وطن بـ”لاءات” كثيرة

علم لبنان 1200

دلّت أحداث العام 1958 في لبنان,ان غياب احدى اللاءات جرّ الى غياب الاخرى,ما احدث صداما ما بين اتباع كلتا اللاءين, نتجت عنه ثورة دموية ,استطاع الجيش فيها ان يحافظ على مقومات الدولة الواحدة,ودون السماح بسقوط النظام,او سقوط المعارضة ,بل استطاع بعدها ان يقيم دولة,متوازنة,ويرسي اسس وقوانين دولة ,ومؤسسات عصرية,ما زلنا نعيش في كنفها حتى اليوم,وعلى الرغم من وقوع حرب اهلية,وصراعات إقليمية,ودولية,متنوعة عنوانها : القضية الفلسطينية, والامتيازات الطائفية السلطوية,واختلال موازين العدالة, والمساواة بين اللبنانيين.او قل إنها كانت بين “لا” لإسرائيل,واتفاقياتها ,و “لا” لفلسطين,وبعض العرب,وتحول لبنان الى مسرح لكباش اللاءات الاقليمية,والمصالح الدولية المتناقضة.

شكّل اتفاق الطائف 1989,محطة على طريق تدوير زوايا الاختلاف,وتليين اللاءات ما بين اللبنانيين,ولكنه لم يرقَ الى مستوى محوها من طموحاتهم جميعا,لبناء دولة الاستقلال ,والعدالة,والمساواة,وبقي على عتبة الحد الادنى المقبول منهم ,وكانت الرعاية السورية لهذا الاتفاق فضاء قبول من كثرتهم ,وبضغط المجتمع الدولي المهتم بلبنان الساحة,فبقيت بعض اللاءات الداخلية, بدون حل مرض.
وكانت”المقاومة”اللبنانية, ضد الاحتلال الإسرائيلي,  لجزء من لبنان ,كذلك تحظى برضى الكثرة من الاطياف اللبنانية المختلفة,ولكن بعد التحرير العام 2000,بدأت تسمع بعض الأصوات الخافتة المنادية بوقف عملياتها,وإنهاء دورها.

اعتبارا من العام 2001, واحداث 9 أيلول في الولايات المتحدة, وبداية انطلاق المشروع الاميركي للقضاء على”بؤر الارهاب”, واستكمالا الى حروب الوقاية, والسيطرة, واحتلال العراق العام 2003, وظهور دول الممانعة الرافضة لهذه السياسات الاميركية, من إيران الى سورية الى بعض القوى غير الحكومية, والمتمثلة بحركات, ومنظمات مقاومة للهيمنة الاميركية على العالم, او تلك التي تشكل خطرا على أمن إسرائيل, ومنابع النفط, وخطوط امدادها, بدا لبنان ساحة جاهزة تختزل ,وتتقاطع فيها مصالح, ومشاريع اطراف متعددة : سورية ,إيران ,اسرائيل ,حزب الله ,السعودية ,مصر, تركيا , قطر, العراق ,الولايات المتحدة, وفرنسا واوروبا, روسيا, وحتى ..الصين, وميدانا لصراع بين مشروعين : مشروع” لا” للهيمنة الاميركية, والشرق الاوسط الجديد, و التسوية بأي ثمن, وتحويل دول المنطقة الى ساحة خلفية لمشاريع السيطرة الاميركية الاسرائيلية, وما يسبق ذلك من تفكيك عناصر القوة, والممانعة التي تمتلكها هذه الاطراف, سواء أكان ذلك ملفا نوويا, أم اوراقا استراتيجية, أم صواريخ قصيرة, ومتوسطة ,وبعيدة المدى.  ومشروع”لا” , للهيمنة الإيرانية ,السورية ,ومن خلفهما الروسيا, والصين.  ودلّت أحداث 2005 و 2006 و ما تلاها, على ارهاصات الاستراتيجيا الغربية في المنطقة, وترجمتها على الساحة اللبنانية, كنقطة انطلاق الى المسرح الإقليمي, وهكذا, تحول شعار احد الفرقاء اللبنانيين في ما بعد الى, “لا” للسلاح, وهي تعني, أن “لا” للمقاومة, ضد” اسرائيل”, , والدفاع عن لبنان ,بنظر الفريق الآخر , وبغياب الاتفاق على أي بديل تكتيكي, أو استراتيجي, أو ضمان محلي, (بناء جيش قوي , قادر, ,مجهز, ومدرب) ,أو حتى تأكيد دولي لحماية هذا الوطن من العدوان الاسرائيلي المزمن, والمستمر على لبنان, وجنوبه, واهله بشكل خاص, أو بغياب حل لأزمة المنطقة, يرضي الجميع(وهذا حلم كاذب دونه بحار من النفط,,والدماء, والوعود المجبولة بالخبث, والمصالح).

واليوم, أصبح هذا الوطن وكأنه”جمع لا”,كما تقول احدى الشاعرات العراقيات. “لا” للسلاح في الداخل, و”لا”للتآمر على هذا السلاح, ,, و”لا” لهذا النظام الطائفي ,و”لا” لتغيير هذا النظام, و”لا” للمحكمة الدولية المسيّسة, و”لا” لشهود الزور, و”لا” للوصايات متعددة الاسماء, والصفات ,إلى آخر هذه السمفونية السوداوية, من اللاءات مختلفة الالحان, والأنغام.. وأقطاب هذه التركيبة اللبنانية لم يجدوا المخرج المناسب بعد, للحفاظ على عناصر قوتهم جميعا, ويحولوا “لاءاتهم” الى “إيجاب وطني”, بالحوار, أو بحكومة قادرة, أو بغيره , يعزّز قوة وطنهم, وافراد شعبه جميعهم ,هذا الشعب الذي يبدو كمن يعيش كوميديا سوداء, أو يرقص بهذيان, فوق خشبة من”مسرح اللامعقول”, ملطخا بالدماء, وتزيّنه صور الشهداء, وكثرة الأعلام , وثرثرة وسائل الإعلام الموجّه, وفضائح” الويكي ليكس”؟؟, وسمفونية صرخات ,وانتفاضات الشعوب المجاورة, ولعلعة الرصاص, من المحيط ,الى الخليج, والاوركسترا الأطلسية, تعزف ألحان الديمقراطية المصلحية, فوق بحار النفط, والدماء.

السابق
“المنار”: السوريون يشكون بعلاقة “المستقبل” بالسفن المحملة بالاسلحة
التالي
بين نعم ولا… ماذا تقولون لأولادكم؟