وحدة المصير

ليس خبراً ساراً أبداً ان يصبح فجأة مصطلح الفتنة شائعاً الى هذا الحد في سوريا، وأن تصير الوحدة الوطنية غفلة عنواناً رئيسياً للخطاب الرسمي السوري، وملاذاً آمناً من الإصلاح والتغيير. وهي ليست مجرد خطوة الى الوراء لكنها إعلان عن انهيار بنيان كامل من الوطنية والقومية التي غالباً ما كانت تحمي السوريين وترد عنهم العواصف الآتية من ثلاث جهات، او بالتحديد من ثلاثة حروب اهلية أحاطت بهم طوال العقود الأربعة الماضية.

كان الاعتقاد السائد، ولا يزال، ان سوريا الدولة والمجتمع مؤهلة لتفادي هذا الكأس المر ولتعلم الدروس التي لم يفهمها اللبنانيون او الفلسطينيون او العراقيون، ودفعوا ثمنها غالياً من امنهم واستقرارهم. وكان الإيمان الثابت بأن خطوط الفصل بين السلطة والمعارضة في سوريا لا تقوم على اساس طائفي او مذهبي، بل هي عابرة للطوائف والمذاهب، ونابذة للمؤسسات الدينية ورجال الدين الذين ظهروا في الأيام القليلة الماضية في اكثر من مناسبة مشبوكي الأيدي محطمي الفؤاد.

من دون سابق إنذار، صار كل اعتراض على سلوك الحكم عملاً طائفياً يؤدي الى الفتنة، وبات كل تأييد لسلوك الحكم موقفاً وطنياً يهدف الى منع اللعب في تلك المنطقة الحرام. كانت هناك مؤشرات على أن الأحوال الطائفية في سوريا ليست على ما يرام، وهي تدهورت في الأعوام القليلة الماضية، لكن احداً لم يدرك ان الشرخ وصل الى حد يستدعي الاستعانة بالمظاهر اللبنانية السيئة الذكر عن التعايش بين «العائلات الروحية» وعن الرسالة الجميلة للوطن الواحد، او انه يمكن ان يصل الى حد الاقتناع بأن لبنان لم يكن مجرد مقر لكنه ايضاً ممر للفتنة التي عبرت الحدود.. مع أن البلدين كانا طوال الفترة الماضية تحت ادارة واحدة لم تخرقها سوى بضع سنوات لا تقاس في عمر الزمن اللبناني السوري المشترك.

عبور الفتنة للحدود لا يعني فقط انها استقرت في البلدين معاً، لكنها ايضاً باتت تتطلب حلاً واحداً للشعبين وللدولتين. وهنا ايضاً لا يمكن الاعتماد على الأخ الأصغر لكي يجترح المعجزة التي عجز عن تحقيقها طوال السنوات الـ35 الماضية، حتى صارت فتنته رمزاً للترهيب من اللبننة في جميع انحاء العالم. ثمة مسؤولية عن إشعال الفتنة وعن تنقلها عبر الحدود، لا بد من تحديدها اولا، قبل الشروع في البحث عن مخارج منها بغير الطريقة اللبنانية التقليدية وبغير الطريقة العراقية الحديثة.
الأنظار تتركز الآن على سوريا، مثلما تركزت في الامس القريب على مصر، لكي يعثر مجتمعها، قبل نظامها، على سبيل يمنع الشعبين اللبناني والسوري معاً من السقوط في مستنقع الفتنة، والتعامل مع الوحدة الوطنية باعتبارها من المسلمات التي لا تحتاج الى براهين، ولا الى صور لبنانية محطمة، او مسؤوليات لبنانية مفتعلة، والبدء بتقديم المشروع الوطني والمدني الذي يصلح للبلدين معاً او يغرقهما سوياً في معارك يمكن ان تكون المعارك العراقية مجرد نزهة بالمقارنة معها.
هي المرة الأولى منذ الاستقلال او الانفصال، التي تتفاعل فيها ازمة الوطن اللبناني والسوري وتتشابك الى هذا الحد.

السابق
أرسلان: يجب ان تكون لنا حقيبة محترمة وإلا فلا يحسبوا حسابنا بشيء
التالي
ما بين دمشق و”المستقبل”: خيط سعودي رفيع