إشعاعات فوكوشيما وصلت إلى لبنان

.0005 هي نسبة تركيز اليود المشع ١٣١ لكل متر مكعب. التركيز المتناهي الصغر وغير المضر بالصحة لهذه الإشعاعات النووية الآتية من اليابان أُعلنت في إسرائيل أول من أمس. وما يصح على الأجواء الإسرائيلية، يصح بالتأكيد على الأجواء اللبنانية. الفرق أننا لا نملك تقنيات القياس التي تمتلكها أول دولة نووية في المنطقة

هل وصلت الإشعاعات النووية المتسربة من المفاعل النووي في فوكوشيما باليابان إلى لبنان؟ بالتأكيد وصلت. فقد ذكرت صحيفة «هآرتس» أول من أمس أنه اكتُشفت كميات صغيرة من الإشعاعات النووية بتركيز بسيط، وهي غير ضارة بالصحة أو بالبيئة في «الأجواء الإسرائيلية». ونقلت الصحيفة عن هيئة الطاقة النووية في إسرائيل قولها إن المفاعل النووي في فوكوشيما هو مصدر الإشعاع، مؤكدة في الوقت نفسه أن الإشعاعات المكتشفة هي ذات تركيز بسيط، ولا تمثّل ضرراً صحياً أو بيئياً.
ما اكتشف في «الأجواء الإسرائيلية» يمكن بسهولة أن يكتشف في الأجواء اللبنانية فيما لو امتلك لبنان التقنيات الموجودة في الدولة النووية الأولى في الشرق الأوسط.
وحدة القياس التي استخدمتها هيئة الطاقة النووية الإسرائيلية أدت إلى اكتشاف مادة اليود 131 بنسبة تركيز 0.0005 «بكرل» لكل متر مكعب في مناطق مختلفة. و«بكرل» هي وحدة قياس تقيس الإشعاعات في الثانية.
من يقيس الهواء اللبناني لمعرفة نسبة الإشعاعات فيه؟ المهمة موكلة منذ عام ١٩٩٦ إلى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، التي تعمل في حقل الوقاية من الإشعاع وفي ميدان تطوير الاستخدام السلمي للطاقة الذرية في لبنان، وهي تتبع المجلس الوطني للبحوث العلمية.

عضو الهيئة د. عمر الصمد أعلن في حديث لـ«الأخبار» أن الهيئة «تعمل على قياس الإشعاعات في مناطق لبنانية عدّة يومياً، وقد رفعت منذ مدة طويلة عمليات القياس من مرة إلى ثلاث مرات». مضيفاً: «لم يسجل حتى اللحظة أي قياس لإشعاعات نووية مصدرها فوكوشيما، وأخذنا علماً بما أُذيع في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وقد تلقينا عدداً من الاتصالات المستوضحة». وقال: «نسبة التركيز التي أُعلن أنها في منطقة المتوسط متناهية الصغر ومن الناحية العلمية هي غير ضارة بالصحة والبيئة، وعلينا التعامل بدقة مع هذا الموضوع؛ لأن أي شائعات أو أخبار كاذبة يمكن أن تسبب هلعاً عند المواطنين».
ولفت الصمد إلى أن التعاون والتنسيق قائمان بين الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية وقسم الأمن والأمان والحماية من الإشعاع في الوكالة الذرية للطاقة النووية. وهناك مشروع قيد التنفيذ لدعم البرنامج الوطني للرصد الإشعاعي في لبنان عبر إنشاء محطات ثابتة ستُوزَّع في مناطق لبنانية عدة. وسيشمل المشروع في مرحلته الأولى تركيب خمس محطات، على أن يرتفع العدد إلى سبع في مرحلة لاحقة. وستُربَط هذه المحطات بشكبة واحدة تبلّغ المعطيات المتعلقة بقياس الإشعاعات على مدار الساعة.
ينفّذ هذا المشروع بالتعاون بين الهيئة الوطنية للطاقة الذرية وسلاح الهندسة في الجيش اللبناني، وبالتنسيق مع الوكالة الذرية في فيينا. وسيتضمن، إضافة إلى تزويد لبنان الأجهزة والمعدات التقنية اللازمة، تقديم المشورة التقنية للكوادر العلمية اللبنانية العاملة في برنامج الرصد.

