الشابات تحديداً». وقدمت منسقة «الشبكة العالمية للشباب» شانتال كلاس، دراسة أعدتها الشبكة حول الموضوع، واعتبرت فيها أن «القوانين المفروضة في لبنان والتي تجرم تعاطي المخدرات، بغض النظر عن ظروف المتعاطي، تدفع إلى زيادة الإدمان بدلاً من خفض نسبه». ما تؤكده شهادة إحدى المدمنات التي لفتت إلى أنها عندما ضبطت بجرم تعاطي المخدرات، كانت في بداية تعاطيها، ولم تصبح في مرحلة متقدمة من الإدمان إلا بعد دخولها السجن، حيث تعرفت إلى أنواع مختلفة من المخدرات: «والآن، بت أفكر في أنه لو لم تتم معاقبتي بالسجن وزجيّ بين مقترفات جنحات أكبر من استخدام المخدرات وبين مدمنات في مراحل مختلفة، ما كنت وصلت إلى هنا».

وفي الإطار ذاته، يمكن التطرق إلى التجربة البرتغالية التي عمل الباحث جو غولاو طوال عشرة سنوات على تطويرها وتطبيق سياسيات بديلة لمعالجة أزمة المخدرات. ولفت غولاو إلى أن «التجربة أثبتت أنه بعد سنوات من توقيف تجريم المدنين وعدم زجهم في السجون، واعتماد سياسيات علاجية بدلا من العقاب، انخفضت نسبة التعاطي ثلاثين في المئة من النسبة العامة للمدمنين.. ما شكل إثباتا حقيقا وتجربة حية عن ضرورة التعامل مع مستخدم المخدرات كمريض ومدمن لا مجرم».
وكانت النشاطات على هامش المؤتمر شهدت توقيع وثيقة الشراكة للإطار الاستراتيجي لبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالايدز والمنظمات القائمة على الدين والعقيدة، بحضور نائب رئيس «المفوضية العالمية للايدز» شيرين الفاكي، والأب فادي العيّا من جمعية «عدل ورحمة»، ومدير المعهد الشرعي الإسلامي في بيروت.

80% من سجناء روسيا بتهم المخدرات
توسعت المواضيع التي تعالج موضوع المؤتمر لتطال كل المخاطر حول المخدرات، بحيث عرضت فاطمة أسواب من وزارة الصحية المغربية، لكيفية «الوقاية من فيروس نقص المناعة البشريّة والحدّ من النتائج الصحيّة السلبيّة على مستخدمي المخدرات في السجون المغربيّة»، لافتة إلى أن «النسبة المتزايدة لانتشار استخدام المخدرات عن طريق الحقن بلغت في السّجون المغربيّة ما يقارب ستة في المئة، واستجابة لذلك، أطلقت إدارة السّجون، بالتعاون مع وزارة الصحّة المغربيّة وبدعم من مكتب الأمم المتّحدة المعنيّ بالمخدّرات والجريمة والمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا UNODC- ROMENA حملة تدخّل شاملة في السجون تُنفّذ بالتعاون مع عدد من المنظّمات غير الحكوميّة الخبيرة في مجال العمل مع مستخدمي المخدرات». واستُهلّت حملة التدخّل عبر تنفيذ برنامج شامل للحدّ من المخاطر يتضمّن تأمين الرعاية الصحيّة الأساسيّة ومواد تعقيم الحقن إضافة إلى استراتيجيات التّواصل لتغيير السّلوك.

ومن جهة ثانية قدمت مديرة جمعية «أندري ريكوف»، آنيا سارانغ، عرض لنتائج بحث نوعيّ في مدينة روسيّة حول كون السجون مصدر لمرض السلّ، مشيرة إلى أن «روسيا تحتل المرتبة الثانية بين بلدان العالم من حيث معدّلات السَّجن المسجّلة فيها. وتشير بعض التقديرات إلى إدانة نحو 80% من المسجونين بجرائم مرتبطة بالمخدرات. وفيما ينتشر استخدام المخدرات في السجون، تغيب أيّة تدابير وقاية من فيروس نقص المناعة البشريّة. وبالإضافة إلى ما سبق، تواجه روسيا مشكلة متفاقمة مع انتشار مرض السلّ، وهي واحدة من البلدان الثلاثة الّتي سجّلت أعلى نسب إصابة بمرض السلّ المقاوم للأدوية المتعدّدة، علمًا بأنّ السلّ هو السبب الرئيسيّ للوفيات المسجّلة بين الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية».

السابق
الغرب: النفط أفضل من الديمقراطية!
التالي
في اليوم العالمي للصحّة: الجراثيم تقاوم الأدوية… فلنجابهها!