عمليات نصب خلوية تغـري بجـوائز أو بالجنس

تتزايد، يوماً تلو الآخر، أعداد الرسائل النصية المرسلة لأرقام هواتف خلوية متعددة، موزعة في مناطق لبنانية متفاوتة، من أرقام خارجية (غالباً من أفريقيا)، مفادها: «اختير رقمك في القرعة، وفزت بمبلغ خمسين ألف دولار. اتصل حالاً ومجاناً»، أو «مبروك، ربحت معنا سيارة «شيفروليه» موديل 2011. لاستلامها، اتصل مجاناً». وثمة رسائل تقول: «أنا لينا من سويسرا. أود التعرف عليك. أرجوك اتصل».
وجذبت الرسائل، خصوصاً تلك التي تؤكد أن المتصل لن يخسر وحدات خلوية من رصيده، فضول كثيرين اعتبروا أن القدر ابتسم لهم أخيراً، و»الفانوس» السحري ظهر من شاشة أجهزتهم الخلوية، فقاموا بالاتصال على الأرقام الواردة، ليتبين لهم بعد الانتهاء من المكالمة، أنهم وقعوا في «فخ» مكلف، وضحايا عمليات نصب محكمة.
فبعد انتهاء المكالمة الطويلة، المملة والرتيبة، يكتشف المتصل، إذا كانت شريحته مسبقة الدفع، بأنه خسر أكثر من عشرة دولارات. أما صاحب الشريحة الثابتة، فإنه سيكتشف لاحقاً، عند سداد الفاتورة، بأن دولارات عشرة، أو أكثر، قد أضيفت إلى لائحة المكالمات الصادرة.

غير أن الرسائل النصية التي ترسلها «لينا»، أو «هلا»، أو «ساندي»، واللواتي تظهر أسماؤهن في أعلى الشاشة فيما أرقامهن تذيل الرسائل النصية، تبدو أكثر «تشويقاً» في سياق «هاتفي» يتسم بالسذاجة حيناً، وبالابتذال حينا آخر، بسبب نوعية الحوار الإباحي (من طرف واحد) الذي تتلوه حيناً آخر. وتنتهي المكالمة، التي تتخللها روايات «حميمة»، بتحديد موعد.. في كوكب المريخ.
يحق لك الادعاء

وفي حين تُعتبر «موجة الرسائل» الخادعة ضرباً من ضروب السرقة «الحديثة» ـ القديمة، علمت «السفير» من مصدر وثيق الصلة بملف الخلوي في وزارة الاتصالات، بأن ثمة شركات أجنبية معروفة تؤدي دور الوسيط، بين الشركة التي ترسل النصوص وشركتي «ألفا» و»إم. تي. سي»، لقاء نسبة ستين في المئة لإحدى شركتي الخلوي، ونسبة أربعين في المئة للشركة المرسلة.
وأكد المصدر أن شركتي الخلوي لا تكونان على بيّنة مسبقة بمضمون الرسائل، أي أنهما لا تكترثان للمحتوى، بل تستفيدان من العمولة، مشيراً إلى أن الوزارة تستطيع «منع وصول الرسائل، بعد تلقيها شكاوى من المواطنين حول الموضوع، وبعد تزويدها بالأرقام المرسلة إليهم».

وأوضح المصدر أن «أسلوب الشركة المستخدمة، والتي تجني أرباحاً طائلة من خلال سرقاتها الخلوية، يعتمد على استراتيجية «الفخ لمرة واحدة»، بحيث إنها تدرك سلفاً أن المتصل لن يعاود الكرّة. غير أن مكالمة من هنا، ومكالمة من هناك، في هذا البلد وفي ذاك، تدر أرباحاً خيالية في نهاية المطاف».
ماذا عن الضحية، وسبل ملاحقة سارقيه؟
يؤكّد الخبير في المعلوماتية في وزارة الاقتصاد، علي بيطار، أنه منذ ثلاثة أيام، سدّدت مديرية حماية المستهلك في الوزارة، مبلغ ثلاثمئة وخمسين دولارا، لمواطن أرسل حوالى أربعمئة رسالة نصية، عقب تلقيه رسالة مفادها أنه «اشترك في المسابقة، واربح مليون دولار». فقام المشترك بإرسال الرسالة الأولى، حتى كرّت سبحة الأسئلة والأجوبة، ليتكبد مبلغ أربعمئة دولار. ويشير الخبير إلى أن ثمة مواطنين اشتكوا من رسائل «خادعة»، كتلك التي تفيد بأن صاحب الخطّ الخلوي ربح سيارة، وسددت لهم المديرية تسعة دولارات، أو أقل، أو أكثر. وفي المقابل، ثمة أرقام وهمية تصعب ملاحقتها. ويطلب الخبير من المواطنين، أن يتحلّوا بالوعي قبل الاشتراك في أي خدمة مريبة، وإذا وقعوا في «الفخ»، فيمكنهم الاتصال بمكتب الشكاوى في المديرية على الرقم 1739.
تسأل وتجيب..

