اللندنيّه أسماء الأسد: زوجها “سجين أبيه”

عندما عاد بشّار الأسد إلى قصر الرئاسة في دمشق بالجميلة البريطانية – السورية أسماء، انتعش الأمل في أن الزوجين الشابين سيخرجان بسورية من نفق القمع المظلم الذي أدخلها فيه والده الراحل.
ولكن بعد عقد في السلطة، صار الربيبان البريطانيان، المدللان لدى توني بلير، واللذان حلا في وقت ما ضيفين على الملكة في قصر باكينغهام، أزمة دبلوماسية عربية أخرى تضاف الى قائمة طويلة في برلمان ويستمنستر، وفقًا لصحيفة «تايمز» البريطانية.
وفي خضم التصدي الدامي للمظاهرات السورية التي تطالب بالانعتاق عن أسرة الأسد الحاكمة وتوريث السلطة وكأن البلاد مملكة وبنيل الحريات الإنسانية الأساسية، يخرج عدد مجلة «فوغ» الجديد مزيّناً بصور «اللندنية» أسماء وحديثها عن محاسن «التمكين في المجتمع المتمدن» في سوريا.
والواقع أن بريطانيا حاولت التأثير على نظام الأسد الجديد بعد أشهر قليلة على زواج بشار وأسماء. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2001 صار توني بلير أول رئيس وزراء بريطاني يزور دمشق. وفي العام التالي صار بشار، الذي درس طب العيون في لندن أيضًا، أول رئيس سوري يحلّ وزوجته ضيفين على الملكة في قصر باكينغهام، ثم يزوران الأمير تشارلز في قصر سنت جيمس. وكانت لندن هي المنطلق إلى تغيير صورة سوريا القديمة، التي تظهرها دولة منبوذة وراعية الإرهاب الدولي.

وفي العام الماضي، أسس الدكتور فواز الأخرس (64 عامًا)، اختصاصي القلب ووالد أسماء الأسد، الجمعية الخيرية البريطانية «مؤسسة التراث السوري» لترقية حلم ابنته، وهو الحفاظ على الكنز التاريخي السوري للأجيال المقبلة. وتترأس أسماء هذه الجمعية، التي يضم مجلس أمنائها الملياردير السوري – السعودي وفيق سعيد واللورد باول أوف بيزووتر، الذي كان مستشارًا في السياسة الخارجية لكل من مارغريت ثاتشر وجون ميجر.

أسماء نفسها مولودة في لندن، وهي البنت البكر للدكتور الأخرس وزوجته سهر الدبلوماسية في السفارة السورية. ومازالت الأسرة تعيش في منزلها في حي آكتون في غرب لندن، حيث ترعرعت أسماء. وكانت تسمّي نفسها «إيما» أيام دراستها في «تشيرتش أوف إنغلاند هاي سكول» وكلية «كوينز» لاحقًا.

وبعد نيلها الشهادة الجامعية في علوم الكمبيوتر من «كينغز كوليدج» اللندنية، التحقت بمصرف «دويتشه بنك» أولاً، ثم انتقلت منه إلى مصرف «جيه بي مورغان»، وعملت في فروعه في نيويورك وباريس ولندن. وكانت قد التقت ببشار للمرة الأولى في طفولتها خلال زيارة لها إلى دمشق، لكنها تعرفت إليه بشكل أفضل لاحقًا عندما كان يدرس طب العيون في العاصمة البريطانية.

مع وفاة باسل الأسد، شقيق بشار الأكبر في حادث مروري في العام 1994، عاد هذا الأخير يستعد لوراثة والده بدلاً من أخيه الراحل، وهو ما صار له بعد وفاة والده في يونيو/حزيران من عام 2000. لكن دكتاتورية الأسد الأب لم تصل إلى نهايتها كما ساد الأمل وقتها بتولّي الأسد الابن زمام الحكم.

ومع أن السوريين غفروا لبشار افتقاره الخبرة السياسية والمحسوبية التي كانت واضحة للعيان، فقد تأكد إصراره على المضي على خطى والده، وقع الحافر على الحافر، مع أول استفتاء على شعبيته أعلن المحيطون به أنه بلغ 97 % كما هو الحال في كل الأنظمة الدكتاتورية. وقد وعد الرئيس الجديد بالكثير العديد الذي لم يتحقق منه شيء: الإصلاح السياسي، وتحرير الاقتصاد، والحريات العامة والإعلامية، وعلاقات مسالمة مع الغرب، وإنهاء قمع الحزب الواحد «البعث».

وفي مطلع العام الجديد 2001، عندما عقد بشار – العلوي – قرانه على امرأة – سنّية – ولدت ونشأت وتعلمت في بريطانيا، تفاءل الغرب (والشرق) خيرًا بأن الشابين، اللذين يدل زوجهما على التسامح الديني على الأقل، سيأتيان إلى سوريا بنظام رحيم يصبح قدوة تحتذى في المنطقة، على أن هذا لم يكن.

وبمجرد أن صارت أسماء سيدة سوريا الأولى، قذفت بنفسها إلى الساحة الدولية، فسافرت عبر العالم لترقية حقوق المرأة وحقها في التعليم.. هذا إضافة إلى مهام الأمومة الواقعة عليها لكونها والدة ثلاثة أطفال. وفي إطار نشاطاتها الدولية استضافت نجمي هوليوود براد بت وشريكته إنجلينا جولي – سفيرة النوايا الطيبة من الأمم المتحدة – في دمشق في العام 2009، وفي ديسمبر/ كانون الأول حلّت ضيفة على مأدبة كارلا بروني عقيلة الرئيس الفرنسي.

وقد كان زوجها الرئيس يفاخر بأن ما حدث في تونس ومصر لا ينطبق على بلاده المستقرة، وأنه سيأتي بالإصلاح. لكنه يشهد الآن ربيع العرب يعمّ البلاد، ويشهد أبناءها يثورون عليه، فيتصدى هو لهم على طريقة القذافي مع الثائرين عليه. وللأسف فقد اتيحت لبشار على مدى عشرة أعوام فرصة هائلة لتفادي هذا الوضع، لكنه غضّ بصره بالكامل عنها. وربما كان في حديث ملك الأردن لصحيفة «تايمز» أفضل وصف لحال بشار الأسد وهو أنه «سجين في سجن أبيه».

السابق
«حبل السرّة» يربط نفايات الجنوب
التالي
كهرباء لبنان: عزل محطة صيدا الرئيسية يومي الجمعة والسبت