الغرب وسياسة التخلي عن الحلفاء

سياسة التخلي عن الحلفاء، هي السياسة التي تمارسها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تجلت هذه السياسة بوضوح مؤخراً، مع ثورة تونس، وما تبعها من ثورات، بدأت مع بن علي، بعد أن كان الصديق المقرب للرئيسين باراك أوباما، والفرنسي نيقولا ساركوزي، وكان واثقاً من الإدارتين الأمريكية والفرنسية، بأنهما ستؤمّنا له الغطاء، فيما لو تعرض للخطر ومع أنه كان يصغي إليهما، لكنه كان واهماً حالماً، وما إن استيقظ من أحلامه وأوهامه، حتى وجدهما تخليا عنه وتنكرا له، ليجد نفسه أمام خيارين، إما المحاسبة من قبل شعبه، وإما الفرار نافذاً بجلده، فاختار الخيار الثاني، ليجد نفسه في دولة عربية، بعد أن رفضته دول الغرب، على الرغم من كونه حليفاً لها.

أما حسني مبارك، فقد عاش طوال رئاسته على وهم الدعم الأمريكي، وظن أنه قد أصبح صديقاً لساركوزي، بعد أن اختاره الآخر شريكاً له في منظومة الاتحاد من أجل المتوسط، وما إن تعرض للخطر في مواجهة شعبه، إلا وتخلى عنه، ولم يختلف عن ساركوزي وأوباما الذي لم يحرك ساكناً من أجل إنقاذ مبارك، سوى أنه دعاه للتنحي عن السلطة، وحدها إسرائيل التي ندبت حظها، وهي تفقد حلفاءها في المنطقة، كما صرح قادتها بأنهم قد خسروا أعز حلفائهم.

وتأتي وثائق ويكيليكس، على مدى الفترة الزمنية المنصرمة، لتؤكد أن مسؤولي الغرب ليس لديهم سر، ولا يؤتمنون على الأسرار، وهم يضرون أكثر مما ينفعون ومن يعتمد عليهم، سيحالفه الندم وسيكون من الخاسرين، لا لشيء، إلا لأن الحاكم، أي حاكم يستمد شرعيته ووجوده في الحكم من شعبه، ومن عواطف جماهيره فهي وحدها القادرة على حمايته، ومنح الشرعية لنظامه، أما من استند على الأجنبي في وجوده بالسلطة، فسيذهب به الشعب، وهذه حقيقة على البعض إدراكها، ليبقى ملتصقاً بشعبه، عاملاً على تحقيق طموحاته، الأمر الذي يؤكد أن العلاقة مع الأجنبي، مهما بلغت من العمق تقتضي الضرورة، ألّا تسمح بمس السيادة الوطنية، وهذا ما أكدته الثورتان، التونسية والمصرية، من أن الشعب هو المرجع، وهو البداية، وهو الضمانة، وأن القيادات التي تستلهم الناس، وتعمل بوحي من أفكارهم ومصلحتهم، وتحل مشاكلهم، وتعمل بطموحاتهم، هي القيادات التي تستحق التقدير.

بالتأكيد إن ما يجري في الوطن العربي من ثورات لم تكن من ورائه غرف سرية جهنمية، كما يحلو للبعض أن يصور ذلك، وإنما أتى نتيجة معاناة وتفاعلات شعبية سببت نضوجها في مواجهة التسلط، والقهر، والفقر، والظلم والتدخل الأجنبي والعجرفة الإسرائيلية، لقد استهان البعض بالحقوق الوطنية والقيم الأخلاقية، وفرطوا بحقوق الأمة وشرفها، وكرامتها، لتكون هذه الثورة، والتي يجب أن تفهم على ساحة الوطن العربي، أنها لا تقتصر على المعاناة الاجتماعية المعيشية فحسب، بل تتعداها إلى الوطني والقومي جناحان تحلق بهما هذه الثورة الجناح الوطني المتعلق بالكرامة والحق والوجود، والجناح الاجتماعي، نتيجة معاناة الفقر والإفقار.

بهذه الثورة المتنقلة في الوطن العربي، تستيقظ الأمة العربية، على وجودها وحضارتها، وطموحاتها ومكانتها، وعلى من أضاع حقوقها، واغتصب أرضها وأوغل في سفك دماء أبنائها، كما تستيقظ على من سرق ثرواتها طوال عقود من الزمن، لتقول لهؤلاء جميعاً، لقد أتى الوقت الذي ستقدمون به الحساب للشعب، لكل فئات الشعب، ومن الطبيعي أن يغضب الحكام مثل هذا الموقف، المواجهة بين الشعب وحكامه، لكن المنتصر في هذه المواجهة، سيكون الدفق الجماهيري المتحرك من أجل الكرامة والديمقراطية، العنوان الكبير للمطالب الجماهيرية، وللصحوة الحقيقية نحو العروبة، التي لا يمكن للأمة العربية أن تتسلم طريقها الصحيح، إلى الوجود الحقيقي على خريطة العالم، إلا باعتمادها.

والآن بعد أن بدأت الحرب المفتوحة على ليبيا، والتي قد تتعداها إلى دول عربية أخرى، هذه الحرب التي يشنها التحالف بقرار من مجلس الأمن، وبطلب من الجامعة العربية، تطرح أسئلة متعددة الوجوه والآفاق، حول الدروس المستفادة؟ لتأتي الأجوبة عبر حقيقتين: الأولى، هي أن من نفذوا هذه الحرب، ومن كانوا خلف قراراتها الدولية، لا بد من أن يكون لهم أغراضهم ومصالحهم، والثانية، هي أنه لم يعد بالمستطاع استخدام القوة في مواجهة الشعوب، لأن شعوب العالم، ومنظماته الرسمية وغير الرسمية، ستكون بالمرصاد لمناصرة هذه الشعوب، ولأن قوى الهيمنة، ستبقى تفرض وجودها، مستغلة معادلة مفادها، أن حقوق الإنسان أعلى من سيادة الدول.

السابق
هل يتحوّل الانتحار إلى ظاهرة؟
التالي
بنت جبيل تعتصم.. لتجهيز المستشفى الحكومي