الحكومة على خط الزلازل العربية والدولية

التأخير الحاصل في تأليف الحكومة العتيدة، ليس الأول في تاريخ لبنان، ولن يكون الأخير. وغالبا ما كانت أسباب هذا التأخير خارجية اكثر منها داخلية، لأن لبنان، منذ نشأته، واقع بجغرافيته السياسية على خط الزلازل العربية والدولية، فضلا عن وقوعه على خط الزلازل والهزّات الأرضية الطبيعية. لذا، لا داعي إلى إعمال التفكير والتحليل كثيرا في أمر تأخر الولادة الحكومية راهنا، "لأن هذا الطين من ذاك العجين"، وما على اللبنانيين إلا الاستعانة بالصبر لأنه "مفتاح الفرج"، وإن كان لهذا الصبر حدود.

وإذا كان الأطراف السياسيون في الأكثرية الجديدة، كما في المعارضة، يبنون على تأليف الحكومة آمالا للوصول إلى أهداف سياسية يريدونها، فإنّ هؤلاء الأطراف أنفسهم يبنون في الوقت نفسه، على تأخر هذا التأليف، آمالا أيضا للوصول إلى أهداف سياسية أيضا، بمعنى أنّ الجميع يريدون الاستفادة من الوضع الحكومي في حالتي التأليف أو استمرار الفراغ في السلطة التنفيذية. وتبعا للتطورات في هذا المضمار، يتم تقديم أهداف على أُخرى.

فقوى 14 آذار، أو المعارضة الجديدة، ترى أنّ من مصلحتها بقاء الأكثرية الجديدة في حال تخبّط بما يحول دون تأليف حكومة تحكُم البلاد من خلالها، وذلك اعتقادا منها أن استمرار مثل هذا الوضع من شأنه أن يُسقط الأكثرية سياسيا، وخصوصا إذا جاءت حصيلة التطورات الإقليمية المتلاحقة في هذه المرحلة في غير مصلحتها، وأدّت إلى تغيير جديد في الواقع السياسي يمكن أن يعيد الأقلية الحالية أكثرية، أو قد يعيد الجميع إلى طاولة حوار في رعاية خارجية ما، عربية أو غير عربية، لإنتاج سلطة يشارك فيها الجميع. وفي أحسن الحالات، فإن قوى 14 آذار لا يضيرها أن يشكل الرئيس نجيب ميقاتي حكومة تكنوقراط، طالما أن مثل هذا الخيار، إذا نجح، لا يمكّن الأكثرية من الإمساك بزمام السلطة كلها، فتكون هذه الحكومة ذات صفة انتقالية إلى مرحلة جديدة تكون المتغيّرات العربية فيها بلغت خواتيمها، واتضح معها مسار مستقبل الأوضاع في المنطقة.

أما قوى الأكثرية الجديدة التي اعتبرت أنها حققت إنجازا سياسيا استراتيجيا بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، فإنها ترغب بشدة في استثمار هذا الإنجاز بحكومة تمسك من خلالها بالسلطة، لتبدأ بتنفيذ برنامجها السياسي. ولكنّ حسابات حقلها، عندما كلّفت ميقاتي تأليف هذه الحكومة، لم تنطبق بعد على حسابات بيدرها، لأن الزرع لم ينتج بعد الحكومة التي تريد، والبيدر لم يستقبل أي غلة بعد… على رغم دخول التكليف أسبوعه العاشر على التوالي.

أسباب تأخر الولادة الحكومية كثيرة، الخارجية منها باتت معروفة، وكذلك الداخلية، إذ إن العُقَد التي تعوقها تكاد تتكاثر، وإن كان بعضها يبدو وكأنه مفتعل للتغطية على المعوقات الخارجية، أو لتغطية رغبة المعنيين في التأليف، أو بعضهم، في انتظار جلاء الصورة الإقليمية والدولية في ضوء ما ستؤول إليه الثورات العربية الجارية.

وفي ظل هذا الوضع فإنّ ميقاتي يستفيد من كل يوم ينقضي ولا تولد فيه حكومته العتيدة، إذ إنه يعاند ويواجه الشروط والضغوط، اعتقادا منه أن هذا العناد يقوّيه في بيئته، ويمكّنه من التأكيد للقاصي والداني داخل تلك البيئة وخارجها، أنه ليس "بارافانا" للأكثرية الجديدة ولكل من أيد تسميته لرئاسة الحكومة، وإنما هو كيان سياسي مستقل له حيثيته، وأنه يريد أن يتفاهم مع هذه الأكثرية تماما كما تفاهم الحريري معها سابقا عندما كانت معارضة لدى تأليف حكومته، فذلك التفاهم الذي كان حلالا للحريري يومذاك، لماذا يكون حراما عليه اليوم؟

ويكشف معنيون بالتأليف بهذا الصدد أن ميقاتي طلب من الأكثرية إمهاله شهرا ونصف الشهر ليؤلف حكومة ترضي الجميع، بعد أن تكون انجلت الصورة أكثر خارجيا وداخليا. ويرى هؤلاء أن على الطرف السياسي الذي يستعجل التأليف أن يقدّم تنازلات تسهله، أما الطرف غير المستعجل فعليه أن ينتظر. فرئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون ينتمي إلى فريق المستعجلين، ويتمسّك بمطالبه غير مستعد للتنازل، فيما حزب الله وحركة "أمل" وبقية حلفائهما يحبّذان "التطرية" والمرونة بهذا الصدد، مستندين إلى مناخ سوري يؤيّد هذا المنحى. وفي ضوء ذلك، تبدو الصورة في أوساط المعنيين بالتأليف الحكومي كالآتي:

– ميقاتي يجهد لتحقيق استقلاليته السياسية عن الأكثرية الجديدة، وتأكيد حيثيته وكيانيته المستقلة داخل طائفته خصوصا، وعلى المستوى الوطني عموما.

– عون يجهد لتحقيق استقلاليته عن حلفائه عبر العمل لتحقيق أوسع تمثيل له في الحكومة يعزز موقعه في مواجهة خصومه على الصعيد المسيحي خصوصا، كذلك يعزّز دوره على المستوى الوطني عموما.

وانطلاقا مما تقدّم، يرى مراقبون أن عون يعقّد التأليف في وجه ميقاتي وعينه على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وفي المقابل يشدّ سليمان من أزر ميقاتي وعينه على عون. وفي ضوء ذلك، من السابق لأوانه الحديث عن تطورات حاسمة في لبنان على الصعيد الحكومي أو غيره، قبل أن تنجلي الصورة في المنطقة عموما، وفي سوريا خصوصا.

السابق
ضرب “الفتنة” أم تصديرها إلى لبنان؟
التالي
انتفاضات شعبية ولا برامج: الطغيان يعيد الاستعمار… محرِّراً