الاخبار: أمن لبنان في مرمى تهديدات تل أبيب وبيان عوكر

 بعد خريطة إسرائيل عن بنك الأهداف، بدأت التحرّشات جنوباً، وخرجت السفارة الأميركية بتحذير غامض للرعايا فيه تذكير بتعليمات سابقة وإعلان عن نسخة حديثة قريباً… ورئيس حكومة تصريف الأعمال «متشبّث» بموقفه من السلاح

كل يوم جديد، يستقبل بريد لبنان رسالة أمنية تتراكم فوق سابقاتها، بعضها معروف المصدر والمقصد، والبعض الآخر لم تفلح كل الجهود في فكّ رموزه حتى الآن، فيما العناوين المعنيّة بالمتابعة الجدية لا تزال ضائعة بين حكومة منتظرة لم يُعرف مصيرها حتى الآن، وأخرى مُقالة يصرف رئيسها معظم وقته في اتّهام «الفريق الآخر» بالاستقواء بالسلاح لـ«وضع اليد على الدولة بحجة مقاومة إسرائيل»، فيما لا يجد موضوع نشر خريطة لمئات المواقع التي أعلنت إسرائيل أنها أهداف في الجنوب ستضربها في أي حرب مقبلة، أي تعليق إلا من المعنيين بالمقاومة.
آخر الرسائل جاءت أمس، عبر بيان وزّعته السفارة الأميركية ونشرته الوكالة الوطنية للإعلام، وفيه تذكير بأنّ «تحذير السفر الأميركي الخاص بلبنان الأخير»، صدر في 8 تشرين الأول من العام الماضي، وأنه موجود على العنوان الإلكتروني
http://travel.state.gov/travel/cis_pa_tw/tw/tw_3072.htm، ويُعمل على تحديثه «وسيُعلن في الأيام المقبلة». ولفت البيان إلى أن وزارة الخارجية الأميركية تصدر تحذير السفر «عند وجود ظروف طويلة الأمد تجعل من ذلك البلد بلداً خطراً أو غير مستقرّ»، وأنّ الأنظمة الأميركية تتطلّب «مراجعة دائمة وتحديثاً لتحذير السفر كل ستة أشهر على الأقلّ لضمان مشاركة المواطنين الأميركيين في أحدث المعلومات حول السلامة والأمن». يشار إلى أنّ الدخول إلى العنوان المذكور لا يتيح قراءة التحذير السابق، لسبب بسيط هو الاعتذار عن عدم القدرة على إيجاد الصفحة على الموقع! وهذا ما يطرح سؤالاً عن المقصود من التذكير بتحذير غير موجود، وإعلان تحديث لم يصدر بعد، خصوصاً أنّ تحذيرات الولايات المتحدة لرعاياها لا تسلك دائماً الطرق المعلنة، وأغلبها يصل إلى المعنيين مباشرة إلى مواقعهم الإلكترونية أو هواتفهم النقالة. الأمر الوحيد الذي عرف هو أن السفيرة الأميركية مورا كونيلي غادرت أمس متوجهة إلى واشنطن.
وإذا كان بيان عوكر يلوّح بشيء قد يحصل، فإنّ مساعي جلاء ملابسات ما حصل لم تصل إلى شيء بعد، مع أن هذه المساعي متركزة على حادث واحد هو قضية خطف الأستونيين السبعة، لأن حوادث مخيّم عين الحلوة متروكة لعين الحلوة، ومتفجرة كنيسة زحلة فجر الأحد الماضي لم يأت أحد على ذكرها منذ انتهاء هبّة الاستنكار العارمة، ولا شيء يفسر ذلك، إلا إذا كانت الأجهزة المعنية تتابع هذا الأمر بعيداً عن الإعلام أو أنها توصلت إلى ما يفيد بترابط حادثتي التفجير وخطف الأستونيين.