وعن الفرق بين كارثتي فوكوشيما وتشرنوبيل، قال الصمد: «العزل في محطة فوكوشيما أقوى إلى الآن من تشرنوبيل الذي انصهر بالكامل في حينها».
أكبر حادثين نوويين في التاريخ، حادث مفاعل تشرنوبيل في 1986 في أوكرانيا، وحادث ثري مايل أيلاند في بنسلفانيا في الولايات المتحدة في 1979. ويصنف فوكوشيما إلى الآن بأنه أقل حدة من تشيرنوبل، لكنه أقل أمناً من ثري مايل أيلاند. وتشير التقارير إلى أنه إذا لم يُسيطَر على التسرب في فوكوشيما فسننتقل من حالة الانصهار الجزئي لقلب المفاعل إلى انصهار تام، وعندها ستحل كارثة كبرى.
ويلفت الصمد إلى أن الهيئة الوطنية للطاقة الذرية أُنشئت بعد عشر سنين من حصول كارثة تشرنوبيل، وقد أُجريت في الهيئة دراسات علمية مهمة عن الأثر الذي خلّفته تلك الكارثة على لبنان، حيث تبين وجود تركيز قليل لمادة السيزيوم في التربة اللبنانية ناتجة من تشرنوبيل.

وأكد مسؤول حملة «صفر زئبق» في منظمة إندي ـــــ أكت، د. ناجي قديح، أن المطلوب هو أن يكون هناك أعلى درجة من الجهوزية لدى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، وأن يجري فحص دقيق في المرافئ والمعابر للبضائع المستوردة من اليابان. أضاف: «إلى الآن لا شيء يدعو إلى الهلع، لكن من الواجب الفحص على مدار الساعة في إجراء وقائي للتأكد من أن درجة الإشعاع مقبولة». تابع: «حين تكون هناك كارثة كالتي نشهدها بسبب أزمة في محطة نووية في اليابان، فبالتأكيد سنعثر على نسبة إشعاعات قليلة جداً في المستقبل، لكنها لا تؤثر على الصحة العامة. لكني أعتقد أنّ من الصعب أن يستوعب الرأي العام هذه المعلومات ويفهم الأخطار، لذلك فالتوعية مطلوبة».
وكانت 15 ولاية أميركية على الأقل قد رصدت إشعاعات في الهواء آتية من محطة فوكوشيما النووية. ورصدت دول أخرى آسيوية وأوروبية إشعاعات لديها، غير أنها أكدت أن ما عثر عليه لا يمثّل خطراً على الصحة.
وبحسب هيئة حماية البيئة الأميركية، اليود المشع 131 حياته قصيرة لا تزيد على 8 أيام، لذلك أعلنت الهيئة أن مستوى الإشعاع الذي عثر عليه في بعض منتجات الحليب في ولايات أميركية عدة سينخفض سريعاً.
يذكر أن اليود المشع 131 كان مسؤولاً عن ارتفاع نسبة سرطان الغدة الدرقية بين الأطفال الذين تعرضوا لإشعاعات من مفاعل تشرنوبل عام 1986.
وأعلنت، أول من أمس، شركة «تيبكو» التي تتولى تسيير محطة فوكوشيما النووية في اليابان أن مستوى اليود
131 المشع الذي رصد في مياه البحر قبالة المحطة التي تضررت جراء كارثة الزلزال قد ارتفع إلى أعلى قراءة له حتى الآن، أي 4385 مرة أكثر من المستوى القانوني المسموح به.

السابق
صقر: الحكومة المقبلة إذا تشكّلت ستولد ميتة
التالي
الحوت: طيران الشرق الأوسط تسيّر رحلة يومية من أبيدجان إلى بيروت