مدرسة “الاتيكيت” والمسلَّمات – الغلط

(خاص الموقع)

من وحي العيش اليومي مع أناس نختلف عنهم بتفاصيل جدّ صغيرة رغم أننا نشبههم إلى حد كبير، كوننا أبناء بيئة واحدة ومجتمع واحد ومشتركات إقتصادية وثقافية وتربوية واحدة نستقصي قصصنا المتناقضة.
فاللافت مثلاً أن بعض سكان الساحل قضاء الزهراني يصفون أبناء قرى الداخل قضاء مرجعيون (مثلاً)على أنهم أدنى منهم مرتبة، فأبناء العاصمة بيروت يتعاطون بكبر وتعال مع أبناء المناطق الأخرى خصوصا أبناء الأطراف كالشمال الهرمل والجنوب، وقس على ذلك… فأول ما ينطقون به هو "هم" و"نحن". والمضحك أكثر أن مساحة لبنان الصغير جدا نسبة إلى غيره من البلاد، لم تمنع التنوّع الإجتماعي فبات ابن جزين متميّزا بالنسبة لابن صيدا والعكس صحيح.
والهدف من هذه الإضاءة الخافتة على قضايا صغيرة، لم تعد تلفت أحدا، كوننا جميعنا مشغولون بقضايا أعم وأهم وأكبر، وليس أقلها التغييرات الحاصلة في المحيط العربي والفارسي، هو الإلتفات إلى بُنية مجتمعنا المتضاربة والمتعاكسة والمتضادة في معالجة قضاياها الاجتماعية والنفسية.
مثلاً: أقول عنها: أنا لا أحسد أحداً على فرصة مهنيّة راحت إلى غيري، لكني في داخلي أشعر بذلك.
.هي تقول عني: لا تستأهل رغم أن قلبها طيب.
.أنا: أكيد عملت إساءة ما فلذلك عاقبها ربنا.
.هي: لماذا الله مُسلط عليها؟
على هذا السياق أو النسق، كما يقال فلسفياً، تسير حياتنا.

ازدواجية!
من خلال فتحة صغيرة ننظر داخل مجتمعنا نرى الإزدواجية اللغوية التي نعانيها جميعاً، ولا أحد بريء منها، أحدهم يقول أمام مجموعة مؤيدة لـ 14 آذار: "حقيقة، من الضروري أن تستمر المحكمة حتى لا نخسر سمعتنا دوليا، لكن لنتفق"، وفي لحظة أخرى يلتقي فرقة 8 آذار فيؤكد:"أن المحكمة صناعة دولية لمحاسبة المقاومة، لكن لماذا لا يُساير المقاومة الفريق الآخر لأجل تسهيل الحل". ومن الواضح أن الرأي والرأي الآخر شبيهان من حيث عدم جزم أو إتخاذ موقف حاد وصلب مع طرف ضد طرف.
.على الضفة الإجتماعية نرى الحَمَاة تنتقد كِنتها المُسرفة، والتي لا تكلّ ولا تملّ من شراء الثياب والماكياج والإكسسوار والجزادين التي توردها لأمها وأختها قبل أن تتزين بها، في حين أنها ترى أن إبنتها جيدة (منيحة) مع أختها "وتُعيرها ثيابها، فهنّ أخوات، ويجب أن يكنّ على علاقة جيدة مع بعضهن البعض".
.الكنة ترفض مساعدة حَمَاتها في تحضير المونة قائلة: "لماذا لا تطلب من بناتها مساعدتها؟ وهل أنا لوحدي آخذ من عندها مونتي؟
.الجارة تسأل جارتها:"إلى أين مع الصباح يا جارتي؟ تقول الجارة الأخرى:" ذاهبة الى السوق لشراء بعض الأغراض". لكن الجارة الأولى لها رأي آخر وهو:" إنها ذاهبة لزيارات "صبحيات"، فما أن يذهب زوجها إلى شغله، تنطلق هي وراءه للزيارات وشرب القهوة".
.في مشهد آخر: الجارة الثانية نفسها تخرج من باب المنزل قائلة للعاملة: "لا تقولي لأحد أني ذاهبة في صبحيّة قهوة، سأرجع قبل أن يعود زوجي من الشغل، حضّري الغداء، لأني سأزور بيت أخي بعد الظهر حيث سيكون قد رجع من عمله، فزوجته المصون تقضي نهاراتها في زيارات وجولات صباحية".

