هل بدأ البحث عن خليفة لخليفة؟ وزير الصحة في قبضة أسانج

طبيب من الطراز الأول، حلم بأن يصبح وزيرا فأدرك ان الكفاية العلمية وحدها لا تكفي. لذلك قرر أن يضع نفسه تحت العباءة السياسية لزعيم تنظيم لم تغب شمسه عن الحكومات اللبنانية المتعاقبة كلها منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، فنجح، وبمزيج من الدعم السياسي والجدارة في الأداء، في حجز مكان ثابت له في مجلس الوزراء منذ العام 2004 وحتى اليوم.
هذه هي، باختصار شديد، حكاية محمد جواد خليفة مع وزارة الصحة، التي قَدِم اليها قبل سبعة اعوام في لحظة تلاقي رغبته الشخصية في دخول عالم السياسة مع رغبة رئيس حركة "أمل" نبيه بري، بتقديم نماذج جديدة من النوّاب والوزراء تختلف عن اولئك الذين تعاقبوا على تمثيله في السلطة منذ انتهاء الحرب الأهلية.

كان ذلك اواخر العام 2003، وفي فترة التطهير الحركية التي بدأت بفصل الذراع اليمنى لبري (محمد عبد الحميد بيضون)، وانتهت بفصل ذراعه اليسرى (محمود أبو حمدان) بعدما خرقت التجاوزات الوزارية والطموحات السياسية لكل منهما السقوف كلها التي وضعها رئيس المجلس النيابي، علما ان المرحلة ذاتها شهدت رفع الغطاء عن وزير الزراعة علي عبد الله الذي انتهى به الأمر سجينا في رومية بتهمة الاختلاس.

في تلك الفترة دفع خليفة الى الواجهة من ضمن مجموعة ضمّت علي حسن خليل وعلي حمدان (وبدرجة أقل علي بزي)، وذلك بالتوازي مع تراجع نفوذ اسماء اخرى كأيوب حميّد وياسين جابر.

فجأة احتل حصة الحركة في المواقع المتقدمة للسلطة اشخاص بدوا كأنهم استفادوا من تجارب السابقين، فامتنعوا عن تكرار اخطائهم، ولم يتورطوا في اي محاولة لتشكيل حيثيات سياسية مستقلة تقلق المصيلح، ولم تتجاوز ممارساتهم في الحكم يوما حدود اللعبة اللبنانية.

من هذا المنطلق، بدا هؤلاء مطمئنين إلى بقائهم في مواقعهم، وليس من قبيل المبالغة القول إن اكثر المطمئنين اطمئنانا كان محمد خليفة وخصوصا أنه من الوزراء القلائل الذين يصلحون لأنواع الحكومات كلها، بدءا من الحكومة السياسية وصولا الى حكومة التكنوقراط، اضافة الى ان اداءه في وزارته كان محطّ تقدير الحلفاء والخصوم على حد سواء، ولو بحماسة متفاوتة.

لهذا كله، لم يكن ممكنا، وحتى اسابيع قليلة، تصور وزارة الصحة من دون وزير الصحة (على اعتبار ان اسم الرجل ذاب في مهنته)، لكنّ أسانج ووثائقه كان لهما رأي آخر، ففيما كان اسم (محمد جواد خليفة) القاسم المشترك الوحيد بين المسودات الحكومية المتداولة كلها، ظهر على موقع ويكيليكس نص الاجتماع السري – أو الذي كان سريا – بين الرجل والسفير الأمريكي السابق جيفري فيلتمان.

وعلى رغم انه قبل هذه الوثيقة بأيام، كانت وثيقة اخرى قد خرجت الى العلن وتضمنت مواقف للمستشار السياسي لبري (علي حمدان) لا تشبه المواقف المعلنة لحركة "أمل" ابّان حرب تموز، فإن الإحراج الذي سببته بقي اقل – بما لا يقاس – من الحرج الذي سببته وثيقة خليفة وخصوصا انها بينت (على ذمة فيلتمان) شعورا قويا بانعدام الودّ والتعاطف من قبل وزير الصحة مع حزب الله.

سبب هذا الأمر ارتباكا للثنائي الشيعي الذي احتار في كيفية التعاطي معها وخصوصا انها اعقبت مباشرة اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وجود نية لتقديم دعاوى قضائية بحق "كل من اظهرت وثائق ويكيليكس تورطهم في التحريض على المقاومة"، مستثنيا بطبيعة الحال "من عادوا فأجروا نقدا ذاتيا لموقفهم" (وليد جنبلاط)، ليبدأ الهمس بين الناس، وفي مقدّمهم جمهور حزب الله وحركة أمل: "ماذا عن خليفة؟"

هل سيصنف تصنيف متآمري الحرب؟ ام سيشمله "قرار العفو عن التائبين" الذي اصدره الحزب؟

هذا هو السؤال الذي أثار، وما زال يثير، فضول القاعدة، وأربك، وما زال يربك، القادة في الحزب والحركة على حد سواء. فمن جهة حزب الله، إن تكذيب مضمون الوثيقة يعني تكذيب مضمون الوثائق كلها، وتصديقه يعني وضع خليفة جنبا الى جنب مع خصوم للحزب كالدكتور سمير جعجع والرئيس أمين الجميل.

أما حركة أمل فإنّ رئيسها، الذي اعتبر تأكيد حمدان أنه لم يلتق فيلتمان في حرب تموز كافيا بالنسبة اليه، ما زال مترددا – حتى الساعة أقلّه – في حسم موقفه من خليفة، على رغم تأكيد الرجل في اكثر من بيان مكتوب ومقابلة متلفزة عدم دقة الكلام المنقول عنه. أما سبب التردد فهو ثقة بري بأن تمسكه بالرجل (الذي لا ينتمي بالمناسبة الى حركة امل) سيستخدم لاحقا ولسنوات عدة مادة للمزايدة السياسية عليه من قبل الخصوم كلهم، وأنصاف الخصوم، لذلك فإنه يحسبها بمبدأ الربح والخسارة، مع تزايد قناعته يوما بعد يوم أن إبعاد النار عن ثوبه قد يكون الخيار الأنسب.

في ضوء هذا كله، وبعدما تكلم الوزير لئلا يقال إن الصمت علامة الرضا، فإنّ مقربين منه نصحوا له التخلي عن فضة التصاريح والتزام ذهب السكوت في المرحلة الحالية وخصوصا أن طيف التشكيلة الحكومية لا يلوح في الأفق، وإلى أن يلوح، فإن العاصفة الويكيليكسية قد تمر بخير فيعود الى موقعه سالما، علما ان احتمال ان يكون البحث عن خليفة لخليفة يبقى قائما وربما… مرجحا!

السابق
هل الثورة ضد القومية العربية؟
التالي
إقفال القنصلية الأميركية في القدس بسبب طرد يحتوي مسحوقا غير محدد