النفط بين الزلزالين العربي والياباني

بالنظر إلى أساسيات أسواق النفط، وبغض النظر عن العوامل السياسية، نجد أنها تدعم نظرية أن يتراوح سعر برميل النفط من 75 إلى 80 دولارا لمتوسط سعر سلة أوبك. وبما أن متوسط سعر السلة كان في حدود 110 دولارات للبرميل في الأسبوع الماضي، فإنه يمكن بسهولة استنتاج الأثر المباشر للأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، بما في ذلك انخفاض الإنتاج الليبي واحتمال خسارته بالكامل، واحتمال انخفاض إنتاج النفط في كل من الجزائر واليمن، وانخفاض الإنتاج فعلياً في كل من غرب إفريقيا وبحر الشمال، وتبعات ذلك من مضاربات يتمثل في 30 دولارا، وهي الفارق بين السعر الذي تدعمه أساسيات السوق والسعر الحالي في السوق.
ويرجع ارتفاع أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية، رغم وفرته وقيام بعض دول الخليج بالتعويض عن النقص في النفط الليبي، إلى بعد المسافة بين ليبيا والخليج عن أسواق النفط الليبي، واختلاف نوعية النفط بين ليبيا ومنطقة الخليج. فليبيا قريبة جدا من أوروبا، خاصة من إيطاليا، أكبر مستهلك للنفط الليبي، بينما يستغرق النفط الخليجي فترة أطول بكثير للوصول إلى هذه الأسواق.
ويعد النفط الليبي من أجود أنواع النفط في العالم، لأنه خفيف وقليل الكبريت، بينما النفط الخليجي ليس بالجودة نفسها. أي لا يمكن للنفط الخليجي أن يحل محل النفط الليبي إلا إذا قامت المصافي الأوروبية بإجراء بعض التعديلات على خطوط إنتاجها كي تتمكن من تكرير النفط الخليجي. هذه المعلومات يعرفها المضاربون، فاستغلوا الفرصة ودخلوا السوق بقوة، ما يعني أنه متى تم التعويض عن النفط الليبي بالكامل فإن أسعار النفط ستنخفض ولن يكون هناك سبب لاستمرار المضاربات في مستوياتها العالية.

من جانب آخر، لا يمكن لأسعار النفط أن تستمر في هذه المستويات، ولا يمكن للاقتصاد العالمي أن يتحمل هذه الأسعار. إن أقصى ما يمكن أن يتحمله الاقتصاد العالمي حاليا هو 80 دولارا، ويمكن أن يكون أقل من ذلك في ظل الآثار الاقتصادية الضخمة للزلزال في اليابان. إن المرة الوحيدة التي تحمّل فيها الاقتصاد العالمي أسعار نفط مرتفعة بين عامي 2004 ومنتصف عام 2008 كانت فترة فريدة من نوعها في التاريخ، حيث تواكبت فيها تسعة اتجاهات بشكل لم يسبق له مثيل، وقد لا يتكرر في المستقبل القريب. وتمثلت تلك الاتجاهات التسعة في ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع الإنفاق الحكومي، وارتفاع الإنفاق العسكري، وارتفاع دخل الأفراد وزيادة معدلات الاستهلاك، في الوقت الذي كان فيه الدولار يرتفع، وأسعار الفائدة تنخفض، ومعدلات الضرائب في تناقص.