ليلاً – نهاراً
.فتاة رقم (1) تخرج ليلا مع صديقها، تشاهدها جارتها: "بتروح وبتجي ما حدا بيحاسبها".
.ابنة الجارة(2) وهي صديقة الفتاة رقم(1) تخرجان ليلا معا بحجة العشاء في أحد النوادي الترفيهية، لكن كل واحدة تذهب في طريق مع صديقين مشتركين ربما.
.الأب عائد من العمل، تطل الجارة من على شرفتها لتقول:" يشتغل نهاراً وليلاً حتى يؤّمن للست مصروفها، فهي لا تترك منزلا يعتب عليها".
.زوجة الرجل العامل تخاطب زوجها:"أُنظر إلى جارتنا يحضر المال إليها أكواما على عكسي أنا، فزوجها وأولادها لا يدعونها تحتاج لشيء، فكل ما تطلب مؤمن لها".
.شابة تحبّ شابا، يلتقيان، تحوم حولهما عيون المُهملين المتروكين من الجنسين، الذكور يحسدونه عليها والإناث يحسدونها عليه، والعاشقان يتشاجران يوميا، ويبحثان عن راحة شبيهة براحة هؤلاء المراقبين، ويحسدون العصافير المغرّدة في الطبيعة على نعمة الحرية.

عداوة "كار"
.رئيس التحرير في جريدة يقبض ألفا دولار يحسد محرر يتقاضى 500 دولار، ويعتبره ميسورا لكونه غير مسؤول عن أية ارتباطات، في المقابل يلعن صاحب الـ500 دولار ذي الـ2000 دولار قائلاً: "ينام بكل طمأنينة يومياً لأن يؤّمن إحتياجات أُسرته".
.تكتب هي لإحدى الصحف اليومية "على القطعة"، وتتقاضى مبلغا ضئيلا، لكن الجميع يقرأها ويناقشها بما كتبت، في حين يكتب هو في عامود يومي في جريدته لكن أحدا لا يتصل به. هو وهي حزينان، هي تطمح لكرسي مكتبه، وهو يطمح لنشاطها المميز.

(كادر)
"هو – هي"
.هي تراه كل يوم في أحلامها، هو يمرّ كل يوم من أمامها، لكنهما لا ينطقان ولا ينبثان ببنت شفة لماذا؟ هي تقول أنا حرّة، لكن يجب أن يبدأ هو بالكلام، هو يقول أن أعرفها وأعرف أنها جريئة، فلماذا لا تكلمني لو أرادت ذلك؟
.هو يكتب في صحيفة يومية، لكنه "غير محزّب" أو منضو تحت قناع حزبيّ لأن قوته في قلمه، لكنه غيّر خطوطه الآيديولوجية بعد رحيل صديقه، فبات حراً طليقاً يسقط هنا وهناك، ولا يخاف سياط النقد.
.هي تأتي كل يوم الى مكتب زميلتها لتحدّثها عن حبيبها الجديد، لكنها لا تعلم أن صديقتها هذه كرهت ونفرت من هذا الحبيب وصداقته، وترغب لو تعلن لها هذا الكره وهذا الحقد.
.هي تخاف من أن تصبح إمرأة عجوزاً لا أحد يزورها أو يسأل عنها، سافرت في رحلة استجمام، لكنها عادت بعد أشهر معدودة إلى غرفة هربت من وحدتها وألمها، وعادت لتقيم وإلى الأبد بجوار رفيقتها الهاربة أيضاً من جحيم الوحدة والتعب.

المسلمات – الغلط
قصصنا هي حياتنا، هي عيشنا اليومي الذي نُتقنه دون أن يُعلمنّا إياه أحد. نتصرف به دون أن يُدخلنا أهلنا إلى مدرسة الإتيكيت، نتوارث الأفكار والحُكم على الآخرالذي يكون عادة من الثوابت مثل: الحماة لئيمة، الكنّة مُسرفة، البنت حنونة، الشاب تابع لزوجته، الزوج جالب المال، ألوِرْثة للصبيّ، الخدمة للبنت، الجارة حسودة، العمّة لا تُحبنا، الخالة تحبنا كثيراً، المسايرة هي الدواء، العلْم سلاح بيد البنت، الشاب لا يُعيبه شيء، الرجل لا يتألم، البكاء والحداد للمرأة، المدير دائماً على حق، الحُبّ من الأسرار، جمع المال حماية، الأب مهمل، الأم هي المركز، الشكوى لغير الله مذلّة، الحق نناله في الآخرة، الصمت للمرأة والكلام للرجل، السياسة للرجل والتجميل للمرأة، المسيحي مُرتب، والمسلم وسخ، المسيحي كريم والمسلم بخيل، ابن المرجع مرجع، وابن الرئيس رئيس، وابن الزبال زبال، وابن البيك بيك…
وإلى ما هنالك من مسلمات تسير ببطء، تُنمّطنا فنكاد لا نشعر بها، بل إننا وإن رفضناها، إلا أننا نسير على دربها طائعين صاغرين.
 

السابق
الطقس غدا قليل الغيوم مع ارتفاع ملحوظ في الحرارة
التالي
عون التقى السفير الصلح..ويترأس بعد ظهر اليوم الاجتماع الاسبوعي للتكتل