لماذا استهداف ليبيا وليس إســرائيل؟!

في التاسع من نيسان عام 1986، استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان أقذع الألفاظ لمهاجمة الرئيس الليبي معمر القذافي، ثم شنت القوات الأمريكية سلسلة من الهجمات الجوية ضد طرابلس، وتحديداً مقر إقامة الزعيم الليبي بهدف قتله، لكن ريغان فشل حينها في بلوغ ما يشتهيه. الآن جاء دور أوباما ليحاول النجاح بما فشل فيه سلفه وتبدو واشنطن مصممة على الاستمرار في عدوانها والنيل من القذافي مهما كلف ذلك من دماء الليبيين.
لكن في الحقيقة، هناك خطر أكبر يتهدد الشرق الأوسط برمته أكثر مما يحدث الآن، إنه الخطر الإسرائيلي. وناهيك عن احتلالها غير الشرعي لفلسطين ومعاملتها الوحشية وجرائمها بحق المدنيين الفلسطينيين واضطهادها للعرب داخل الأراضي المحتلة 1948 وتهديدها وعدوانها على الدول المجاورة لها، فإن خطتها بعيدة الأجل تتركز على تقسيم منطقة الشرق الوسط بأكملها إلى أجزاء أصغر وفرض هيمنتها عليها.

إن أسوأ سيناريوهات الكابوس المرعب الذي تحلم إسرائيل بتحقيقه منذ قيامها عام 1948 يتجلى في تقسيم الدول العربية الحالية إلى دويلات و"بلقنة" المنطقة على أسس عرقية وإثنية وطائفية تتيح لإسرائيل فرصة ذهبية لتهيمن على المنطقة بشكل مطلق. وجاء احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية عام 1967 ليضيف حلقة جديدة إلى المخطط، وكذلك الأمر في اجتياح لبنان عامي 1978 و1982 مستخدمة كل ما بحوزتها آنذاك من أسلحة من أجل إضعاف دول الطوق عسكرياً من أجل الوصول إلى هدفها النهائي المتمثل بتقسيم الدول العربية إلى دويلات طائفية وعرقية ضعيفة تتيح لإسرائيل فرصة السيطرة على المنطقة برمتها.

لكن عوضاً عن معاقبة إسرائيل على عدوانها المتواصل ضد الفلسطينيين والعرب وعوضاً عن الضغط عليها، مثلاً، لفك حصارها القاتل على غزة وفرض منطقة حظر جوي فوقها لمنعها من قتل مزيد من الأبرياء الفلسطينيين يومياً، تقوم واشنطن بتقديم مزيد من الأموال والأسلحة لإسرائيل وتدعم قتلها لمزيد من الأبرياء وذلك بالدفاع عنها في كل المحافل الدولية ومنع أي محاولة للنيل منها.

نتيجة لذلك، أصبحت إسرائيل "إسبارطة" هذا العصر، يمكنها تحريك 600 ألف جندي في 72 ساعة مزودين بأفتك أنواع الأسلحة التي يعرفها الإنسان من أسلحة نووية إلى تقليدية، إضافة إلى دعم غربي سياسي يغطي أي جريمة إسرائيلية مهما كانت قذرة. ومن أجل إنشاء جيل من الشباب الأعمى الذي لا يسأل لماذا يقتل، تقوم إسرائيل بإعداد جيل جديد من المقاتلين الشباب في إطار عملية إعداد أطفال صغار ليكونوا جنوداً يقتلون باسم إسرائيل ومقتنعين بأهدافها.
هكذا تعلم إسرائيل أبناءها
في إطار تحقيق ذلك، يتم تعليم أطفال إسرائيل وشبانها أن يصلوا لقناعة تامة الآن بأن أفضل الوسائل لحل المسائل السياسية تأتي من الحروب واستخدام العنف. إن نظامهم التعليمي يركز على هذا ويجعل جنود الاحتلال يأتون إلى صفوفهم ليؤكدوا لهم ذلك. إضافة لذلك، تحول إسرائيل ضباط جيشها المتقاعدين إلى مدراء لمدارس أطفالها حتى يجعلوهم يتشربون كراهية العرب منذ نعومة أظافرهم، حيث يملؤون جدران المدارس بعبارات معادية للعرب تحض على كراهيتهم. وإذا لم يتشبع الأولاد بكل هذه الكراهية الممنهجة، يأخذ مدراء المدارس التلاميذ ليزوروا أضرحة الإسرائيليين الأوائل ليروا "بطولاتهم" التي قاموا بها وأنتجت آلاف القتلى من العرب.
كما تعكس الكتب المدرسية في إسرائيل هذه العقلية العسكرية، من دور الحضانة إلى التعليم الثانوي في إطار برامج تديرها الدولة مباشرة فيما يسمى "الإعداد من أجل الانضمام إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي." حيث نرى فيها شرحاً مفصلاً للتدريبات العسكرية وتمجيداً "للأبطال والفاتحين" وبالوقت نفسه إظهار العرب على أنهم أسوأ أنواع البشر في عملية تحريض رخيصة على الكراهية.
إن الإسرائيليين يقومون بتعليم أبنائهم منذ نعومة أظافرهم من أجل إعدادهم ليكونوا عسكر الجيل القادم في مسلسل لا نهاية له. في الحقيقة، إن تربية الأطفال في أجواء الكراهية والعدوان هذه، تجعلهم مستقبلاً مستعدين للذهاب إلى الحرب دون أي تردد أو حتى تساؤل حول شرعيتها.