وحتى في ما خص قضية المخطوفين (عفيف دياب) فإن الحملة الأمنية لجلاء غموضها انتهت إلى «إنجاز» وحيد هو توقيف 6 أشخاص من مجدل عنجر على ذمّة التحقيق. وبعد 7 أيام من البحث عن متهمين ومشبوهين، توقّفت أعمال الدهم في مجدل عنجر ومحيطها، وفي جب جنين وكامد اللوز ولالا والقرعون، وانسحبت القوى الأمنية والعسكرية من المنطقة، فيما واصل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي مناشدته الخاطفين تسليم أنفسهم مع المخطوفين، وأوحى بأن المبادرة لا تزال كلها لدى منفّذي العملية، عبر الإعراب عن اعتقاده بأنهم قد يعلنون مطالبهم في بيان ثان بعد البيان الأول الذي تبنّت فيه حركة النهضة والإصلاح العملية.
هذه النتيجة التي تشير إلى دقّة الجهة المنظمة لعملية خطف الأستونيين واحترافها، تركت القوى الأمنية رهن «الاتكال» على «ضمير» الخاطفين، وعرضة لإخبارات وهميّة، كما حصل فجر أمس حين تلقّت قوى الأمن الداخلي اتصالاً من مواطن بقاعي أبلغها عن سماعه أصوات استغاثة من منطقة جرود بعلبك. وعلى الفور نفّذت مختلف وحدات الأجهزة الأمنية وقطاعاتها حملة تفتيش واسعة طالت كل الجرود من بعلبك حتى بريتال، دون العثور على أي «مستغيث» كان يؤمل أن يكون من الأستونيين.
في هذا الوقت أبقت إسرائيل العيون مفتوحة على الجنوب، حيث أتبعت تسريبها لخريطة مواقع قالت إنها ستكون أهداف حربها المقبلة على لبنان، حتى لو كانت داخل مناطق سكنية، بخرق برّي واستفزاز حدودي، إضافة إلى استمرار احتلال طائراتها لأجواء لبنان، حيث أعلنت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، أن 10 طائرات حربية حلّقت أمس فوق مختلف المناطق، وأنّ دورية إسرائيلية من 5 عناصر اجتازت السياج التقني بين مركزي السماقة ورويسات العلم، ولمسافة 20 متراً ضمن أراضي متحفظ عليها لبنانياً ولمدة 15 دقيقة، ثم اجتازت دورية أخرى من عشرين عنصراً السياج التقني مقابل بلدة ميس الجبل، واتخذت مواقع قتالية بمؤازرة ثلاث آليات نوع هامر، ضمن أراض متحفظ عليها لبنانياً، لمدة 25 دقيقة. كذلك ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن القوات الإسرائيلية ركّزت بمحاذاة السياج الشائك غرب بلدة شبعا، نصباً تذكارياً يحمل أسماء الجنود الثلاثة القتلى الذين أسرتهم المقاومة عام 2001. وترافق ذلك مع انتشار آليّات مدرّعة على التلال المشرفة على بركة النقار، وتحليق طائرة استطلاع في أجواء المزارع. الأمر الذي استنفر عناصر الجيش وقوات اليونيفيل، على الجهة المقابلة.

أما ردود الفعل على التهديدات والتعدّيات الإسرائيلية فاقتصرت على فريق دون آخر، حيث رأى النائب نواف الموسوي أن لبنان الرسمي معنيّ بالردّ على التسريبات الإسرائيلية عن خطط لضرب لبنان، داعياً إلى حملة إعلامية ـــــ سياسيّة ـــــ دبلوماسية «تمنع العدوّ من تزييف الوقائع»، وإلى «حملة ملاحقة قانونية دوليّة للمجرمين الإسرائيليين السياسيّين والعسكريين». كذلك طالب وزارة الإعلام بمكاتبة صحيفة «واشنطن بوست» التي نشرت خريطة الأهداف الإسرائيلية «وعرض الموقف اللبناني القائم على أن لبنان هو المعتدى عليه، وأنّه تعرّض لجرائم إسرائيلية موصوفة، وأنّه معنيّ بالدفاع عن نفسه في ضوء القرارات والشرائع الدولية ذات الصلة». كذلك استنكر النائبان أنور الخليل وقاسم هاشم التهديدات الإسرائيلية، وإقامة نصب لجنود إسرائيليين في أراض لبنانية محتلّة، وطالب الثاني بتقديم شكوى بذلك إلى مجلس الأمن.

في هذه الأجواء، أعلن الرئيس سعد الحريري، أمام وفد من بلدة المنية، تشبّثه بالموقف الذي أعلنه في 13 شباط الماضي «لأن المشكلة الحقيقية في البلد أصبحت في منطق السلاح والاستقواء به لمصادرة القرار السياسي ووضع اليد على الدولة بحجّة مقاومة إسرائيل». 

السابق
التوجيه الجامعي في غياب دراسة السوق
التالي
فضائح “ويكيليكس” اللــبنانيّة: حزب الله ووليد جنبلاط