التفاف حول سوريا جنّبها القطوع

من سوريا كان المشهد مريحا بالامس ، شعر الكثيرون من اهالي سوريا وسياسيوها ان القطوع مر على خير وان بلادهم تجاوزت ازمة خطيرة . امتلأت شوارع سوريا بمن جددوا الثقة برئيس البلاد الذي "ينوي فتح صفحة جديدة في بلاده عنوانها القضاء على الفساد والاصلاح وتغيير الكثير من الوجوه التي ترسخ صورة سيئة عن النظام في ذهن العامة". ويؤكد المتابعون من داخل سورية ان هذا البلد على موعد مع حكومة تجسد تلك الصفحة على ارض الواقع ، وحسب تعبير سياسي سوري "ان الوضع في سوريا بدأ مرحلة جديدة عنوانها الثقة بالرئيس بشار الاسد وان الآتي من الايام سيحمل اصلاحات واضحة على اكثر من مستوى ".لا يختلف اثنان في سوريا على ان وضع النظام السوري مختلف عن انظمة الدول التي يطالب شعبها بتنحيتها او تلك التي اجبرها على التنحي فعلا. في سوريا رئيس جمهورية محبوب من شعبه وتجمعه معه ثوابت لا يمكن القفز فوقها . في سوريا شعب يجمع على ان اسرائيل هي العدو ،وان المقاومة حق . في سوريا شعب يؤيد حتى آخر رمق سياسة بلاده الخارجية .
واذا كانت الثورات العربية التي شهدناها ونشهدها قد هزمت انظمتها فان ما شهدته سوريا لغاية اليوم اعاد انتاج نظام سوري قوي يلتف حوله اكثر من دولة عربية وخليجية فضلا عن ان احدا لن يقفز فوق حقيقة التأييد الشعبي الذي يحظى به هذا النظام من داخل اهله.
في سوريا حقائق لا يريد البعض في لبنان التسليم بها ، او انه ذاك الغرور الذي نعانيه نحن اللبنانيين والذي جعلنا نعتقد حتى وقت قصير اننا الاكثر انفتاحا عن باقي الشعوب العربية والاكثر تفوقا عليها في مجالات عدة ، لولا ان دقت ساعة الحقيقة لتبين ان كل الشعوب سبقتنا الى حيث كان يجب ان نكون منذ زمن بعيد بمعزل عن تلك المقولة التي ابتدعناها وصدقناها باننا نحن من صدرنا الثورات الى غيرنا في الوطن العربي.
وليس تقليلا من تحركات اهالي درعا وغيرها من المدن التي نزل فيها الاهالي الى الشارع الا ان ما شهدته سوريا قبل ايام لم يكن مشابها لما شهدته ويشهده غيرها من دول عربية ، عبّرت الناس في غالبيتها عن غضبها في وجه الفساد ، وطالبت باصلاحات ولم تطالب بتغيير النظام ، بمعنى ان شعار "الشعب يريد تغيير النظام" لم نسمعه من اهالي سوريا . يريد الاهالي اصلاحات لاقاهم اليها رئيسهم ، ومن تابع مسيرة الرئيس الاسد منذ مجيئه يلاحظ انه كان هو اول من نادى بالاصلاح ولكن ما واجهته سوريا قد يكون سببا للالتفات الى موقع سوريا اكثر الخارجي اكثر من الاصلاح الداخلي . والذي يتعاطى الشأن السياسي يعرف كيف استطاع الاسد تجاوز اصعب فترة حصار سياسي عربي ودولي مرت على بلاده ونفذ منها ممسكا باكثر من ورقة اقليمية مهمة، وكيف استطاعت سوريا ان تكون ارضا خصبة للمستثمرين العرب والاجانب .
في سوريا شعب لم يعرف طائفته الا من خلال كلمة وردت ربما عن طريق الخطأ على بطاقة الهوية ، في سوريا حقائق وانجازات كما في سوريا اخطاء لم ينكرها النظام وهو يستعد اليوم كي يفتح صفحة جديدة مع شعبه فيها من الاصلاحات ما يكفي لتواجه به الغير الذي يريد النيل من امنها من خلال سلاح الطائفية الذي شهروه في وجهها .
تقف سوريا اليوم امام مفترق صعب ، قد يكون مشهد الامس رسالة متعددة الاوجه الى كل من يعنيهم الامر لكن الامتحان لا يزال قائما لان انصاف الحلول قد لا تجدي نفعا ولذا فان الخلاص يكون من باب الاصلاحات الحقيقية والانتقال بها الى مرحلة التنفيذ العملي .
اظهر ما تعرضت له سوريا حقائق عدة من بينها ان النظام السوري يشكل بر الامان للعديد من الدول وهي الممسكة باكثر من ورقة حساسة عربيا واقليميا .هذه هي المعادلة التي سلمت بها الدول التي سارعت للتأكيد على امن سوريا واستقرارها او تلك التي سارعت الى الاعلان عن خصوصية الوضع السوري . اراد الشعب في سوريا فاذا تحقق له ما يريد فهذه هي قمة الانجاز للشعب والنظام معا.

السابق
الانتفاضات العربية تثبت أن التاريخ لم ينته
التالي
عون: يريدون تحويل المشكلة لمشكلة بيننا وبين الراعي أو بارود لكن”فشروا”