نوايا أوباما

إن أهداف حملة أوباما العسكرية ضد ليبيا واضحة جداً، على الرغم من أنه واجه صعوبة كبيرة في محاولة تفسيرها. فهذه ليست حرباً، على حد تصريح "جي كارني"، الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، إنها عمل عسكري محدود جداً من ناحية طبيعته ومداه الزمني. فيما التزم مستشار الأمن القومي بن رودز القول: إن ما نحاوله هو تنفيذ قرار الأمم المتحدة المقيد بأهداف في غاية الوضوح، تتلخص في حماية المدنيين الليبيين، وتفادي حدوث كارثة إنسانية، وإنشاء منطقة حظر جوي. ومن البديهي أن تتطلب هذه الأهداف عملاً عسكرياً، ولكن دون أن يعني ذلك التحول إلى حرب مفتوحة، أو إلى غزو عسكري لليبيا".

هل في هذا التفسير ما يكفي لمعرفة النوايا الحقيقية لواشنطن إزاء ليبيا؟
في الحقيقة إن التفسير الذي قدمه "رودز" يبدو واضحاً أكثر مما ينبغي، وهنا تكمن المعضلة، ذلك أن استراتيجية الإدارة تبدو واضحة جداً، ولكن ذلك على المدى القريب فحسب، ويقتصر وضوحها على الأيام وليست الأسابيع، التي سمحت فيها الإدارة بتوجيه ضربات جوية بقيادة أمريكا لقوات الجيش الليبي، ومنعها من استعادة السيطرة على المدن التي سيطر عليها المتمردون.
ويبقى هذا مجرد هدف تكتيكي مباشر قصير المدى. لكن ماذا بعد ذلك؟ هنا يأتي الجانب غير الواضح من الاستراتيجية، وقد كان بعض مسؤولي الإدارة أكثر صراحة في الاعتراف بالشكوك المحيطة بالمصير الذي تنتهي إليه هذه العملية العسكرية. ذلك ما أكده الأدميرال "مايكل جي. مولين"، رئيس الأركان المشتركة في تصريح له بهذا المعنى، فهناك هدف بعيد المدى للرئيس أوباما في ليبيا من دون شك. فهو يريد رؤية انهيار نظام النظام الليبي واستبداله بنظام حكم ديمقراطي، كما يدّعي، لكنه لم يستقر على استراتيجية توصله إلى ذلك الهدف بعد.

وقد أمل بعض مسؤولي الإدارة في أن تساعد الضربات الجوية على تسريع انهيار النظام الليبي، وخاصةً تسريع انقلاب بعض ضباط جيشه عليه. ويأمل هؤلاء المسؤولون في أن يؤدي هذا المزيج من تطبيق منطقة الحظر الجوي والعقوبات الاقتصادية والتمرد المدني على العقيد القذافي في شرق ليبيا إلى تقويض نظامه بمرور الوقت.

من جهة أخرى يقول بعض مستشاري الإدارة: إنه يجب أن يسقط النظام الليبي دون تدخل عسكري من قبل الولايات المتحدة. وفي هذا فإن الجانب الأكثر وضوحاً من قبل هؤلاء بشأن مالا يريدون القيام به هناك وهو شن غزو عسكري على ليبيا.
ولعل جزءاً من الغموض الذي يدمغ رسالة إدارة أوباما هذه بشأن طبيعة مهمتها العسكرية في ليبيا، يكمن في الخداع الدبلوماسي الذي انطوى عليه قرار مجلس الأمن الذي سمح بتوجيه الضربات الجوية هناك، فقرار المجلس وافق على استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين وليس لمساعدة المتمردين على الإطاحة بالنظام الليبي غير أن الولايات المتحدة وحلفاءها فسروا قرار المجلس بما يكفي من السعة لتخويلهم بتوجيه ضربات إلى مقر القيادة المركزية لقوات القذافي تحت مظلة "حماية المدنيين".
واعترضت روسيا _العضو الدائم في مجلس الأمن_على خطة القصف الجوي وفرض منطقة الحظر الجوي على ليبيا. وهذا ما يفسر المعاناة الكبيرة التي واجهها المتحدثون باسم البيت الأبيض في شرح نوايا الإدارة وأهدافها إزاء ليبيا، خاصة في تفسير الجانب القانوني من التدخل العسكري الأمريكي هناك. وكما قال الكاتب الإنكليزي العظيم جورج أورويل في مقاله "السياسة واللغة الانكليزية" الذي نشره في عام 1946: "مع توسع الفجوة بين نوايا المرء الحقيقية والمعلنة، ازداد ميله لاستخدام العبارات الطويلة المعقدة والملتوية".

بيد أن المعضلة تذهب أبعد كثيراً من العلاقات العامة أو حتى الدبلوماسية، فبانضمام قواته إلى كل من القوات البريطانية والفرنسية في توجيه ضربات جوية ضد القوات الليبية، يكون أوباما قد أدخل بلاده عملياً في حرب محدودة النطاق كما يفترض، بيد أنه كثيراً ما تحول هذا النوع من الحروب المحدودة إلى صداع نصفي مزمن، لأنها تستغرق وقتاً أطول مما هو متوقع، ودائماً ما تكون لها تداعيات وعواقب غير منظورة. وفيما لو عجزت الحروب المحدودة هذه عن تحقيق أهدافها التي شنت من أجلها، فإن في ذلك ما يغري صناع السياسات والقرارات على تصعيد العمل العسكري ليمضي إلى حدود تتجاوز أهدافه ونواياه الأصلية بكثير.

وربما يكون التحدي الأكبر الذي تواجهه عملية أوباما العسكرية الجارية في ليبيا الآن، تحقيق النجاح المطلوب في توفير الحماية اللازمة للمدنيين، فلو نجحت عمليات القصف الجوي في إرغام كتائب القذافي على الانسحاب ووقف هجماتها العسكرية على المدنيين، لكان الأمر جيداً، لكنها أخفقت حتى الآن، كما أخفقت في الإطاحة بنظامه وهذا يعني دخول الولايات المتحدة وحلفائها طرفاً في قلب حرب أهلية ليبية.
ولنذكر بهذه المناسبة أن آخر منطقة حظر جوي كنا قد أقمناها في منطقة الشرق الأوسط، كانت قد بدأت بالطريقة ذاتها. ذلك أنها حققت نجاحاً في إرغام قوات صدام على الانسحاب الفوري من الكويت، بموجب قرار دولي صادر عن الأمم المتحدة، لم ينص على الإطاحة بنظام صدام، وقد استمرت منطقة الحظر الجوي هذه 12 عاماً، لتنتهي بتدخل عسكري بري كما نعلم في صيف عام 2003.

وعلى الرغم من حذر أوباما وتردده إزاء استراتيجية التدخل العسكري في شؤون الدول الأجنبية، فهناك نمط تسير عليه سياسات واشنطن الخارجية بكل الأحوال. والآن وإذا ما استمر تشبث النظام الليبي بالسلطة، فهل يصر أوباما على رحيله عن السلطة لنصل إلى عراق جديد؟!!.
ترجمة: سامر الخيّر))

السابق
شباب منزعجون من طمس العدالة
التالي
الوطن: لبنان: شغب السجون والحكومة