مسيرات فلسطينية: “وحدتنا مصدر قوّتنا”

منذ العام 1948، اقترن اسم فلسطين بالثورة، واقترن وصف الثورة بفلسطين.
منذ العام 1948، والشعب الفلسطيني لا يستكين، لا يستسلم ولا يرضى بأقلّ من العودة بديلاً، وسبيله إليها دوماً "ثورة حتى النصر".
بحجة فلسطين والعودة إليها، مارست الأنظمة العربية القمع في حق شعوبها على امتداد قرون، وبحجة فلسطين، صادرت منظمة التحرير والفصائل الأخرى رأي الفلسطينيين في الصواب وفي الخطأ، وكان الغالب مما أدى الى حال الانقسام والتشرذم الحالية التي لم تشهد لها القضية الفلسطينية مثيلاً على امتداد تاريخها، والتي تمثل تهديداً للقضية يفوق تهديد الاحتلال نفسه خطورة.
ولمّا بدأت الشعوب العربية تثور في وجه طغاتها المحليين، وتعود لتطالب بحقوقها، بما فيها الحق في فلسطين، لم يكن من الممكن للفلسطينيين أن يبقوا بمنأى عن رياح التغيير والتحرر التي تلف الكل من حولهم. ولمّا كان الفلسطينيون رواداً في التحرر وفي الثورة، فهم لم يتوهوا عن شعار الحملة التي أطلقوها من لبنان: "الشعب يريد إنهاء الانقسام"، كي يتفرغ لمقاومة الاحتلال.
اعتصام ومسيرتان نظما في بيروت، تمهيداً لسلسلة من التحركات المنوي تنفيذها في لبنان في إطار الحملة الداعية الى الوحدة الفلسطينية، والتي من المفترض أن تبلغ ذروتها بعد غد الأربعاء الذي يصادف "يوم الأرض".

"مع التنوع والاختلاف، ولا للانقسام" ردد أبناء الأرض التي لم يستسلم أبناؤها يوماً.
نجح شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام السياسي"، الذي رفع في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت أمس الأول، في استقطاب عدد كبير من أهالي المخيّم، الذين انضموا إلى المسيرة الأولى لـ"الحملة الشبابية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية"، التي وعد القيمون عليها أن تكون باكورة سلسلة من التحركات التي تهدف الى تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين خدمة لأهداف المقاومة والتحرير.

وتوافق المشاركون على عدم الهتاف لأي من القيادات الفلسطينية، مثل "فتح" أو "حماس" بل، على العكس، طالبوا، وعلى مسمع ممثلي الطرفين في المخيم من قياديين ومسؤولين، بإنهاء الانقسام الذي يدفعون هم ثمنه كلاجئين، مجردين من حقوقهم المدنية والإنسانية، وطبعاً السياسية.

وتعتبر المسيرة الأولى من نوعها التي تجوب أزقة المخيم مطالبة باستعادة وحدة الشعب الفلسطيني وقد لاقت صدى واسعاً بين مختلف الشرائح العمرية في المخيم، فتنوع المشاركون من الشيوخ إلى الشباب والنساء والأطفال. وهتف الجميع بأعلى أصواتهم معلنين رفضهم استمرار حال الانقسام.

وتقدمت المسيرة مجموعة من الشبان الذين حملوا علماً فلسطينياً كبيراً وحضرت لافتات بعناوين مختلفة منها: "الشعب يريد مجلس وطني منتخب"، و"فرّق تسدّ: أسلوب من أساليب الاستعمار"، و"الشعب يريد العودة إلى فلسطين"، "خلي تسمع كل الناس، وحدتنا هي الأساس… يا فتح ويا حماس وحدتنا هي الأساس.. ويا هنية ويا عباس وحدتنا هي الأساس… "
وبدت المسيرة أشبه باحتفال نجح في توحيد أهالي المخيم، وكان للأطفال نسبة كبيرة من المشاركة مرددين الشعارات عينها التي سمعوها، إلاّ انه كان من الصعب على ابن الثالثة ترداد الجملة كاملة، فانطلق ينادي بأكثر الشعارات ألفة وهو "الشعب يريد إنهاء النظام".

وبما أن أزقة المخيم لا تتسع لأعداد كبيرة من الناس، فقد شارك بعض الأهالي من شرفات المنازل هاتفين بالشعارات المطالبة بإنهاء الانقسام وبالوحدة الفلسطينية. وساهم وضع طرقات المخيم وعوائق مشاريع البنى التحتية في ابتداع هتافات جديدة فوجد من يهتف "وحدتنا هي أساس القضية، انتبهوا منيح الجورة هون قوية."

وبعد ساعة من الزمن، عاد المشاركون إلى نقطة انطلاق المسيرة من "قاعة الشعب" في شاتيلا حيث تلا أحد "شباب الحراك الشبابي الفلسطيني بياناً باسم الحملة، دعا خلاله "جميع المنظمات الشبابية والطلابية ومؤسسات المجتمع المدني والناشطين الشباب للانضمام والانخراط في الحملة، والتفاعل الجدي مع برنامجها، ليعلو صوت الشباب والجماهير وليرفع العلم الفلسطيني خلف مطلب الشعب بضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية". وأكدّ البيان على "حق الشعب الفلسطيني بالعودة الى دياره التي هُجّر منها العام 1948، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس"، مؤكدين أن الانقسام يخدم الاحتلال وممارساته.

