التوجيه الجامعي في غياب دراسة السوق

 يشكّل التوجيه المهنيّ محطة أساسيّة بالنسبة إلى فئة كبيرة من الشباب اللبناني، لا سيّما الذين يستعدّون للانتقال إلى المرحلة الجامعية. لذا مع بدء الفصل الثاني من العام الدراسيّ، تتهافت جامعات خاصة عدة لفتح أبوابها لاستقبال تلامذة المرحلة الثانوية وتوعيتهم على مختلف المهن والتخصّصات المتوافرة ومستلزماتها. كما يبرز دور لا يقلّ أهمية للمعارض السنوية للمهن التي تشارك فيها المؤسسات الخاصة ومجموعة من الشركات. في هذا المجال، "يشكّل الربط والتنسيق بين النظام التعليميّ وحاجات سوق العمل خطوة ضرورية ودقيقة، لا بدّ من التنبه إليها"، هذا ما أكّده مدير عام التعليم العالي الدكتور أحمد الجمّال، في حديث إلى "الجمهورية"، لافتا إلى "ضرورة عدم ربط كفايات الطلاب في حاجات السوق المحلّية فقط، في ظلّ العولمة والانفتاح الاقتصادي العالمي".

على رغم أنّ معرفة حاجات الأسواق العربية والأوروبّية ضرورية، نظرا لما يمكن أن توفّره من فرص عمل وآفاق للخرّيجين اللبنانيين، إلّا أنّ هذا لا يحول دون معرفة دقيقة لحاجات السوق اللبنانية من وظائف وتخصّصات. في هذا السياق، عبّر الجمّال عن أسفه لغياب دراسة واضحة عن متطلبات السوق اللبنانية والتخصّصات التي تحتاجها، وأوضح: "يصعب وضع خطة متوسطة الأمد، لا سيّما وأنّ لبنان يشهد تقلّبات على نحو مستمرّ، فمع كلّ خضّة أمنية، مجموعة من المؤسّسات تقفل أبوابها، كما أنّ الوطن يخسر سلسلة من المشاريع الاستثمارية، وهذا ما يحول دون التوصل إلى أيّ دراسة يمكنها مساعدة الطلاب في اختيار تخصّصهم، وحمايتهم في ما بعد من خطر البطالة".

في ظل غياب أيّ توجيه عام عن حاجات عمل السوق اللبنانية، تبدو مراقبة متطلّبات الأسواق المحيطة، حاجة ملحّة أكثر من أيّ وقت مضى. في هذا الإطار، أثنى الجمّال على كفايات الطلّاب اللبنانيين وقدرتهم على منافسة زملائهم في الخارج، موضحا: "أنّ كلّ اختصاص يختاره الطالب، لا يمكّنه من المواد الإلزاميّة فقط، إنّما يصبح ضليعا، وعلى إحاطة شاملة ببعض المواد الاختيارية التي تحصّنه بالخبرة الضرورية، وتساعده على العمل في وظائف رديفة لتخصّصه".

في هذا السياق، لفت الجمّال إلى أنّ "المشكلة لا تكمن فقط في غياب دراسة واضحة لسوق العمل اللبناني، إنما في ذهنيّة الطلّاب"، فقال: "على رغم التخمة الظاهرة التي يعاني منها مجال الطب، لا يزال عدد كبير من الطلاب يتّجه نحو هذا الخيار، ولا يتقبل فكرة التخصّصات الرديفة، مع العلم أنها توفّر حظوظا أكثر في العمل". وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المراقبين يتّفقون على أنّ مجال التمريض هو الأكثر حاجة إلى يد متخصّصة، وفرص العمل فيه شبه مضمونة.

أمّا عن المساعي التي تقوم بها وزارة التربية في هذا المجال، فأكّد الجمّال، "أنه لا بدّ من تعاون يشمل الوزارات كافة للقيام بدراسة استكشافية حول توجّهات السوق، وعلى أساسها يتمّ توجيه الطلاب في المرحلة المقبلة". كما شدّد على أنّ "الوزارة تبذل كل ما بوسعها من خلال تعاونها مع مجموعة من الجمعيات والمؤسسات العاملة على توعية الطلّاب، كما انها

تشارك بمعارض المهن سنويّا".

أمّا عن الأسس التي في ضوئها يتمّ توجيه الطلاب خلال المعارض والمحاضرات، فقد لفت الجمّال، إلى أنها "أقرب إلى شرح عمّا تتطلبه المهن الموجودة في السوق، وعن التخصّصات التي تدرّسها كلّ جامعة". في هذا السياق، أثنى على "مبادرة الجامعات الخاصة التي تفعّل دور مكاتب التوجيه في خدمة الطلاب".

بدوره، عبّر مدير المؤسسة الوطنية للاستخدام بالإنابة نبيل تابت، عن أسفه لغياب "أي دراسة رسمية ليس فقط لحاجات سوق العمل اللبناني، انما أيضا لعدد العاطلين عن العمل"، موضحا: "أنّ من أبرز أهداف هذه المؤسّسة رسم سياسات الاستخدام العامّة ودرس سوق العمل بالاضافة إلى فتح مكاتب استخدام لتوفير الوظائف". وفي ضوء دراسة تنجزها المؤسسة الوطنية، والتي تتناول مسحا للقطاع السياحيّ، أكّد تابت "أنّ هذا القطاع يشكّل المجال الأوّل في التوظيف، لذا فالتوجه نحو التخصّصات في هذا القطاع يبقى أكثر ضمانا للطلاب من غيره".

نظرا للثغرات التي يمكن تفاديها في ضوء معرفة معمقة لحاجات عمل السوق اللبنانية، لابدّ من الإسراع في تنفيذ هذه الدراسة على مستوى شامل للبلد، بحيث يظهر فرص العمل المتاحة أمام الشباب، فيسهّل عليهم انتقاء تخصّصهم الجامعي، ويحميهم فيما بعد من البطالة، ويحدّ من هجرتهم. ألا يستحقّ مستقبل الطلاب كلّ هذا الاهتمام؟ 

السابق
الأكثرية الجديدة أمام هزيمة مؤكدة
التالي
الاخبار: أمن لبنان في مرمى تهديدات تل أبيب وبيان عوكر