“الشرق الاوسط”: حذر إعلامي في تغطية أحداث سورية.. بعد الحماسة في تغطية مصر والبحرين وليبيا

كان للثورات العربية وقع مختلف في لبنان، عن وقع الأحداث التي جرت في سورية خلال الأسبوع الماضي، باعتبار أن الحدث السوري يتصل مباشرة بالوضع اللبناني، في ظل وجود معسكرين؛ أحدهما حليف لسورية إلى درجة تجعله قادرا على «تقديم النصائح» لها في إدارة ملف «الاضطرابات»، والآخر مناوئ لها لكنه يتعامل مع الملف على طريقة المثل اللبناني القائل «ابعد عن الشر وغني له»، ولهذا لم تجد «الثورة السورية» من يدعمها في لبنان ولو إعلاميا.
وتعامل الأعلام اللبناني مع أحداث سورية بكثير من الحذر. وعلى الرغم من اختلاف الانتماءات السياسية للقوى الداعمة لوسائل الإعلام هذه، فإن القاسم المشترك الوحيد بينها كان التعاطي الخجول مع الأزمة السورية، خلافا للأحداث الأخرى التي ألمت بالعالم العربي، بدءا من تونس، ومرورا بمصر وليبيا والبحرين واليمن. إذ اتخذت وسائل الإعلام اللبنانية في تلك الأحداث واحدا من موقفين، التعاطي الخبري – كما هو حال وسائل الإعلام القريبة من قوى «14 آذار» – أو خوض المعركة كما حصل مع قوى «8 آذار»، أي حزب الله وحلفاؤه الذين خاضوا معارك تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين كحلفاء لـ«الثوار»، مع اختلاف في التعاطي بين مؤيد ومتبنّ للقضية، كما فعل تلفزيون «إن بي إن» القريب من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، حيث فتح الهواء لمعارضي النظام الليبي بصفته «عدوا مشتركا» إذ يتهمه شيعة لبنان بإخفاء مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السيد موسى الصدر خلال زيارة إلى ليبيا في عام 1978، فتحولت المحطة إلى ناطق باسم المعارضة الليبية.
أما في ما يتعلق بالبحرين، فقد كان العامل الطائفي واضحا في تعاطي وسائل الإعلام اللبنانية مع الحدث، من قبل تلفزيون «المنار» التابع لحزب الله، الذي كان يتابع أحداث المنامة دقيقة بدقيقة من وجهة النظر المعارضة.

وأتت أحداث سورية لتصيب وسائل الإعلام المحسوبة على «8 آذار» بالصدمة. ففيما تجاهلت هذه الوسائل الأحداث في بداية الأمر، عادت لتتبنى وجهة نظر النظام السوري عبر الحديث عن «مندسين» و«أياد خارجية». وفي الواقع فإن هذه الوسائل وحدها تستطيع أن تبعث بمراسلين إلى سورية، أما غيرهم فهو يضطر للاعتماد على وكالات الأنباء العالمية، فتأتي أخبارهم أقرب إلى الأرض، لكنها تحاكي وسائل الإعلام الرسمية السورية في المضمون، أما في الشكل فتقترب من وسائل الإعلام اللبنانية. ومن يغامر، فقد يناله ما نال فريق «رويترز» فقد سحب اعتماد المراسل في دمشق، أما فريق الدعم اللبناني للوكالة فقد تعرض لعملية «فقدان اتصال» لدى عودته إلى بيروت.

أما وسائل الإعلام المحسوبة على «14 آذار» فقد تجنبت الظهور بمظهر الشامت أو المحرض، خصوصا مع تواتر الاتهامات الموجهة إليها بالتحريض والكلام عن توقيف لبنانيين في دمشق كانوا يحرضون على النظام وعلى حزب الله. وقال رئيس مجلس إدارة صحيفة «الأخبار» القريبة من حزب الله، إبراهيم الأمين في مقالة نشرها، إن بعض قوى «14 آذار» يساهمون اليوم في دعم ما وصفه بـ«أعمال مدفوعة الأجر» في بعض المناطق السورية، قائلا إنه «تبين لجهات عليمة تورّط شخصيات من فريق الرئيس سعد الحريري في الشمال والبقاع بتمويل أنشطة تركز على حصول تحركات تستهدف حزب الله في سورية، ولا سيما بعدما تردد أن ثلاثة شبان سوريين قالوا إنهم تلقوا أموالا من ناشطين في تيار المستقبل مع كمية من صور (الأمين العام لحزب الله) للسيد حسن نصر الله، وطلب منهم إحراقها خلال تجمع كان مقررا في منطقة سورية قريبة من الحدود مع لبنان». وفي المقابل، تحدث «المنار» عن اعتقال أشخاص لبنانيين وتم ضبط عدد من السيارات تحمل أرقاما لبنانية، مشيرا إلى وجود استياء في الأوساط السورية ممن دأب على استهداف سورية خلال الأعوام السابقة.

وذهب الأمين إلى حد «التفريق بين المتآمرين وأصحاب المطالب المحقة»، مشيرا إلى أن «هناك قسما آخر من المعنيين بالتحرك داخل سورية، يجب التعامل معهم بطريقة مختلفة». وقال: «على النظام هناك، قبل أي أحد آخر، النظر إلى المطالب المشروعة لهؤلاء ووجوب تلبيتها، من خلال توسيع دائرة المشاركة في الحكم، ومكافحة الفساد والترهل، وإلغاء منطق المحسوبية وإزالة القمع الأمني، وجعل الحريات شرطا للحياة الحرة الكريمة». واعتبر أنه «يمكن للنظام في سورية الاستفادة من نقطة مهمة، وهي أن المطلوب تحقيق نقلة تطويرية نوعية، وخصوصا أن الرئيس بشار الأسد ليس في موضع كراهية من شعبه، وأن موقف الحكم من الصراع مع إسرائيل يلبي الحاجات الوطنية السورية لكل الشعب السوري. كذلك، فإن عدم خضوعه للسياسات الأميركية والغربية، وتحمله تكلفة المقاومة لها، يحاكيان الوطنية السورية، ولطالما شعر المواطن السوري بفخر أكثر من غيره من أبناء شعوب المنطقة». وفيما يقول الأمين إن «بشار الأسد في هذه اللحظة مختلف عن نظامه»، يشير إلى أن «غير الراغبين أبدا في إصلاحات على يد النظام الحالي، ولا يعتقدون أن الأسد قادر على القيام بذلك، بينهم نسبة غير صغيرة من الناس الذين اختفوا لسنوات طويلة داخل منازلهم أو في المهجر، بينما هناك فريق آخر، لديه نفوذه القوي الآن خارج سورية إعلاميا وسياسيا، وهو الفريق الذي كان شريكا للحكم في إدارة الوضع المشكو منه. وهؤلاء هربوا من سورية ضمن خطة عمل قضت بأن يؤلفوا فرقة عمل تستهدف تخريب الوضع في سورية، والتشجيع على تحركات تهدف إلى انقلاب على مستوى الحكم».

السابق
تدريبات إسرائيلية في مزارع شبعا
التالي
احزاب طائفية وإسقاط النظام الطائفي