والمسيرة هي فاتحة تحركات أطلقتها الحملة، وأهمها الاحتفال الكبير بـ"يوم الأرض الفلسطيني"، الذي يصادف بعد غد الأربعاء، ومن المتوقع أن يتحول إلى مناسبة لتكريس رفع شعار استعادة الوحدة الوطنية عبر تنظيم احتفالات ومسيرات في المخيمات الفلسطينية كافة، بالتزامن مع مسيرات تُقام في الأراضي المتحلة منذ العام 1948. ومن المقرر أن يوقع المشاركون في الاحتفالات والمسيرات والاعتصامات وحواجز المحبة على عريضة تتضمن شعارات الحملة، كما تعرض أفلام وثائقية حول "يوم الأرض".

وفي عين الحلوة أيضا نظمت الحملة الشبابية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية اعتصاما شبابيا حاشدا أمام تجمع المدارس في الشارع الفوقاني للمخيم كان شعاره "معاً وسوياً … فلنرفع الصوت عالياً .. نعم لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية"، بمشاركة ممثلين عن القوى والفصائل والجمعيات الأهلية الفلسطينية كافة، بالإضافة إلى الأطر الطلابية والاتحادات واللجان الشعبية.
وبدأ الاعتصام بالنشيد الوطني الفلسطيني الذي صدحت أنغامه من مكبرات الصوت وسط تلويح المعتصمين بالرايات الفلسطينية، فيما غابت الرايات الحزبية. ورفع المعتصمون لافتات تدعو إلى إنهاء الانقسام والاحتلال.
وأكّدت عريفة الحفل الناشطة في الحملة الشبابية هبة عبد الهادي على ضرورة تضافر جهود جميع الشباب في الضغط باتجاه إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الفلسطينية.
ثم تلا الناشط في الحملة الطالب زياد مسعد بيان الحملة الذي أكد على ضرورة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وأشار البيان إلى ان هدف الحملة هو "حشد كل الطاقات الشبابية والجماهيرية والضغط من أجل العودة للحوار الوطني الشامل والمسؤول والبناء على ما تم الاتفاق عليه في الحوارات السابقة، لأن المستجدات والمعطيات القائمة ملحة، ويفرضها التحدي باستدعاء مصادر قوة الشعب الفلسطيني الموحدة، لمواجهة مجموع الأدوات والمخططات التي تواجه القضية، وتوظيف العامل الفلسطيني الموحد في الصراع، بدلاً من استخدامه تصادمياً داخلياً. فالرد على الاحتلال يكون بإنهائه من خلال تفعيل المقاومة بكل أشكالها، والرد على الانقسام والاحتكارات يكون بالديموقراطية والتمثيل النسبي الكامل".
وشدد البيان على ضرورة "العودة للشعب وإرادته الشعبية من خلال انتخابات ديموقراطية تشمل كل المؤسسات الوطنية وفي المقدمة إعادة بناء وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني".
وفي سياق متصل، غابت في مخيم البدّاوي أعلام الفصائل والتنظيمات الفلسطينية كافة، وظلل العلم الوطني الفلسطيني المسيرة التي نظمت في المخيم، في ظاهرة هي الأولى من نوعها، فحضرت شعارات واندثرت أخرى وتوحّدت الحناجر في هتاف حول شعار المسيرة الطلابية الحاشدة والتي حملت عنوان: "معاً وسوياً من أجل إنهاء الانقسام"، "معاً وسوياً لاستعادة الوحدة الوطنية"، "معاً وسوياً لتفعيل المقاومة والانتفاضة"، كما تحدث طالب فلسطيني واحد باسم جميع المشاركين.

وشارك مئات الطلاب في مخيم البدّاوي في المسيرة التي نظمتها القوى الطلابية للفصائل الفلسطينية، رافعين شعارات من وحي عنوان المسيرة التي قوبلت بترحيب حار من أبناء المخيم والنسوة اللواتي استقبلوها بالزغاريد ونثر الأرز من على الشرفات.

وانطلقت المسيرة من أمام مجمع المدارس في وسط المخيم، تقدمها عدد من ممثلي الفصائل الفلسطينية والجمعيات والمؤسسات والهيئة التعليمية، وسلكت الطرقات الرئيسية، ثم عادت إلى مكان الانطلاق، حيث تحدّث الطالب طارق يوسف مؤكّداً "ان الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات يعيش أزمة كبيرة جراء ما حصل في قطاع غزة العام 2007 وما تبعه من تداعيات خطيرة أثرت على مجمل الحالة الوطنية الفلسطينية فوجد شعبنا الفلسطيني نفسه محاصراً بين نار الانقسام والتشرذم وبين نار الاحتلال والعدوان الصهيوني الغاشم".
أضاف: "إن الشعب الفلسطيني لم يعد يحتمل استمرار الانقسام العبثي المدمّر والذي يشكل مكسباً للعدو الصهيوني ويضرب في الصميم المشروع الوطني ويهدد الحقوق الوطنية لشعبنا"، موضحاً "أن مصدر قوة الشعب الفلسطيني هو وحدته الوطنية التي تمكنه من مواصلة نضاله ومقاومته ضد الاحتلال وسياساته العدوانية".
ورفعت في المخيم لافتات تدعو إلى الوحدة والى توحيد الصفوف لمواجهة المرحلة المقبلة والتصدّي للهجمة التي يشنها العدو الصهيوني.

السابق
تاريخ موحّد أم كتاب موحّد؟ “العلميةّ” آخر الاعتبارات
التالي
قاسم: للاستمرار في التعاون مع الصليب الأحمر الدولي