وكنتيجة لهذه التربية العدوانية، يدفع الفلسطينيون ثمناً لا يحتمل في ظل الاحتلال الإسرائيلي. فهم عرضة وبشكل يومي لكل أنواع الموت والمهانة والذل والاعتقال التعسفي والترحيل والتعذيب والفقر المدقع والبطالة، إضافة إلى انتهاكات إسرائيلية روتينية لحقوقهم الأساسية كبشر، ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح تام، مما يجري نتيجة حصار غزة والموت البطيء الذي يحل بالفلسطينيين.
يوميات "ديمقراطية" إسرائيل في الأراضي المحتلة
وما يزيد في ألم ما يحصل أن إسرائيل تمارس كل أنواع الجرائم بحق الفلسطينيين وهم يتمتعون بحصانة لا يمكن لأحد أن يحصل عليها. فمن الولايات المتحدة تحديداً، لا يمكن أن نسمع كلمة قاسية بحق أفظع جرائم إسرائيل، ناهيك عن الإدانة أو الدعوة لتطبيق عقوبات بحقها أو فرض منطقة حظر جوي فوقها لمنعها من ارتكاب مزيد من المجازر بحق الفلسطينيين والعرب. يكفينا فقط أن نعرف أنه خلال الفترة من 10 إلى 16 آذار الحالي قتلت الطائرات الإسرائيلية عاملين فلسطينيين وجرحت آخرين ودمرت ثلاثة أبنية مدنية.

وبالفترة نفسها هاجمت قوات الاحتلال مظاهرات سلمية في الضفة الغربية المحتلة بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي واعتقلت اثنين من نشطاء حقوق الإنسان الدوليين، إضافة إلى شنها لـ 47 غارة على المدن الفلسطينية واعتقال 66 فلسطينياً بينهم ستة أطفال. وفي الضفة الغربية أيضاً في 17 آذار وبموافقة حكومة الاحتلال شن المستوطنون في إطار ما سموه "يوم الغضب" هجوماً دموياً ضد المدنيين الفلسطينيين مستخدمين كل ما وصل إلى أيديهم من حجارة وزجاجات مولوتوف حارقة وأضرموا النيران في منازل الفلسطينيين وسياراتهم وحتى جراراتهم الزراعية.جُرح كثير من الفلسطينيين نتيجة هذا الاعتداء إضافة إلى اقتلاع مئات من أشجار الزيتون الخاصة بهم على أيدي المستوطنين المسلحين وجنود جيش الاحتلال .

