“فايسبوك” النوّاب… برلمان متنقّل

لم يعد الفايسبوك مجرد ظاهرة إجتماعية تميّز الثورة الالكترونية حديثا، إنما فرض نفسه لغة العصر الشبابية. فمع تزايد الاستقطاب الذي يشهده موقع التواصل الاجتماعي، لا سيما من الفئة العمرية الشبابية، إستدرك السياسيون أهمية المسألة، وحجزوا لأنفسهم صفحة على الفايسبوك.

مجموعة من الخدمات لا يبخل كل من نواب قوى 8 و14 آذار في تقديمها إلى لائحة أصدقائهم، التي تضمّ عددا كبيرا من الشبان والشابات على الفايسبوك، منها: الإصغاء إلى هواجس الشباب، الترحيب باقتراحاتهم، تلبية مطاليبهم، وتوفير فرص العمل لهم.

تحديث الصفحة أساسي

"انه وسيلة صريحة ومباشرة تتخطى الحواجز بيننا وبين الشباب"، هذا هو السبَب الأساس الذي دفع عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب نديم الجميل لتخصيص صفحة له على الفايسبوك. كما انه يحرص على متابعة رسائل الشباب والرد عليها شخصيا، ويوضح: "إزاء العدد الكبير من التساؤلات التي أتلقّاها، أعمد من وقت إلى آخر الى الإجابة عنها بشكل شريط مصوّر، وأقوم في ما بعد بتحميله على الصفحة".

أما عن الموضوعات التي يتمّ التطرّق إليها عبر صفحته، فقال: "غالبا ما تكون من المسائل المستجدة التي تفرض نفسها. أما في الاوقات العادية، فإننا نطرح موضوعات كثيرة ونستمزج آراء الشباب حولها، منها: القضايا السياسية، الاجتماعية، البيئية، الصحية". في هذا الاطار، لفت الجميّل إلى أهمية تحديث صفحته لئلا يشعر روّادها بأي ملل أو رتابة، فقال: "يتم تحديث موقعي الالكتروني الخاص وصفحتي على الفايسبوك على نحو متواصل، خصوصا اننا نحاكي الشباب، وهم بطبعهم ميّالون لمواكبة أحدث المستجدات والتغيرات، فلا بد من أن نكون على قدر اهتماماتهم".

يعوّل الجميّل كثيرا على موقع الفايسبوك لتأمين التواصل مع الشباب اللبناني، لا سيما المغتربين منهم، "هذه أسرع وسيلة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الشباب، بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية، وفي أي بقعة من الأرض تواجدوا".

متابعة لصيقة

بالنسبة إلى عضو تكتل "لبنان أولا"، النائب عقاب صقر، الذي انضم إلى الفايسبوك منذ سنوات، وعلى رغم كثرة انشغالاته، يبذل جهدا كبيرا لتكريس وقت للتواصل مع الشباب، فيقول: "في أكثر الأحيان اتابع صفحتي عبر الهاتف الخلوي، فأقوم بالرد على الرسائل". ويعتبر صقر ان أسبابا متنوعة تدفع الشباب إلى إضافة رجل سياسي إلى قائمة أصدقائهم، "بدافع الفضول او من منطلق حبّهم لي ودعمهم، أو حتى أحيانا من أجل انتقادي ومواجهتي، لذا لا يترددون في اختيار الفايسبوك للتواصل". في هذا السياق، أكّد ان "المجال مفتوح أمام جميع الشباب للتواصل معه، بصرف النظر عن ميولهم السياسية وانتماءاتهم"، ولكن المشكلة "ان الصفحة لم تعد تتسِع لمزيد من الاصدقاء، إلاّ أنني أتقبّل الانتقادات وأعمَد إلى مناقشة الناس ومحاورتهم، لكنني أرفض إضافة بعض الشخصيات السياسية الشتّامة إلى صفحتي".

ومنذ ظهور هذا الموقع الاجتماعي، أدرك صقر أهميته كوسيلة تقرّب المسافة بين السياسيين والقاعدة الشعبية، "التواصل في أي وقت أمر أساسي، في ظل ما نشهده من تطور تكنولوجي، فالشباب أكثر صدقا وجرأة على الفايسبوك، نسمع منهم ما قد يعجز الاعلام أو يقصر في نقله إلى العلن". تابع: "ينقل الفايسبوك للسياسي صورة حقيقية عن الناس ومطالبهم، فهو الوجه الحقيقي لتفكير الشباب في مختلف مستوياتهم الثقافية، الفايسبوك مختبر حقيقي لمعرفة آراء الرأي العام". ولفت صقر الى ان "شخصيته عبر الفايسبوك لا تختلف عمّا يعبر عنه ويطبقه في العلن".

وعن أبرز الموضوعات التي يناقشها مع الشباب، أوضح صقر أن القضايا السياسية المحلية والاقليمية تتغلّب على الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية، كما ان بعضهم يطلب المساعدة أو استشارة في مسألة عالقة، لذا أحاول قدر المستطاع مساعدتهم، وتوفير الخدمات لهم ".

وفي هذا السياق، لفت صقر إلى ان "الانترنت بصورة عامة يَستحوذ على حيّز كبير من أوقات عملي، وأستعين به أثناء إعدادي الابحاث أو الاطلاع على مراكز دراسات علمية، وكذلك لقراءة الصحف اليومية المحلية والاجنبية". كما انه يعمد في بعض المرات إلى القيام ببحث عشوائي، "على سبيل المثال أقوم في طباعة أي كلمة يمكن أن تخطر في البال، أتصفح آخر التحديثات حولها، كما انني أكتشف، من خلال هذه الطريقة، المزيد من المنتديات والمواقع الحديثة".