أما إذا نظرنا إلى الوضع الحالي فسوف نجد أن الإنفاق الحكومي والعسكري والدخول والاستهلاك في انخفاض، بينما أسعار النفط في ارتفاع، وهذه الاتجاهات تعني انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي الطلب على النفط.
وتشير البيانات الأمريكية إلى أن ارتفاع أسعار النفط في الفترات الأخيرة أسهم في انخفاض استهلاك البنزين في الولايات المتحدة، وانخفاض نسبة المسافرين بالسيارات، كما ارتفعت أعداد الناس المستخدمين لوسائل النقل العامة بحدود 10 في المئة في المدن الكبيرة. هذا يعني أن المستهلك بدأ يغير سلوكه نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وهو أمر ليس في مصلحة الدول المنتجة، خاصة على المدى الطويل.
وفي خضم الزلزال السياسي في الوطن العربي الذي أسهم في رفع أسعار النفط بشكل كبير، فإن الزلزال الطبيعي الذي حصل في اليابان قد أسهم في تخفيض أسعار النفط بشكل أكبر، إلا أن هذه النتيجة تعتمد أيضا على مصدر الطاقة الذي ستستخدمه اليابان في محطاتها الكهربائية بعد انفجار أحد المفاعلات النووية التي تولد الكهرباء متأثرا بالزلزال، وبعد إغلاق كل المحطات النووية في اليابان. فإذا تم استخدام الغاز الذي يستورد على شكل غاز مسال في هذه المحطات، وهو المتوقع، فإن أسعار النفط ستنخفض بسبب توقف الموانئ والمصافي اليابانية، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي بسبب الزلزال.

إن استخدام الغاز في المحطات الكهربائية يعني زيادة طلب اليابان على الغاز المسال، الأمر الذي سيرفع أسعاره عالميا، وستكون قطر أكثر الدول المستفيدة من ذلك. ونظرا لوفرة الغاز الطبيعي وانخفاض أسعاره في أمريكا الشمالية، فإن ارتفاع أسعار الغاز المسال عالميا بسبب زيادة طلب اليابان سيزيد من عزلة أسواق الغاز الأمريكية، وسيدعم الجهود الرامية إلى بناء محطات تسيّل الغاز في كل من كندا والولايات المتحدة تمهيداً لتصديره إلى أنحاء العالم كافة، الذي يمكن أن ينافس الغاز المسال في كل من قطر وأستراليا والجزائر. باختصار، الزلزال قد يخفض أسعار النفط ويرفع أسعار الغاز.

وهناك دلائل عديدة تشير إلى أن أسعار النفط وصلت إلى أوجها في الأسبوع الماضي، وأنها بدأت مسيرة الانخفاض تجاه السعر الذي تدعمه قوى السوق. فقد تمكنت بعض دول ”أوبك” من التعويض تماما عن النفط الليبي، ويتوقع أن تقوم المصافي في أوروبا وغيرها بالتأقلم مع التغير في نوعية النفط الذي سببته الأحداث في ليبيا. كما أن الولايات المتحدة، المستهلك الأكبر للنفط في العالم، قد بدأت بتخفيض استهلاكها من النفط، وانخفضت واردات الولايات المتحدة النفطية، في الوقت الذي ارتفع فيه إنتاجها النفطي، رغم انخفاض الإنتاج في خليج المكسيك.

وستقوم الولايات المتحدة ،في حال استمرت الأسعار في الارتفاع، باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي، الأمر الذي قد يضغط على الأسعار ويمنعها من الاستمرار في الارتفاع. أما على الصعيد السياسي فإن المحللين السياسيين يتوقعون أن النفط الجزائري في مأمن في الوقت الحالي، بينما يرى محللو أسواق النفط أن التجار أخذوا في حسابهم احتمال انقطاع صادرات النفط اليمنية.

كما يتوقع أغلب المحللين السياسيين ألا تؤثر المظاهرات على البحرين في إمدادات النفط في الخليج، في الوقت الذي لن يتأثر فيه إنتاج السعودية أو إيران أو أي دولة خليجية أخرى. ويرى البعض أن الوضع الدموي في ليبيا سيجعل تكرار ما حدث في مصر وتونس أمرا نادرا، الأمر الذي لن يشجع البعض على التظاهر في البلدان الأخرى. لكن كما كانت الأحداث والتطورات في كل من تونس ومصر وليبيا مفاجئة، فإن مسلسل المفاجآت قد يستمر، الأمر الذي سيجعل أسعار النفط تستمر في اتجاهها التصاعدي .
ترجمة: سامر الخيّر

السابق
النهوض العربي وزلزال نتنياهو
التالي
سورية الإصلاح.. أم القوة؟