في 14 آذار طعن مستوطن إسرائيلي قرب الخليل مواطناً فلسطينياً ودمر مستوطنون آخرون محلاً تجارياً وسيارة بالقرب منه. في 20 آذار دهس مستوطن عمداً طفلاً فلسطينياً في الحادية عشرة من عمره فيما كان متوجهاً لمدرسته. إضافة لذلك، أعلنت إسرائيل في اليوم نفسه عن بناء 500 وحدة استيطانية جديدة، وكثفت حملتها في تهديم منازل الفلسطينيين.
في 21 آذار هاجمت المقاتلات الإسرائيلية وقصفت مواقع مدنية في غزة ما أدى لجرح 15 مدنياً بينهم امرأتان وطفلان. كما دمرت الهجمة الإسرائيلية عشرات المنازل وسبعة محال تجارية والعديد من السيارات ومبنى بلدية وورشة حدادة ومنشأة لمعالجة النفايات البلاستيكية. والقائمة تطول في مسلسل جرائم إسرائيل المتواصلة بحق الفلسطينيين تحت مرأى العالم ومسمعه ودون أن يحرك ساكناً.
هل هناك مزيد من الحروب الإسرائيلية؟

على مدار 44 عاماً كانت الحوادث والجرائم الإسرائيلية آنفة الذكر تجري وبشكل روتيني في المناطق المحتلة، وأصبحت جزءاً من الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال، لكنها تعكس في الوقت نفسه وحشية ودموية المحتل الإسرائيلي، وبدلاً من إدانتها والعمل على وقفها، بقيت واشنطن تكافئ القاتل وبكرم منقطع النظير، فيما تهب بكل "نخوة" للدفاع عن الشعب الليبي ضد ما تسميه قمع النظام!! لكننا جميعاً ندرك أن حس الولايات المتحدة الإنساني لا يعمل بشكل لائق إلا إذا كان هناك ربح في أي موقف سياسي أو سواه، أليست هذه هي الحال دوماً؟!!

ودائماً ما يكون الغطاء الإعلامي من أباطرة إعلام الغرب في خدمة ألة الحرب الأمريكية والإسرائيلية، وبالنسبة لهم فإن عدد القتلى المدنيين مهما عظُم لا يهم، طالما أن مصالح واشنطن وحلفائها تتحقق في النهاية ولا يتم التطرق إلا ما ندر إلى الضحايا والدمار. وبالتالي لا يجد الفلسطينيون أمامهم خياراً سوى الانخراط في انتفاضة ثالثة متأثرين بما يجري الآن في المنطقة، ولسان حالهم يقول كما نشروا على موقع فيس بوك في بداية آذار: "سيتم تحرير فلسطين وسنقوم نحن بتحريرها."
خلال أيام قليلة اجتذبت صفحة الانتفاضة الثالثة على فيس بوك أكثر من 140 ألف مؤيد، وتعاظمت المسألة لتضم مزيداً من الفلسطينيين والنشطاء من مختلف أنحاء العالم دعماً لحق فلسطين بالحرية.

تعليق أخير
في 22 آذار أصبحت لدى الفلسطينيين أسباب أكثر للانتفاض ضد إسرائيل بعد أن وافق ما يسمى الكنيست على قانونين عنصريين آخرين، يشرّع أحدهما التمييز العنصري و يمهد الطريق لطرد من تبقى من الفلسطينيين داخل حدود الأراضي المحتلة عام 1948. أما القانون الآخر، فقد تمت تسميته بقانون "النكبة" يخول السلطات الإسرائيلية تضييق الخناق على السكان العرب لجعلهم يندفعون للهجرة خارج فلسطين المحتلة، وقد سمي القانون بذلك الاسم لأنه يمنع الفلسطينيين من تخليد ذكرى اغتصاب وطنهم على يد العصابات الإسرائيلية!! فهل هذه هي الديمقراطية التي يصم الغرب آذاننا بها كل يوم!!
بالطبع إسرائيل ليست دولة ديمقراطية، وهي لم تكن كذلك في يوم من الأيام. إنها ديمقراطية فقط بالنسبة لمجموعة ضيقة من اليهود الأشكناز، وهي ديمقراطية تشبه الديمقراطية الأمريكية المخصصة للنخبة الأمريكية فقط، بينما على الآخرين ممن يعيشون في ظلها تدبر أمرهم في الحياة على هامش الديمقراطية، وفي كلا البلدين الإعلام لا يعير بالاً لهذا الأمر!!
(ترجمة سليمان حسون -البعث السورية)

السابق
العنصريّة الإسرائيليّة… أبعد من ليبرمان
التالي
ماروني: أي طرف لبناني ليس له علاقة بما يحصل في سوريا لأنه يكفينا ما نحن فيه