الثورة العربية: السُنة، الشيعة واختبار البحرين

التمييز الحاد بين السُنة والشيعة في الشرق الاوسط مغلوط مثل معظم التعميمات الاخرى. وهو يشبه محاولة تفسير سلوك المسلمين حسب ما ورد في القرآن او تفسير سلوك اليهود حسب ما كتب في التوراة.
قسم هام من المتدينين في كل دين برغماتيون، يحافظون على الفرائض من دون أن يكون كل ما كتب في الكتب المقدسة بالنسبة لهم مرشدا للسلوك. الى جانب المحافظين على الفرائض يوجد هناك من يتساومون، ويحافظون فقط على قسم من الفرائض او يرون في كل الطقوس امرا مغلوطا.

انتماؤهم الى هذا الدين او ذاك لا ينبع الا من حقيقة أنهم ولدوا لابوين يتماثلان معه، وحتى لو كانوا لا يتنكرون لهذا الانتماء، فانهم لا يستبدلون دينهم ولا يستفزونه في ميدان المدينة. وهم لا يولون له أي صلة تتعلق بالمبادئ التي توجههم في حياتهم.

وعلى الرغم من ذلك لا يمكن التنكر لاهمية الدين في كل ما يتعلق بالتعريف الذاتي، الولاء الجماعي، تطلعات توسيع التحكم، وكنتيجة لذلك ـ المواجهات.
لا ريب أن المسيحيين في الشرق الاوسط في ضائقة. فهم مطاردون من المسلمين في بعض من الدول، والكثير منهم يهاجرون الى اماكن اخرى في العالم، تلقى مسيحيتهم فيها القبول (وان لم تكن بالضرورة عروبتهم).
المواجهة بين السنة والشيعة تصبح أكثر فأكثر معنى في الشرق الاوسط، ووجدت تعبيرها اساسا في اماكن توجد فيها أغلبية شيعية، او مجموعة شيعية ذات مغزى، حيال اقلية سنية مسيطرة. في كل مكان كهذا يؤيد الغرب السنة، وبشكل عام ـ نحن أيضا.

