ذخيرة محظور تبذيرها

القاضي غولدستون هو رجل شجاع على نحو استثنائي. فليس أمرا يستهان به ان ينهض شخص بمستواه فيعترف، امام الملأ، بالخطأ. الرجل مستعد لان يفقد كل عالمه، بما في ذلك اسمه الطيب والسمعة التي جمعها، على أن يكون بوسعه ان يعيش بسلام مع ضميره. الامر الاخير الذي ينبغي لاسرائيل أن تفعله الان هو أن تنقض عليه وان تعرضه كعدو للشعب اليهودي باعنا بثمن بخس. كما أن عرضه كشخص غير متوازن ومتقلب – مثلما سارعوا الى عمله عندنا – هو سخافة.

هذا الندم بغولدستون يعزز الموقف الاخلاقي لاسرائيل في العالم الحضاري اكثر من أي شيء آخر. فأحد لا يتوقع ان يغير ندم غولدستون في شيء موقف العالم الاسلامي من الجيش الاسرائيلي ومن اسرائيل. ولكن يمكنه وينبغي له ان يؤثر على مصممي الرأي العام في الدول الحضارية التي يتغلغل السم المناهض لاسرائيل فيها عبر حركات حقوق الانسان، الخضر، منظمات اليسار المتطرف والجماعات الهامشية على انواعها. هذه الجماعات ارتبطت بالحركات الاسلامية المتطرفة فخلقت – في العديد من دول اوروبا وفي اجزاء من الولايات المتحدة – نزعا لشرعية اسرائيل. هذا السم العنيد – الذي ينتشر في بريطانيا، في ايرلندا، في اليونان، في اسبانيا، في فرنسا، في الشاطىء الغربي للولايات المتحدة، وفي الدول الاسكندنافية بات يصيب هوامش المؤسسات في هذه الدول. اعضاء البرلمان، الحكومات، الجامعات، المثقفون، وسائل الاعلام تهدد بان تجعل اسرائيل دولة منبوذة الى جانب كوريا الشمالية وايران. وهذه القوى تعد منذ الان لشهر ايار القريب القادم "ام كل الاساطيل" الى غزة. لا احد يعرف كم سفينة ستكون هناك، ولكن هناك من يعتقد بانها ستكون بالعشرات.

تقرير غولدستون اشعل الكراهية لدولة اسرائيل. وتصريحات غولدستون اذا ما استغلت على نحو سليم يمكنها أن تبرد هذه الكراهية. فضلا عن ذلك فان ندم غولدستون يمكن أن يستخدم ذخيرة للاغلبية الصامتة في الدول الغربية التي في واقع الامر غير مكترثة للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني ولكن عندما تشاهد التلفزيون وتسمع زعمائها، تفهم بان الرواية الفلسطينية هي المحقة واسرائيل هي النذل في هذه القصة.

غولدستون كان على ما يكفي من الاستقامة كي يأتي الان ليقول ان اسرائيل مع انها عملت في الحرب على نحو غير سليم، الا انها استخلصت الدروس. وبالفعل مسموح لها بان نعترف بان تقرير غولدستون – مع كل الضرر الذي الحقه بدولة اسرائيل – هزنا قليلا وشرح لنا ما هي المكانة الحقيقية لاسرائيل في العالم. كما فحص الجيش نفسه وحاكم الاشخاص الذين من المشكوك فيه أن يكون بوسع غولدستون أن يصل اليه.

اذا ما اكتفى رجال وزارة الخارجية والوحدات الاعلامية على انواعها بالشجب وبالشماتة لغولدستون، فاننا نكون نقف امام اشخاص قاصرين. فمنذ أمس كان يتعين على الممثلين الاسرائيليين ان يظهروا في كل الشبكات العالمية مع قصة الندم لغولدستون، يغرقوا العالم بالاعلانات وبالمنشورات عبر وسائل الاعلام الحديثة والقديمة. اذا لم يحصل هذا امس، اليوم وغدا، فالناس سيدفعون الثمن برؤوسهم. اذ ان الحرب ضد نزع الشرعية عن اسرائيل هي الحرب الاكثر اشكالية من ناحية دولة اسرائيل اليوم، ومحظور ان نخسر فيها.

السابق
الانقسام رجسٌ من عمل الاستعمار
التالي
عصر انعدام اليقين الدفاع على المبادىء