الحكومة مؤجلة: هل يعود الحريري؟

لم يعد خافيا أنّ تشكيل الحكومة اللبنانية هو رهن الحسابات الاقليمية التي تشغل بال القيادة السورية. فمنذ ثورة الياسمين في تونس، وما بثته من روح الاصلاح والثورة في المنطقة العربية، بدأت دمشق تتحسّب من آثار هذه الثورات على الخريطة الاقليمية من جهة، ومن جهة أخرى تأثيراتها على المجتمع السوري الذي تلقف هذه الروح ضدّ نظام الحزب الواحد وسلطات القمع والفساد التي اقر النظام بوجودها، واعلن مجددا عن رغبته في اصلاحها.
مرد الارباك لدى القيادة السورية ظهر في التعامل مع مطالب المحتجين، وحاول رمي المسؤولية على ما سمّاه "مؤامرة خارجية"، وفي الوقت نفسه أقرّ بصحة المطالب الاصلاحية في الشارع. كما لم تستطع القيادة السورية ان تتهم دولة عربية او غربية في تنظيم ما جرى، قبدت كأنّها تتهم من لا تعرف أن تسمّيه، أو شبحا مجهولا.
لكن ما هو سبب عدم تسمية النظام السوري "الخارج المتآمر"؟
فإلى جانب أنّ الاحتجاجات تستند الى مطالب حقيقية وغير مفتعلة، إقتنعت القيادة السورية بأنّ الخارج العربي والغربي، وحتى اسرائيل، لا مصلحة له، ولأسباب مختلفة، أن تدخل سورية في مرحلة الثورة على النظام. نظام ما يزال يؤمّن الحدّ المطلوب من الاستقرار الاقليمي، وشروط التعاون الامني اميركيا، شروط الاستقرار في الجولان اسرائيليا. اما على صعيد الدول العربية المهددة بالثورات، في الخليج او الاردن، فهي تدرك ان اي تغيير ثوري في سورية سيعطي دفعا لثورات كامنة في هذه الدول نفسها.
امام هذه المعطيات، يمكن فهم الاسباب التي تجعل دمشق غير متحمسة لدعم حكومة يقودها حزب الله او فريقها في لبنان. وقد لا يكون مفاجئا ان تذهب في اتجاه احياء السين – السين بلبنان، خصوصا ان ما تواجهه دمشق داخليا لا يحميه هذه المرة التحالف مع ايران، لان التحدي امام القيادة السورية اليوم يختلف عما كان عليه الحال في السنوات السابقة: إنّه تحدّ داخلي اساسه يقوم على مواجهة معادلة "أقلية تحكم وأكثرية مهمشة". ويتداخل في هذه الثنائية البعد المذهبي وسواه من شبكة مصالح كبرى تتحكم بها حاشية النظام ومراكز القوى فيه. من هنا يمكن فهم المداراة السورية للنظام السعودي، وعدم اعتراضها على سماح تركيا لقادة تنظيم الاخوان المسلمين ان يصدروا مواقفهم من اراضيها.
وإزاء استمرار حال الاحتجاج والمخاوف لدى النظام من تطورها وانتشارها، يمكن ترقّب أن تبادر القيادة السورية الى اتخاذ مزيد من الخطوات الدفاعية التي تفرض عليها إعادة ترتيب علاقاتها الاقليمية على قاعدة توطيد علاقاتها مع المحيط العربي السني، خصوصا السعودية، وعدم التفريط بالعلاقة مع تركيا. وهذا ما تعتقد دمشق انه قد يلبي مطلبا اميركيا مزمنا، هدفه نقل سورية من تحت المظلة الايرانية. وترقب هذا المسار وتوقعه قد يفسر عدم حماسة واشنطن، حتى الآن، للتغيير في سورية، وعدم التعامل مع وجوه المعارضة السورية.
وسط هذا المشهد السوري وتداعياته على تشكيل الحكومة في لبنان تظهر هشاشة المعادلة السياسية في لبنان، التي تثبت يوميا ان الداخل اللبناني هو رهن اشارة الخارج وحساباته، ومهما علا الصراخ الداخلي عن الحصص، لم يستطع ان يغطي على هذه الحقيقة.
فحزب الله، الذي خاض معركة اسقاط الحكومة باعتزاز وفخر، يبدو اليوم عاجزا عن ايجاد البديل، وهو عجز ترافق مع ارباك مبدئي في التعامل مع الثورات العربية. تعامل بدأ بتأويل هذه الثورات على انها ثورات على انظمة التبعية للغرب واسرائيل، فجاء المشهد السوري ليربك خطاب حزب الله، ليبدو عاجزا عن مجاراة احتجاجات شعبية تعلن بوضوح انها تريد ان تتخلص من انظمة قمعية همشت شعوبها.
وكشفت الإحتجاجات السورية أنّ حزب الله ليس له مكان في هذه الثورات، وهي مكانة تخلى حزب الله عن ادّعائها، تخلّ يرتقي الى مستوى التخلي عن المبادىء، ولكنه، أيضا وفي الوقت نفسه، تخلّ يمكن فهمه باستشعار الحزب مخاطر مصيرية على وجوده، تحتمها نتائج سياسة "ربط مصالح الطائفة الشيعية بالكامل بالنظام السوري". إرتباط دفع الرئيس نبيه بري الى وصف خطاب الرئيس السوري بشار الاسد الاخير بأنّه "حركة تصحيحية ثانية":. وارتباط يمنع حزب الله من أن يشكّل حكومة، رغم ما قدمه من خدمات لا تحصى لسورية الاسد. ما يعني أنّ الحكومة مؤجلة إلى أجل غير مسمّى، ربما إلى حين سيحزن من فرحوا لاسقاط حكومة الحريري.

السابق
لبنانيون عادوا اليوم من ارض الفوضى الى وطن المجهول
التالي
علايلي يلقّن ناكوزي درساً!