العنصريّة الإسرائيليّة… أبعد من ليبرمان

ليس أفيغدور ليبرمان وحده المسؤول عن السباق الماراتوني لسنّ القوانين العنصرية؛ بل هي الحال الإسرائيلية عامةً، والكنيست خاصة، الذي أصبح أرضاً خصبة لتمرير هذه القوانين؛ ليبرمان لم يزرع العنصريّة بل يجني ثمارها

يدور في الأفق الإسرائيلي اليوم اسم أفيغدور ليبرمان على أنَّه قائد العنصرية. نال ليبرمان الشرعية من صناديق الاقتراع التي منحته في 2009 مركز القوة الثالثة بعد «الليكود» و«كديما». فضّل ليبرمان حزب «الليكود» ورئيسه بنيامين نتنياهو على «كديما» ورئيسته تسيبي ليفني، فصار نتنياهو رئيساً للحكومة، وليبرمان الشخص الأقوى فيها ونال شرعية الحكومة والعالم؛ حتى أنَّ مجلة «تايم» الأميركية اختارته واحداً من أكثر 100 شخصية مؤثرة في نيسان 2009 دون اختيار نتنياهو أو وزير دفاعة إيهود باراك.

لكن رغم ما يتناقله العالم عن ليبرمان، فهو ليس قائداً سياسياً خارقاً. حجمه السياسي أقل بكثير من حجمه الإعلامي. لا يتمتع بكاريزما قيادية ولا حتى بقاعدة جماهيرية ثابتة، بمقدار ما يتمتع بتصريحات مثيرة للجدل تختلف مع الرؤية المعلنة لحكومته على قاعدة «خالف تُعرف»، ليجد نتنياهو نفسه مضطراً إلى التنصل منها بطريقة غريبة حين يقول إن موقف الوزير ليبرمان لا يمثّل موقف الحكومة.
تاريخ ليبرمان السياسي قصير، لا يُشبه قادة الدولة العبرية ولا يذكّر الجمهور بجيل المؤسسين. لا يحمل ماضياً عسكرياً، ولا دور له في حروب إسرائيل الكبرى. لغته العبرية ثقيلة ورؤيته السياسية مستنسخة. تحدّثت مصادر عن انتمائه سابقاً للحركة العنصرية «كاخ» ومن بعدها لـ«الليكود». كان مديراً للحركة قبل أن يعيَّن رئيساً لمكتب نتنياهو في 1996. انتقل من تحقيق إلى آخر، واستقال من منصبه في 1997، ومن هناك بدأ مشواره السياسي والجنائي، فهو لا يزال مشتبهاً فيه بقضايا فساد مالي تهدّد منصبه.

ويُخطئ من يعتقد أنَّ ليبرمان هو جذور العنصرية في إسرائيل، هو يستهلك ثمارها. ليبرمان يعمل مثل قارئة فنجان تعرف أن الناس بحاجة إلى «بصيص أمل»، فتقول لمن يقابلها إنها ترى في فنجانه «ساحة فرَج». هكذا يفعل ليبرمان: ينظر إلى الشارع الإسرائيلي ويطرح برنامجاً أشدَّ يمينية من الموجود ليكسب الفلتان العنصري.

وإذا كان نتنياهو يريد دولة فلسطينية قريبة إلى «بلدية فلسطين»، فإن ليبرمان ضدّ هذه التسوية إطلاقاً. وإذا كانت الحكومات الإسرائيلية تقسّم أعداءها بين «متطرفين» و«معتدلين»، فإنَّ ليبرمان كان يهدّد نظام حسني مبارك وسلطة ابو مازن الفلسطينية. وإذا كان فلسطينيو 48 «خطراً استراتيجياً» بنظر الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، فإن ليبرمان يطالب بسحب مواطنتهم. كل فكرة يعبّر عنها ليبرمان، نواتها كانت حاضرة قبله.
القوانين والخطط العنصرية التي ينادي بها قديمة. خطّة تبادل الأراضي وردت منذ ستينيات القرن الماضي، حين اقترحها إيغال ألون في حكومة ليفي أشكول. وقضية التهويد هي علامة مسجلّة لـ«عمدة اليسار» الإسرائيلي شمعون بيريز الذي رسم خطتين: واحدة للشرق الأوسط الجديد، وثانية لتهويد الجليل والنقب، وتبنّت هذه الخطة حكومة آرييل شارون (العمل) في 2004 ومن بعدها الإدارة الأميركية. ما فعله ليبرمان اليوم هو إعداد هذه الخطط وطرحها للجمهور من جديد بصيغة «مغرية» أكثر.

