الخليج والتحدي اليمني… والتحديات الداخلية

كيف سيتعاطى الخليج مع الحدث الآتي المتمثل في دخول اليمن مرحلة جديدة يمكن أن تؤدي إلى تفكيك ما بقي من الدولة؟ انه الطوفان اليمني الذي تبدو السعودية معنية به أكثر من غيرها بسبب طول الحدود بين البلدين من جهة والتداخل القائم بينهما منذ عشرات الأعوام من جهة أخرى.
يبدو الحدث اليمني بالغ الخطورة في حد ذاته نظراً إلى أن انعكاساته تنسحب على كل دول المنطقة، وذلك ليس بسبب الكثافة السكانية في هذا البلد الفقير فحسب، بل بسبب موقعه الاستراتيجي للبلد أيضاً. من هذا المنطلق، هناك مصلحة خليجية في احتواء الوضع في اليمن حيث يوجد توازن في القوى لا يمكن تجاهله. ما الذي ستفعله دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هل تتجاهل التحدي الجديد أم تؤكد أنها لا تزال قادرة بالفعل على التعاطي مع الأحداث والعمل في الوقت ذاته على تعزيز الجبهة الداخلية التي تشكل البحرين جزءا لا يتجزّأ منها؟ من الواضح أن رفع أي تحد ليس ممكناً من دون التعاطي مع التحديات الداخلية بجدّية.

تتسارع التطورات في المنطقة العربية ككل. واللافت وسط كل ما يجري، بدءا بليبيا وصولاً إلى اليمن مروراً بالبحرين وسورية أن دول الخليج الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية عرفت كيف تحفظ أمنها. تصرفت الدول الست بطريقة حاسمة في ما يخص البحرين وأكدت أن هناك بالفعل إرادة قوية ليست مستعدة للتهاون مع أي تهديد للأمن في أي من دول الست. هذا لا يعني أن دول مجلس التعاون كلها في وضع مريح، على العكس من ذلك، ان كل دولة من الدول الست تواجه مشاكل خاصة بها عائدة أصلاً إلى التأخير في التنسيق في ما بينها والتردد في الإقدام على مبادرات جريئة كان يمكن أن تقطع الطريق باكراً على تدهور الوضع في البحرين وصولاً إلى اعتصام وسط المنامة بهدف تغيير النظام من منطلق مذهبي وكأن المطلوب أن تكون البحرين بمجتمعها، الذي يتمتع بحيوية كبيرة، حصان طروادة لإيران في قلب كل دولة من دول المنطقة.
على الرغم من تسارع التطورات، يفترض في كل دولة من الدول الست الالتفات إلى الداخل والسعي إلى فهم الأسباب التي حالت دون مبادرات تقود إلى معالجة الوضع في كل من البحرين واليمن، وذلك على الرغم من أن الوضع اليمني في غاية التعقيد لأسباب عدة من بينها غياب مؤسسات الدولة والنمو السكاني الذي لا حدود له في بلد ذي موارد محدودة…

لا شيء يغني عن الالتفات إلى الداخل في حال كان مطلوباً أن تكون هناك سياسة ناجعة لدول مجلس التعاون. ولذلك، في استطاعة السعودية على سبيل المثال الإسراع في تجاوز المرحلة الانتقالية التي تمر بها والإقدام على الاصلاحات المطلوبة بعدما تبين أنها مستهدفة إيرانياً، وأن أي تهاون تظهره في أي بلد عربي خصوصاً في لبنان، بعد البحرين وقبل البحرين، إنما يصب في خدمة المشروع الإيراني الذي يقوم على إثارة الغرائز المذهبية من جهة وتغذية الخلافات التي يمكن أن تطل برأسها بين اي دولتين خليجيتين من جهة أخرى. فالأكيد أن ليس في إمكان أي دولة لعب أي دور مهم، على صعيد التنسيق مع جيرانها حتى، من دون ترتيب أوضاعها الداخلية أوّلاً. ولا شك أن الكويت، عبر أمير الدولة الشيخ صباح الاحمد، استوعبت ما يمكن أن يترتب على استمرار الخلاف الإماراتي- العُماني فسارعت إلى التوسط لوضع حدّ له، خصوصاً بعدما تبين أن في أساسه إيران. سدّ الشيخ صباح ثغرة خليجية. والثابت أن الكويت يمكن أن تلعب دوراً أفضل في حال رتبت أوضاعها الداخلية ولم تعد أسيرة مجلس الأمة (البرلمان) الذي تعطله الانقسامات المذهبية والتجاذبات بين الليبيراليين والمبالغين في التدين واستخدام الدين لأغراض سياسية، من قبل الذين يحولون دون أي تقدم من أي نوع كان في بلد كان رائداً في مرحلة ما على كل الصعد، خصوصاً في مجال الاقتصاد والانفتاح على العالم الحضاري، سياسياً واجتماعياً. تبدو الكويت ضحية ديموقراطيتها التي لا علاقة لها بأصول اللعبة الديموقراطية القائمة على تطوير البلد وليس على ابقائه أسير الايديولوجيات المتعفنة والتجاذبات المذهبية التي لا تقدم ولا تؤخر.

