الندم الاسرائيلي

تقع مقاعد وفد اسرائيل في الامم المتحدة في مقدمة قاعة الجمعية العامة، قريبا جدا من منصة الخطباء ومقعد الامين العام. هذا مكان مثالي في ظاهر الامر بل فخم. الحديث في واقع الامر عن مكان مضايق لا مريح. إن اعضاء الوفد، في وضع اسرائيل الحالي، كانوا يفضلون الجلوس في الخلف كي يروا ما يحدث أمامهم. احيانا يترك ناس الوفود الاخرى قاعة الجمعية العامة واحدا بعد الآخر عندما يصعد مندوب اسرائيلي الى المنصة، أو احتجاجا على كلام يُقال لمصلحة اسرائيل. يجد ناس الوفد أنفسهم وحدهم في القاعة الضخمة وهم لا يعلمون حتى بذلك.

صعبة حياة دبلوماسي اسرائيلي في نيويورك، ولا سيما في هذه الايام. الشعور هو شعور بالعجز. قبل بضعة اسابيع عُرض في قاعة الجمعية العامة فيلم "ميرل" وهو عرض ساخن معادٍ لاسرائيل جديد يحتل امريكا. جاء الى العرض الاول ايضا أفضل مشاهير نيويورك وعلى رأسهم الممثل روبرت دنيرو، ليروا كيف تنكل اسرائيل بالفلسطينيين. لم يأت ناس الوفد الاسرائيلي الى العرض لكن بعضا منهم تسللوا الى القاعة وغضوا رؤوسهم الى الارض غضبا وحرجا.
في ايلول القريب ستعلن الجمعية العامة أن فلسطين دولة مستقلة. إن احتمال منع 192 دولة عضوا في الامم المتحدة التأييد الكاسح للفكرة يشبه احتمال منع الساسة من رحلات الى الخارج. يدرك الجميع انه لا يمكن فعل الكثير. يأمل ناس الوفد ألا يختار الفلسطينيون أنفسهم هذا الطريق الأحادي الجانب الذي قد يُسبب لاسرائيل ضررا كبيرا. وهم يتمسكون ايضا باجراء في الامم المتحدة يُصعب على الفلسطينيين الحصول على مكانة دولة، لكن هذا الاعلان لن يُغير الرسالة الدولية والشرعية الرسمية للدولة الجديدة.

على خلفية هذه الامور خاصة قد يكون معنى لمقالة الندم التي نشرها القاضي ريتشارد غولدستون في صحيفة "واشنطن بوست". سبب تقرير غولدستون بعد عملية "الرصاص المصبوب" ضررا عظيما آخر لاسرائيل، وجرّ الرد المتسلسل على الدولة والاستمرار في تصويرها بصورة الشيطان. ان قرار بنيامين نتنياهو على استعمال مقالة غولدستون صحيح، لكن من يعرف الواقع الدبلوماسي المعوج يدرك ان قوة دعاية اسرائيل محدودة جدا ولا سيما في الامم المتحدة وهي الساحة الرئيسة التي يعمل فيها غولدستون.
لا يجوز إضاعة هذه اللحظة ايضا. يمكن فقط الندم على فرص أضعناها في الماضي. تبرهن مقالة الندم على أنه لو تعاونت اسرائيل مع غولدستون في البداية فلربما مُنع الضرر الدولي الضخم الذي جلبناه على أنفسنا. لم يُجبر أحد غولدستون على كتابة تقرير أحادي الجانب موجه علينا كما لم يُجبره أحد على كتابة مقالة ندم. اليكم جوهر النشاط الاسرائيلي: ذات مرة ركلنا لجنة التحقيق التابعة للامم المتحدة وبعد ذلك شتمنا غولدستون واليوم ندعوه إلينا باحترام كبير. لماذا لم نقفز مباشرة الى المرحلة الثالثة؟.

كذلك الهجمات على منظمات حقوق الانسان لا داعي لها. إن حركة "اذا شئتم" التي سمعنا وقرأنا عن تمويلها، تنفق عشرات آلاف الشواقل على اعلانات تهاجم نعومي حزان وصندوق اسرائيل الجديد بعد نشر مقالة الندم. يتبين اليوم خاصة ان منظمات حقوق الانسان كانت على حق عندما دعت الى التعاون مع غولدستون والى عرض الصورة كلها عليه. عرضت هذه الحركات كل ما تعرف لكن كان يجب على الجيش ان يجلب الى غولدستون الصورة الحقيقية. هكذا تعمل الديمقراطية، بشفافية كاملة ومن غير الانعكاس المشروط للمطاردة.

يتبين ان الطريق الأفضل هو ان يُجرى دائما تحقيق استقصائي محترم من قبلنا كما حدث بعد حرب لبنان الاولى والثانية، وأن نصد بذلك التدخل الدولي. واذا كنا اخطأنا واستقر الرأي على لجنة خارجية فيجب المثول أمامها ولا سيما اذا لم يكن عندنا ما نُخفيه. وقد برهن غولدستون على انه لا يوجد عندنا ما نُخفيه.

السابق
عبود: مسألة العقد في تأليف الحكومة بسيطة
التالي
هل اوباما يؤيد المبادرة الاوروبية