ما يحصل اليوم، هو أن المهاجر الجديد استطاع أن يهجّن خطاباً يريد الناس سماعه في ظل غياب قيادة إسرائيلية قوية، وفي ظل وجود نواة شعبية لها قوّتها بين المهاجرين الروس. نتنياهو يبدو كأنه رئيس للجنة معينة لا لحكومة، هدفه إبقاء نفسه رئيساً عليها ويسير من فشل لآخر. لم يحقّق صفقة تبادل أسرى، ولا المفاوضات مع الفلسطينيين، ويقود المجهول في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. في مثل هذا الجمود، يهرب إلى المسار السوري لإحياء مبادرة السلام ليظهر كأنه قادر على تحريك المسارات الجامدة. وعلى الضفة الثانية، يقف وزير الدفاع إيهود باراك الذي دمّر حزبه، وأسّس حزباً جديداً لا احتمال لنجاحه.
ليبرمان يفرض قوّته مستغلّاً ضعف الآخرين. عندما عارض ليبرمان فك الارتباط في حزيران 2004، دعاه شارون إلى جلسة مستعجلة لإقالته. ليبرمان لم يأت، فأرسل له شارون الإقالة إلى معهد اللياقة البدنية حيث كان يتدرب هناك. وهذا ما لا يستطيع نتنياهو فعله.

يهدّد ليبرمان بالاستقالة أحياناً. لا مشكلة لديه في أن يترك الحكومة. في كلتا الحالتين هو الرابح. عند الحديث عن تسوية سيستقيل، ويعدّه الجمهور مبدئياً. وإذا بقي في الحكومة، فإنه «الرجل القوي» في الائتلاف.
إن وجوده حالياً في الحكومة هو منصة، يستغلّ من خلالها وزارة الخارجية لأغراض داخلية. يتشبث بكرسي الخارجية مع أنه لا يتمتع بكل الصلاحيات، فالعلاقات الأميركية ـــــ الإسرائيلية منزوعة منه بنحو غير معلن، ويديرها باراك ومقرّبو نتنياهو. أما الملفّ الأوروربي ـــــ الاسرائيلي فيديره شمعون بيريز. وفؤاد بن آلعيزر يدير المباحثات مع تركيا.

وزعيم «إسرائيل بيتنا» مرفوض في مصر والأردن ويزور دولاً مهمّشة بالإضافة إلى موطنه الأصلي روسيا، حيث يتمتّع باستقبال الملوك هناك. هذه هي ملفّاته. لكنه يرضى بالقليل ليكسب الكثير جماهيرياً.
العنصرية الإسرائيلية هي سلسلة من الممارسات المجتمعة. ليبرمان جزء منها لكنه ليس أساسها. وزير الخارجية لم يقف وراء رسالة الحاخامات التي نادت بمقاطعة العرب. ولم يكن من منظّمي مسيرة «بات ـــــ يام» التي صرخت «بنات إسرائيل لشعب إسرائيل». لم يكتب قرارات المحكمة العليا التي رفضت التماساً ضدّ قانون المواطنة العنصري. عدد أعضاء الكنيست في حزبه ليس كافياً لتمرير القوانين العنصرية. هو حالة استوعبتها الأرض الخصبة للعداء. وقوّته نابعة من عجز الآخرين.

السابق
في لبنان، إسقاط أيّ نظام؟
التالي
لماذا استهداف ليبيا وليس إســرائيل؟!