تدرك عاملة الهاتف، كما تقول من الثانية الأولى للمكالمة، في رسالة مسجّلة بلكنة «مبشّرة» بعربية ركيكة، بأن المتصل سيفاجأ بالخبر، لذلك تبادر الى القول فورا «أوضح لك بأن رقمك تم سحبه من بين آلاف الأرقام، وربحت معنا خمسين ألف دولار. والآن، نريد منك بعض المعلومات الشخصية، لنضمن استلامك الجائزة. والمعلومات، ستبقى سرّية، ولن يطّلع عليها أحد». تبدأ صاحبة الصوت الرتيب، بطرح الأسئلة، على نحو مكرّر بطريقة لا مفرّ من اكتشاف أنها تبتغي تمرير الوقت، كسؤال، من بين أكثر من عشرين سؤالا، مفاده: «هل هذه أول مرة تربح فيها الجائزة؟ أم أنها ليست أول مرة تربح فيها الجائزة؟»، طالبةً من المتصل الإجابة بعد سماع صافرة «الهاتف»، من خلال «أزرار الهاتف الخلوي».
ويستغرب المتصل، أنه إذا أجاب عن السؤال، أو لم يفعل، فإن عاملة الهاتف تبدي له شكرها على الإجابة، أو «ممتاز!»، أو «شكراً، لقد تأكدنا من مكان إقامتك. شكراً لك». وبعد أسئلة لا تمت إلى المعلومات الشخصية بصلة، كسؤالها إن كان المتصل يطفئ محرك سيارته في أثناء تعبئة الوقود، «تبشّر» عاملة الهاتف: «أصبحت قريباً من نيل الجائزة. رجاءً، انتظر حتى انتهاء المكالمة. وبالمناسبة، صوتك واضح وجميل»، علماً بأنه لا صوت، بل صمت مطبق، وإنصات.
تزداد، شيئاً فشيئاً، عملية توجيه الأسئلة العشوائية (مع التكرار): «هل لديك أصدقاء يعملون في التجارة الحرة؟ زوّدنا بأرقام هواتفهم الخلوية. هل أنت متزوج؟ موظف أم طالب دراسة؟ كيف هو وضعك المادي حالياً؟ ما هي الدول التي قمت بزيارتها؟ وما هي الدول التي تتمنى أن تزورها؟»، لتنتهي، قبل مجموعة الأسئلة الأخيرة، بـ»ممتاز!».

وبعد استكمال طرح الأسئلة، يقول التسجيل الآلي بأن المتصل وصل إلى نهاية المطاف، لكن يتوجب عليه الإجابة على خمسة أسئلة، كي يضمن فوز الجائزة بوجه المنافسين. وللمصادفة، تكون إجابات الأسئلة الأربعة، التي ليس من الضروري أن يجيب عليها المتصل، صحيحة، فيما إجابته الأخيرة، في ما يتعلق بـ»لون الشرايين»، خاطئة: «للأسف، إجابتك غير صحيحة». وتُقفل المكالمة.
«هل أنت وحدك في الشقة؟»

لا يشبه صوت لينا، بابتذاله الواضح، الصوت المستخدم في التسجيل الآلي السابق. فلكنة لينا لبنانية بوضوح: «مرحبا. كيفك؟ أنا اسمي لينا. وإنت شو اسمك؟».
تنتظر لينا، في تسجيل آلي أيضاً، ثلاث ثوان، قبل أن تقول «ياي. كتير حلو اسمك»، علماً أن المتصل لم يجب على السؤال، ولا على أي سؤال آخر. تضيف: «إنت وحدك بالبيت؟ وأنا كمان وحدي، وعارية. شو لابس إنت؟ (ماذا ترتدي؟) هل تحب أن نخلع ثيابنا ونجلس جنباً إلى جنب؟».

تتنهد لبرهة، قبل إعلانها عن «سرّ سأخبرك إياه…….»، ثم تكرّ الأسئلة والطلبات الإباحية، قبل أن تسرّ للمتصل بتفاصيل حميمة، في قالب خيالي، فيه الكثير من التفاصيل المعيبة، والوصف الجنسي المسترسل.
وبعد الانتهاء من القصة، تشرع لينا بطرح أسئلة شخصية: «هل أنت وحدك في الشقة؟ آااه، فإذاً أين تريد أن نلتقي يا حبيبي؟ خلص، إنت اختار المكان. وين؟»، فيجيب المتصل: «في المريخ، أو في كوكب زحل»، فيقول التسجيل مختتما المكالمة: «أوكي حبيبي، أوكي. ما تتأخر»…

السابق
إسقاط الطائفية بين رقص الشباب..وحنجلة السياسيين
التالي
مجدلاني: من غير الممكن بناء دولة قوية بوجود سلاح غير شرعي