سارعت سلطنة عُمان إلى الاصلاحات كي تقطع الطريق على أي خلل داخلي. فأي خلل على هذا الصعيد يعطل الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطنة على الصعيد الإقليمي ويحول دون انخراطها من حيث تدري أو لا تدري في مشاريع تشتت الجهود التي يبذلها مجلس التعاون ككل من أجل المحافظة على أمن دولة من منطلق ان الجميع في مركب واحد…

لا يختلف اثنان على أن قطر لا تعاني من مشاكل تجعلها في حاجة إلى اصلاحات على الصعيد الداخلي. تستطيع قطر الاستفادة من الفراغ المصري عربياً ومن فراغات أخرى في الخليج. ولكن تبقى مشكلة في غاية الأهمية تتمثل في أنّ قطر أسيرة الأدوار الإعلامية التي تلعبها على الصعيدين العربي والإقليمي. هذه الأدوار تجعلها مضطرة إلى حد كبير إلى مسايرة إيران ومنع الدوحة من الذهاب بعيداً في اتباع سياسة تجعلها على مسافة واحدة من الجميع. لا شك أن القيادة في قطر تدرك إلى حدّ كبير أهمية الإعلام وخطورته وكيفية استخدامه. وقد تدرك يوماً أن الإعلام سلاح ذو حدّين، ذلك أن هناك ألعاباً معروف جيداً كيف تبدأ ولكن ليس معروفاً كيف يمكن أن تنتهي، خصوصاً عندما تكون هناك أحزاب دينية تعتقد أن في استطاعتها توظيف الإعلام في خدمة أغراض خاصة بها.

ليس سرّاً أن دولة الإمارات واجهت مشاكل داخلية. واجهت خصوصاً الأزمة الاقتصادية التي مرت فيها دبي. لكنها استطاعت احتواءها بفضل ما تملكه أبو ظبي من احتياطي مالي. تظل الإمارات في الظروف الراهنة في وضع مستقر مختلف عن غيرها نظراً إلى أنها الدولة الأكثر قدرة على التمييز بين ما تستطيع أن تفعله وما لا تستطيع أن تفعله. ربما كان ذلك عائداً إلى أنها مهتمة بالداخل قبل أي شيء آخر. فالمواطن الإماراتي له الاولوية وهو متصالح مع الدولة ومؤسساتها. الأهم من ذلك أن الإمارات لا تدعي أنها قادرة على لعب أدوار تفوق حجمها. ولذلك، لم تجد حرجاً في ارسال قوة إلى البحرين من دون حاجة إلى تبرير تصرفها بأي شكل. كذلك لم تجد حاجة إلى تفسير أسباب الدعم الذي توفره للتحالف الدولي الذي يساعد الشعب الليبي في المواجهة مع نظام العقيد معمّر القذّافي.

اليد الواحدة لا تصفق. أيادي الدول الست في مجلس التعاون لدول الخليج العربية قادرة على أن تصفق عندما يكون هناك حد أدنى من التنسيق بين الدول الست. ما تحتاجه الدول الست هو الاقتناع بأن لا خيار أمام كل منها سوى خيار أن تكون متصالحة مع شعوبها أوّلاً. تلك هي الخطوة الأولى على طريق التعاطي مع مشاكل الإقليم بدل السقوط في فخ التجاذبات الإقليمية التي لا تصب إلاّ في جعل العمل المشترك الخليجي عقيماً. وكلمة عقيم يمكن وصفها بأنها التعبير الأكثر تهذيباً الذي يمكن اللجوء إليه في الأحوال الراهنة!

السابق
معجزة سورية
التالي
إسقاط النظام الطائفي ورموزه… تنوع أو انقسام