تشابك بين العقد الداخلية والخارجية في مأزق التأليف

يشكّل تردي العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وايران على خلفية اتهام هذه الاخيرة بالضلوع في تحريك الاوضاع الداخلية في هذه الدول، من البحرين بواسطة المعارضة البحرينية الى الكويت اخيرا حيث اعلن ضبط شبكة تجسس ايرانية، سبباً اضافيا لخشية مصادر سياسية لبنانية من عراقيل جديدة لولادة الحكومة العتيدة التي اعلن أبوّته لها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، بتبنيه اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري واختيار الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف حكومة جديدة. ويثير تصاعد التوتر بين ايران والمملكة العربية السعودية اخيرا على وقع دخول قوات من "درع الجزيرة" الى البحرين واطلاق المسؤولين الايرانيين تصريحات استفزازية ازاء المملكة، عاملا اضافيا بحسب هذه المصادر من اجل تسعير الخلاف مع رئيس "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري كما حصل الاسبوع المنصرم علما ان الامر يعني ان المسائل لن تكون سهلة امام الحكومة المقبلة في ظل هذه المعطيات التي تضاف اصلا الى فتور في التعاطي السعودي مع موضوع لبنان بعد وضع سوريا بواسطة "حزب الله" اليد على الحكومة وما يعنيه ذلك من تعزيز لوضع ايران في لبنان، الى جانب تعزيز وضع سوريا. وقد زاد تفاقم الازمة التصريحات التي اعلنها الامين العام للحزب في موضوع الثورات العربية وتبنيه اياها، وخصوصا ثورة البحرين وابداء الاستعداد للمساعدة. ويضاف اليها ما كشفته تركيا عن منع طائرات ايرانية تنقل اسلحة الى سوريا وربما عبرها الى لبنان. فهذه مسائل مرت مرور الكرام في ظل اهتمامات اكثر الحاحا على المستوى السياسي وخصوصا بالنسبة الى تطور الوضع في سوريا لكنها في الواقع موضع متابعة من دول عدة في المنطقة وخارجها بحيث تثار تساؤلات جدية عن قدرة هذه الحكومة على عبور كل تلك التحديات في حال نجح الرئيس ميقاتي في تأليفها وتجاوز العوائق الداخلية التي يضعها افرقاء الصف الواحد وخصوصا ان الامور مرشحة لان تزداد تعقيدا بعدما قرر المسؤولون العرب عدم السكوت عما يعتبرونه تدخلا ايرانيا في شؤونهم لا تنفيه طهران بمقدار ما تغذي هذا التدخل عبر مواقف تتصل بما تشهده هذه الدول من تحركات احتجاج. فحتى الآن ربط العجز عن تأليف الحكومة في لبنان بالتريث السوري في مرحلة اولى ثم بعدم رغبة دمشق في التدخل في الشأن اللبناني ثانيا ولاحقا بتشجيع دمشق حلفاءها على الاندفاع في تأليف الحكومة من دون الاشارة الى موضوع ايران علما ان مواقف هذه الاخيرة لم تظهر الى الواجهة سوى في موضوع البحرين، التي اعلن السيد نصرالله موقفا مماثلا لايران منها، على عكس الموقف السوري .

هل يمكن ان تكون ازمة تأليف الحكومة العتيدة في لبنان وجها آخر للثورات التي تضرب العالم العربي ام هي ازمة من ازماته التقليدية في ضوء تجربة الحكومة التي لا تزال تصرف الاعمال والتي استغرق تأليفها خمسة اشهر؟

بعض المراقبين الغربيين من الذين يتابعون شؤون المنطقة وتطوراتها دولة دولة، يدرجون ازمة تأليف الحكومة في اطار الانعكاسات العربية التي لا بد من حصولها على لبنان آخذين في الاعتبار ان حكومة الرئيس سعد الحريري استهلكت مدة طويلة قبل ولادتها لوجود قرار مسبق بتصعيب مقصود لمهمته سرعان ما ظهر بطريقة او باخرى بعد تأليف الحكومة ولاحقا باسقاطها بذرائع لم تثبت واقعيا حتى بعد ثلاثة اشهر على حصول ذلك. والازمة الحالية غير معهودة في ظل فريق واحد تشكل سوريا احد ابرز العوامل التي تجمع بينه في الوقت الذي تقوم هذه الازمة منذ ما قبل دخول سوريا دائرة الدول العربية التي اصابتها عدوى الاحتجاجات الشعبية. وتقول مصادر في قوى 8 آذار ان ايران لا تبرز في واجهة الموضوع الحكومي في لبنان وتترك هذا الامر لسوريا لكن لا يمكن انكار ان الوضع الداخلي في لبنان يمكن اعتباره جيدا جدا قياسا بالغليان داخل الدول العربية من جهة، وبين هذه الدول وايران من جهة اخرى وان تكن الخشية كبيرة من ان يفجر تصاعد الخلاف نتائج اكثر تأثيرا على لبنان. فتركيا مثلا التي تقيم علاقات حارّة مع دمشق، متوترةٌ الى حد بعيد نتيجة تصاعد الاحتجاجات في سوريا وتفضيل مسؤوليها معالجة مختلفة من تلك التي يعتمدها الرئيس السوري بشار الاسد لمعالجتها. والتوتر التركي يتصل بمخاوف من ان تنزلق سوريا الى وضع مماثل لليبيا من حيث استدراج تدخل دولي فيها في حال لم يحصل الانتقال سريعا الى اصلاحات تلبي تطلعات الشعب السوري ينعكس على تركيا التي سارعت الى الاعلان عن تحول مهم في سياستها الخارجية يعتمد مقاربات مختلفة مع الدول الغربية ومع اسرائيل ومع دول المنطقة وصولا الى موضوع الاكراد حيث شمل الاهتمام التركي التواصل مع المسؤولين في شمال العراق لهذه الغاية. واذا كانت تركيا بهذا التوتر في ما يتصل بسوريا فالاحرى ان تكون ايران في وضع مماثل او ربما اكثر، وفقا لمعادلة بسيطة تتصل بما تشكله سوريا من حجر زاوية اساسية لايران في المنطقة العربية اكثر بكثير مما تشكله لتركيا نتيجة للخسائر الجسيمة التي يمكن ان تمنى بها وفق ما يترتب على تطور الاحتجاجات في سوريا.

هذه المعطيات تغيب عن المشهد الداخلي اللبناني ولو انها احدى ابرز الخلفيات السياسية التي لا يمكن تجاهلها وفق المصادر السياسية المعنية لكن قد يكون اسهل التعمية بمطالب مرتفعة السقف على مسائل قد تتسبب بشرخ داخلي اكثر اتساعا من ذلك الموجود راهنا بين الافرقاء السياسيين في البلد.  

السابق
التغيير.. من سوريا إلى لبنان وبالعكس: بشــار الأســد والإصــلاح المـرجـأ..
التالي
بري: ميقاتي لم يمهل الاكثرية عشرة ايام لتأليف الحكومة