في حديث مع وزير الخارجية المصري حتى وقت أخير مضى، احمد ابو الغيط، قلت له إن لمصر ولاسرائيل مصلحة مشتركة في صد الهلال المتطرف من الشمال. فسأل: «أتقصد الهلال الشيعي؟» ترددت للحظة. لم اعرف اذا كان ابو الغيط سيرغب في تناول المواجهة السنية ـ الشيعية أمام أجنبي، واذا كان صحيحا من ناحيته أن يسمي الامر بهذا الاسم. ولاحظ ترددي فقال: «هذا هلال شيعي خطير علينا جميعا صده».
نقطة الفصل، من دون ريب، كانت الثورة الاسلامية في ايران، وسيطرة رجال الدين الشيعة عليها. معظم المسلمين في ايران هم شيعة، وان كان فيها أديان غير قليلة اخرى. انتصار الخميني منح العزة للعديد من الشيعة، القاسم المشترك بينهم كان الاحساس بقمع السلطات السنية.
اقامة «حزب الله» في لبنان على خلفية سيطرة اسرائيل في جنوب لبنان نبعت ايضا من احساس الاستهتار والاستغلال الذي يعود لسنوات طويلة من جانب المسيحيين والمسلمين السنة، والعلاقة بين الحزب والحكم الجديد في ايران كانت فورية. لسنوات طويلة كان دارجا رؤية تعاظم «حزب الله» انجازا خارجيا لايران تحت حكم الخميني وخلفائه، ممن اطلقوا ايديهم ايضا نحو دول اسلامية اخرى، من دون نجاح.
الولايات المتحدة، بغير قصد، منحت ايران انجازا اضافيا، في شكل ازاحة عدوها اللدود، صدام حسين، واقامة نظام تمثيلي في العراق، يمنح تعبيرا كاملا للاغلبية الشيعية. واضح أن حرب الولايات المتحدة في افغانستان أيضا ساعدت ايران، التي ترى في «طالبان» عدوا صرفا.
مع الانصراف الاميركي القريب من العراق وافغانستان، من المتوقع لايران الشيعية أن تتمتع بتوسع مفعم بنفوذها بشكل كبير. واضح ان النظام لا يكتفي بتعزيز محافل شيعية في المنطقة، ويحاول توسيع نفوذه ايضا الى محافل سنية، مثل «حماس»، تحتاج الى مساعدته ومستعدة لان تبتلع حقيقة كونه شيعيا.
تأثير ميدان التحرير
تأثير ميدان التحرير على محافل مختلفة في العالم العربي لم يقفز عن الشيعة في الدول العربية. ولكن اذا كان في دولة مثل السعودية يدور الحديث عن أقلية، ففي مملكة البحرين الصغيرة يقترب نصيبهم من 70 في المئة، وقد سبق أن وقعت مواجهات غير قليلة بينهم وبين المملكة السنية.
البحرين قريبة من ايران، التي يوجد لها فيها مطالب اقليمية، ويوجد فيها نفط (آخذ في النفاد) والمنيوم. بعض من الشيعة فيها يرون أنفسهم منخرطين في المملكة، يؤدون فيها أدوارا مركزية في الحكم وفي القطاع الخاص، ولكن بعضهم يشعر بجور عميق، وقد رأوا في اليقظة العربية الاخيرة فرصة يجدر الارتباط بها.
بطبيعة الحال سارعت ايران نحو هذا التطور ولن يكون مفاجئا اذا ما تبين أنها تساعد الشيعة الثائرين ضد المملكة السنية.
فجأة تصبح البحرين، التي بشكل عام لا توفر عناوين رئيسة في الصحف العالمية، نقطة احتكاك سنية ـ شيعية حرجة تؤدي الى تدخل سعودي وقطري نادر.
البحرين هي مجموعة جزر صغيرة، كانت بيد البرتغال على مدى مئات السنين، سيطر عليها الفرس واحتلتها عائلة آل خليفة في 1883. وانطلاقا من الخوف من الدول الكبرى في جوارها، توجهت العائلة الى بريطانيا، وتوصلت معها الى اتفاق جعل البحرين دولة مرعية لبريطانيا الى أن أصبحت مستقلة في 1971.
وهي مرتبطة جدا بالغرب، وبقي فيها مستشارون بريطانيون لسنوات طويلة بعد الاستقلال، والاسطول الاميركي يمكث فيها، وتمتعت بتنقيبات عن النفط، وما أن هزلت مخزونات النفط تركزت جهودها على التحول الى مركز مالي اقليمي. الانتاج القومي الخام للفرد في البحرين هو نحو 40 الــف دولار. نحو ربع اكثر مما في اسرائيل.
حمد بن عيسى آل خليفة وصل الى الحكم في العام 1999، توج نفسه ملكا وأجرى اصلاحات اقتصادية وسياسية ذات مغزى، مستعينا بابنه وولي عهده المعروف كرجل ليبرالي ومحب للسلام. في سكان البحرين، الذين يبلغ عددهم نحو 1.2 مليون نسمة، توجد أغلبية للبحرينيين وأقلية كبيرة من العمال من آسيا. المشكلة الاساسية هي أن المملكة توجد على مدى مئات السنين بيد السنة، واي اصلاح لن يؤدي الى تغيير ذلك. الاغلبية الشيعية تثور ضد هذا، وتجعل البحرين أحد الاماكن الاقل استقرارا في الخليج. المواجهات مع الحكم ليست سابقة، السابقة الوحيدة هي قرار مجلس التعاون الخليجي، بارسال الاف الجنود لمساعدة البــحرين في التصدي للمواجهة المتجددة.
البحرين ليست دكتاتورية وحشية على نمط ليبيا، ليست دولة شرطة على نمط سوريا وليست دولة دينية متطرفة مثل السعودية. رغم أن فيها نسبة بطالة عالية، فهي دولة غنية، ليس فيها سكان يذوون في الفقر، حتى وان كان واضحا بان السنة هم المتمتعون الاساسيون.
في نهاية الاسبوع يصبح الجسر الطويل بين السعودية والبحرين مكتظا حتى التعب، والسعوديون يأتون للتمتع بالخفة النسبية، يحتسون الخمر، ويقضون اوقاتهم في اطر محظورة في بلادهم. يوجد في البحرين طائفة يهودية صغيرة، وسفيرة البحرين الى الولايات المتحدة هي يهودية.
فقط من لا يعرف ما هي البحرين يمكنه أن يدخلها الى السلة العمومية للدكتاتوريات التي تحاول التحرر من عبء طغاتها. انتصار الشيعة في الصراع الداخلي البحريني من شأنه أن يشكل ضربة شديدة لمن يسعى الى تغيير وجه الشرق الاوسط في اتجاه حرية اكثر وديموقراطية أكثر، ومن يرغب في ضمان استمرار قربه من الغرب.
(السفير)

السابق
الفرزلي: الحكومة ستحمي المقاومة
التالي
أبو خاطر: أحداث زحلة غيمة وتمرّ