علاقات تجددت وأخرى نَشأت

علاقة وطيدة تجمع عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب غسان مخيبر بالشبكة الالكترونية، لا سيّما انه في الآونة الأخيرة عاد طالبا إلى مقاعد جامعة بيروت الاميركية، "تشكل الانترنت مدماكا أساسيا في مختلف الابحاث التي أعدّها، وهي وسيلة ضرورية لتأمين التواصل مع أساتذتي وزملائي التلامذة في الصف". ويشكل محرّكا البحث "غوغل" و"ياهو"، محطتين أساسيتين يوميتين بالنسبة إلى مخيبر، فمنهما ينطلق إلى تنفيذ مجموعة من الابحاث التي غالبا ما تتمحور حول الاقتصاد وادارة الاعمال.

يطمح مخيبر إلى الاستفادة اكثر من الفرص التي يتيحها الفايسبوك للتواصل مع الشباب: "يشكل ضيق الوقت أبرز الاسباب التي تحول دون تحديث موقعي الخاص على الفايسبوك، إلا انني قدر الامكان أعمد إلى متابعة ما يحدث من نقاشات". في هذا السياق، لفت إلى ان الفايسبوك وسيلة جمعته، ليس فقط بالشباب، إنما بأصدقاء الطفولة، "رفاق كثر فرّقت بيننا الغربة، وفقدت أي اتصال بهم، لكن في ظل وجود الموقع الاجتماعي هذا، علاقات كثيرة تجددت، واخرى نشأت".

كما سلّط مخيبر الضوء على الدور النموذجي الذي يؤدّيه الفايسبوك في صفوف الشباب، "شهدنا في الآونة الأخيرة بروز أهمية كبرى لهذا الموقع الإلكتروني في جمع شمل الشباب والدعوة إلى التظاهرة من أجل إسقاط النظام الطائفي، وأبعد من ذلك فقد ساهم في تفعيل تحركات شعوب المنطقة العربية من أجل الانقلاب على ديكتاتورية الأنظمة، فقد شكّل وسيلة جديدة للتواصل".

وردّا على سؤال عمّا إذا نجح الفايسبوك في ضمّ شمل 8 و14 آذار، بما انه قرّب المسافات بين الشعوب كافة، أجاب مخيبر ضاحكا: "صحيح ان الفايسبوك جمع السياسيين على صفحاته، الا انه لم ينجح في تخفيف حدّة اختلاف آرائهم، ولا شك في أن كل فريق يلقي نظرة على المواقع الالكترونية الخاصة بالفريق الآخر".

للتواصل الدائم

وبالنسبة إلى زميله في التكتل النائب ابراهيم كنعان، فإنه يعمَد، على رغم انشغالاته، إلى زيارة العديد من المواقع الالكترونية في ساعات متأخرة. ويقول: "أستعين بالشبكة الالكترونية لمواكبة أكثر الموضوعات سخونة في المنطقة، وللاطلاع على أبرز المواقف المواكبة لها، كما انني لا اتردد في القيام بأبحاث قانونية".

يؤمن كنعان بضرورة اتقان لغة الشباب، "الفايسبوك وسيلة للتحدث مع الناس، ومن مهام النائب البقاء على تمَاس مع أولويات الناس وهمومهم المعيشية والمناطقية والوطنية. ويمكن مساعدتهم في بعض الامور الشخصية، كتوفير فرص عمل". إنطلاقا من أهمية الدور الذي تؤديه هذه الوسيلة، يحرص كنعان على "الرد شخصيا على الرسائل، ولو انني أستعين احيانا بمساعد، كي يجمع ضمن ملف، الامور المطروحة".

في ما خصّ القضايا التي يناقشها مع الشباب، لفت كنعان إلى انها غنية، ومتنوعة: "منها المسائل السياسية، تبادل الآراء، تقويم بعض حلقات "التوكشو"، الاستماع إلى مطالب انمائية ومناطقية، تلبية مطالب جامعية، وأحيانا تقديم بعض الاستشارات القانونية". أضاف: "كما انني لا أتردد في الاصغاء إلى ملاحظات الشباب وآرائهم، وقد يتحاور الشباب في ما بينهم من خلال صفحتي على الفايسبوك، ولا أتردد في الانضمام إليهم متى سمحت لي الفرصة".

ويحرص كنعان على توفير التحديث المستمر لصفحته قدر الامكان، "على رغم انشغالاتي وارتباطاتي المهنية والعائلية، أعمد من وقت إلى آخر إلى تجديد بعض المسائل على الفايسبوك، حفاظا على ديناميكيته ومواكبته لما يحدث من تطورات". وفي ضوء معرفته أن مختلف المواقع الالكترونية مراقبة، قال كنعان: "لا شك في ان الناس يمارسون نوعا من الرقابة الذاتية على صفحاتهم، من جهتي ليس لدي أي شيء أخفيه ولا حتى موقف سياسي أخجل به".

تتعدد وسائل التواصل وتتنوع، ومنها الفايسبوك والسكايب والتويتر… ومن الواضح أن انضمام السياسيين إلى هذه الوسائل الحديثة لقي إعجاب الشباب، الذين حوّلوا بتدويناتهم، صفحات النواب إلى خلية نحل.

لقد شكّل الفايسبوك، على تنوّع خدماته، فضاء رحبا لملامسة هواجس الشباب وتطلعاتهم، فهل تنتقل عدوى استخدامه بين السياسيين ويحسنون بالتالي تلقّف الفرصة؟

السابق
السجن والسجين والسجّان:3 أسباب لانفجار حتمي في رومية
التالي
الانباء:ميقاتي لحكومة تكنوقراط “مطعّمة”: ليقبل من يقبل وليرفض من يرفض